ومتى يتوقف سَفَهُ الحكومة؟

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الأربعاء 17 أغسطس 2016 - 10:05 م بتوقيت القاهرة

يوم أمس الأول الثلاثاء كتبت فى هذا المكان بعنوان «متى يتوقف سفه المواطنين؟»، منتقدا السلوكيات السيئة لبعض المواطنين خصوصا فى إهدار المياه والكهرباء وعدم الوعى بثقافة الاقتصاد والترشيد، وقلت فى نفس المقال إن ذلك لابد أن يقترن أيضا بوقف السفه الحكومى.

وحتى يكون الكلام موضوعيا أكثر، فإن السفه الأكبر هو الذى ترتكبه الحكومات المصرية منذ حقب طويلة، ولن تقوم لهذا البلد قائمة من دون توقف سفة الحكومة حتى لو توقف سفه المواطنين.

عندما يكون المواطن سفيها فهو ــ عمليا ــ يضر نفسه بالأساس، وفى أغلب الأحوال يتحمل الوزر الأكبر لما يفعل، لكن المشكلة أنه فى حالة سفه الحكومة، فإن المواطنين هم الذين يدفعون الثمن بالكامل.

لو أن هناك إجماعا بين الخبراء على أن عملية الإصلاح الاقتصادى المقبلة لن يكتب لها النجاح، من دون توقف الحكومة عن سلوكياتها التقليدية فى إهدار المال العام، فلا يمكن للحكومة أن تطالب المواطنين بالتقشف وشد الحزام والتحمل والتضحية من أجل البلد والوطن.. من دون أن تبرهن لهؤلاء المواطنين أنها قدوة لهم.

مظاهر سفه الحكومة الحالية وغالبية الحكومات السابقة لا تعد ولا تحصى من أول ترك الإضاءة فى المكاتب ليل نهار مرورا بانعدام الكفاءة لدى العديد من موظفى الجهاز المترهل نهاية بإهدار المال العام بالعمد حينا والجهل أحيانا.

فى بعض البلدان مثل الهند يتم إجبار الوزراء وكبار المسئولين على أن تكون السيارات التى يتنقلون بها من إنتاج وطنى، ومعظمها من طرازات بسيطة ومتواضعة ورخيصة.

لو أن الوزراء الهنود استخدموا أحدث السيارات العالمية فلن يلومهم أحد، لأنهم حققوا ما يشبه المعجزة التنموية فى قطاعات كثيرة خصوصا التكنولوجيا، ورغم ذلك فإن ترشيد الإنفاق هناك يمكن ملاحظته بسهولة.

إذا كان هذا حال الهند، فمن الضرورى أن يكون حالنا أيضا. لم يكن مقبولا السفه الحكومى المصرى فى الماضى، فما بالك الآن ونحن نعانى بصورة غير مسبوقة ونحتاج إلى كل مليم، لأن حالنا شديد البؤس.

تحتاج الحكومة فورا إلى شن حملة لا هوادة فيها على كل مظاهر السفه وغياب الترشيد، من أول استخدام السيارات الرسمية لخدمة زوجة المدير وأولاده وشراء حاجاتهم من الأسواق إلى إعادة النظر الكاملة فيما ينفق على مجالات غير ضرورية.

إذا كان مفهوما ومقبولا أن الدولة والحكومة بدأت فى التضييق على التجار الذين يستوردون سلعا استفزازية، فمن باب أولى ان يتوقف كبار المسئولين فى الحكومة المصرية عن تجهيز مكاتبهم بالأثاث الجديد والديكورات المستوردة.

صار مطلوبا الآن أن يعاد النظر فى سفر كبار المسئولين أو صغارهم إلى رحلات طويلة بالخارج مصحوبة ببدل سفر يصرف بالدولار واليورو. الحالة التى نعيشها تحتم علينا أن يكون السفر للخارج فى أضيق نطاق وللضرورة القصوى فقط، ولأقل عدد من الأيام وقت، بدلا من قضاء أوقات طويلة معظمها يتم تخصيصه من أجل «الشوبينج» خصوصا فى العواصم الأوروبية وشرق آسيا.

تراهن الحكومة على أن الإجراءات التقشفية التى بدأت فى اتخاذها، وسيدفع ثمنها المواطنون بالأساس ستكون حاسمة لتطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادى الذى اتفقت عليه مبدئيا مع صندوق النقد الدولى فى الأسبوع الماضى. لكن الخبر السيئ الذى ينبغى على الحكومة أن تتذكره دائما هو أن المواطنين لن يقبلوا هذه الإجراءات، ولن يتحملوها إلا إذا شاهدوا بأعينهم أن الحكومة تتقشف أيضا معهم وربما قبلهم. وإذا كانت الحكومة جادة بالفعل فى التقشف فعليها أن تخبر المواطنين بحقيقة صفقة الطائرات الأربع المدنية الفاخرة من طراز «Falcon 7X» من شركة داسو للطيران، التى تحدثت عنها صحيفة «لا تربيون» الفرنسية أمس الأول. وإذا كانت لم توقع على الصفقة فعلا حتى الآن، فهى تحسن صنعا إذا تراجعت عنها تماما، وألا تركب رأسها فى هذا الموضوع تحديدا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved