لمن استطاع إليه سبيلًا فقط

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الخميس 17 أغسطس 2017 - 10:15 م بتوقيت القاهرة

أقل تكلفة لرحلة الحج هذا العام من مصر هى ٥٩ ألف جنيه، أما أعلى تكلفة فقد تصل إلى أرقام فلكية لأن خياراتها واسعة حسب رغبة الحاج.
الرقم مرتفع جدا، وتفسير ذلك طبيعى ومنطقى بسبب تعويم الجنيه أمام العملات الأجنبية منذ نوفمبر الماضى ومن بين هذه العملات الريال السعودى المرتبط بدوره بالدولار الأمريكى. فى العام الماضى كان الدولار يساوى نحو ثمانية جنيهات. الآن ارتفع إلى نحو ١٨ جنيها كما ارتفع سعر الريال أمام الجنيه ليقترب من الخمسة جنيهات، وبالتالى فإن التكلفة تضاعفت.
الغريب والمريب أنه بينما ساءت أحوال معظم المصريين الاقتصادية وتدهورت بسبب تعويم الجنيه والارتفاعات المستمرة فى أسعار الوقود، الأمر الذى أدى لارتفاع كل الأسعار والخدمات بصورة جنونية، فإن نماذج كثيرة من هؤلاء المساكين والفقراء ومحدودى الدخل يضحون بالغالى والنفيس وربما يقترضون من أجل الحج أو العمرة!.
أعرف نماذج كثيرة لهذه العينة. بعضهم لا يجد قوت يومه بالمعنى الحرفى للكلمة، وبالتالى لا يعرف ماذا يخبئ له الغد، وعلى الرغم من ذلك قرر أن يحج.
لا أكتب هذا الكلام كى ألوم هؤلاء، وعندى تفسيرات كثيرة لهذه الظاهرة؛ منها أن البسطاء يراهنون على رحلة الحج مهما كلفهم الأمر، حتى لو تطلب بيع كل ما يملكون والاقتراض من أجل اتمام هذه الرحلة، كى يضمنوا آخرتهم بعد أن صعبت عليهم حياتهم. الكلام السابق بالطبع هو مجرد تخمين وهو تفسير روحى وليس منطقيا.
نعرف جميعا أن فريضة الحج هى الركن الخامس فى الإسلام، ونعرف أيضا أنها مشروطة بالاستطاعة والقدرة، والرسول عليه الصلاة والسلام قال بوضوح: «لمن استطاع إليه سبيلا» أى أن غير القادر ليس عليه حرج إذا لم يحج، ومن باب أولى إذا لم يعتمر.
وبالتالى فالسؤال مرة أخرى: لماذا يحج بعض المصريين على الرغم من أن الإسلام أعطى لهم رخصة واضحة، ماداموا غير قادرين؟!
الأحاديث والأحكام الفقهية واضحة، بل هى تحرم الحج على القادر جدا، مادام أهله وجيرانه، بل وشعبه فى حاجة لهذه الأموال. وهناك اجتهادات وقياسات كثيرة تقول إن الحاكم أو ولى الأمر يحق له تعطيل فريضة الحج بالكامل، إذا كانت أحوال المسلمين فى هذه المنطقة صعبة وعسيرة.
المشكلة الأكبر هى أن العديد من المصريين يحجون أكثر من مرة، ويعتمرون عشرات المرات على الرغم من أن أحوال بلدهم «تصعب على الكافر» وليس فقط على المؤمنين!.
وبالتالى فالسؤال الذى لا يمل المرء من تكراره هو: لماذا لا تكون هناك آليات عملية ملزمة لتقييد الحج والعمرة، خصوصا لمن أكرمه الله وأدى هذه الفريضة أو تلك السنة؟!
لماذا لا نضع قيودا حتى لا نتسبب فى نزيف ما لدينا من عملات أجنبية شحيحة؟!.
وبالطبع ومادام الفقير أو المعدم يبيع كل ما يملك أو يقترض من أجل الحج، فإن المقتدر لا يمكن لومه كثيرا مادامت لا توجد قيود عليه.
ويزيد الطين بلة، حينما يكون الغالب على الكثير منا هو التدين الشكلى، أى وجود ملايين الحجاج من دون أن ينعكس ذلك على الممارسات على أرضه الواقع.
كل عام وأنتم بخير.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved