العربية السعودية والإصلاح

إكرام لمعي
إكرام لمعي

آخر تحديث: الجمعة 17 نوفمبر 2017 - 9:30 م بتوقيت القاهرة

فى سلسلة المقالات التى أكتبها عن الإصلاح انتهيت إلى أن المنوط بالإصلاح هو الإنسان وليس غيره، فالكتب المقدسة موجودة من مئات السنين وكذلك تعاليم الرسل والأنبياء لكن الذى قام بثورة الإصلاح فى الدول التى أصلحت كانوا من البشر العاديين أو رجال دين مغمورين حملوا رسالة الإصلاح وعضدتهم شعوبهم بينما هناك الكثير الذين استشهدوا فى سبيل الإصلاح من قبلهم وهناك إصلاح جاء من قمة السلطة والنموذج لذلك ما حدث فى الاتحاد السوفيتى عام 1987 عندما أطلق الرئيس الروسى ميخائيل جورباتشوف دعوته بالبرسترويكا والجلاسنوست إعادة البناء والمكاشفة ومن خلاله سقطت الشيوعية بعد سبعين عاما حيث قامت ثورتهم عام 1917 بقيادة لينين وفلسفة ماركس وكان الإصلاح سياسيا ودينيا، أما آخر محاولة للإصلاح فاجأت العالم فهى محاولة الأمير محمد بن سلمان فى السعودية، والسعودية بلد تأسس على التوافق السياسى الدينى فقد كانت الجزيرة العربية تتكون من عدة قبائل وعائلات، وهنا جاء المؤسس للدولة عبدالعزيز آل سعود واتفق مع محمد بن عبدالوهاب صاحب المذهب الدينى المتشدد الوهابى وتأسست الدولة بهذين الجناحين الدينى والسياسى فى بداية القرن العشرين وتغير اسمها من الجزيرة العربية إلى المملكة العربية السعودية، وهكذا صارت السعودية هى المصدر الأول فى العالم للبترول والتشدد الدينى وقد أثر نموذج السعودية على بلدانها المجاورة وخاصة مصر وخرج من السعودية زعيم القاعدة أسامة بن لادن ومن مصر نائبه وعندما فكر الشيخ حسن البنا فى إنشاء حركة الإخوان المسلمين قام بزيارة محمد عبدالوهاب فى السعودية للاسترشاد به وعلى مدى سنوات كانت السعودية ملجأ للمتشددين دينيا ولجماعة الإخوان المسلمين وممولا رئيسيا للجماعات الإسلامية، وكنا نرى أطباءنا ومدرسينا وعمالنا وهم يسافرون للسعودية ثم يعودون يرتدون الجلباب القصير مطلقين لحاهم وزوجاتهم بجوارهم أو خلفهم بالنقاب وكانت الدولة المصرية تشجع ذلك منذ السبعينات وعندما كنا نستمع إلى ملك السعودية ووزرائه كانوا دائما يتحدثون عن الماضى والتراث والتشدد الدينى المطلق وتطبيق الحدود... إلخ. إذن ماذا حدث اليوم حتى أن كل القنوات التلفزيونية ووسائل التواصل الاجتماعى تتحدث عن الإصلاح السياسى والاقتصادى والاجتماعى والثقافى والدينى فى السعودية، تتحدث عن أمير شاب يدعى محمد بن سلمان يتحدث عن المستقبل، وإذ بمعظم السعوديين يتحدثون كثيرا هذه الأيام عن المستقبل وهذا مؤشر رائع لشعب وقيادة أدمنت الحديث عن الماضى حتى تشكلت فلسفتهم ورؤيتهم للحياة على نحو «ماضوى» تراث تاريخى، من هنا يهتف شباب السعودية (75 % من السكان) أن المستقبل هو الاتجاه الصحيح فالماضى يعنى الجمود والماضى لا يحل مشاكل اليوم لكنه يضيف تعقيدات جديدة لمشاكل الحاضر. يتحدث السعوديون قائلين لقد أصبح الماضى عبئا ثقيلا على حاضرنا أصبحنا ضيوفا دائمين على موائد التاريخ ولم يعد يمكننا أن نرى العالم أو نتعامل مع الحياة إلا من خلال التاريخ وقوالبه وأحكامه، لم نعد نتحمل كل هذا التاريخ أن يسير أمامنا لأن مكانه الطبيعى خلفنا، المستقبل هو من يجب أن يقودنا.

***

ماذا قال محمد بن سلمان وهو يطلق مشروعه «لن نضيع ثلاثين سنة من حياتنا فى التعامل مع أى أفكار متطرفة، سوف ندمرهم اليوم وفورا، لأننا نريد أن نعيش حياة طبيعية تترجم مبادئ ديننا السمح وعاداتنا وتقاليدنا الطيبة ونتعايش مع العالم ونساهم فى تنمية وطننا والعالم» يصف فريق مجلة «نيويورك تايمز» محمد بن سلمان بـ«المتهور» الذى يخلف ملوك الزهايمر، ويستطرد بالقول: «لفهم الاضطرابات الأخيرة التى تحدث فى السعودية فإن نسبة السعوديين تحت سن الثلاثين 70% منهم 25% عاطلون بالإضافة إلى ذلك هناك أكثر من مائتى ألف يدرسون فى الخارج ونحو 35% يعودون إلى وطنهم بشهادات يأملون بها فى عمل هادف ناهيكم عن الطموح لفعل شىء ممتع بخلاف الذهاب إلى المساجد والمولات التجارية، إذن النظام يحتاج إلى خلق فرص عمل إضافية خارج نطاق النفط، ويقول فريدمان عن محمد بن سلمان أنه شاب فى عجله من أمره هو شغوف بالإصلاح ويريد تغييرا جذريا فى المملكة، هو يهتم بالأرقام أكثر من حفظ القرآن هو ماكنزى أكثر من كونه وهابيا فـ«محمد بن سلمان» تشغل الأرقام باله أكثر بكثير من القرآن، لقد هز أركان النظام السعودى، لقد قضى بن سلمان على «شباب الحرس القديم» الأبناء الرئيسيين والمنافسين الطبيعيين من الأفرع الرئيسية الأخرى بالعائلة المالكة واعتقل مالكى شبكات التلفاز، ويقول إن النظام السعودى لم يعد يستمد شرعيته من الدين، وقد تعهد بن سلمان بإيجاد إسلام سعودى أكثر اعتدالا فبدأ بكبح هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والسماح للنساء بقيادة السيارات، وهذا أمر مهم يشجع الناس على إصدار أحكامهم على أداء الحكومة وليس تقواها، على مؤشرات الأداء الرئيسية والنمو الاقتصادى والإسكان والرعاية الصحية وليس على حفظ القرآن.

فى يوم السبت 4 نوفمبر كان هناك لقاء بالقاهرة مع السيد فيصل معمر بن معسر أمين عام مركز الملك عبدالله للحوار بين الأديان «كايسيد» بدعوة من الهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية بمصر (منتدى حوار الحضارات) قال إن لديه أربعمائة متدرب بخلفيات دينية لتعزيز الحوار عبر التواصل الاجتماعى، والمركز يضم إلى الأديان الثلاثة اليهودية والمسيحية والإسلام والكونفوشوسية والبوذية وكانت هذه مفاجأة ضخمة، السعودية تتعامل مع اليهودية والكونفوشوسية والبوذية!!، قال لدينا علاقات مع كبار قيادات هذه الأديان وعلاقات وخبرات قوية بالكنائس بكل طوائفها فى مصر والعالم أجمع، نتعامل مع 47 مركز حوار دولى بالعالم.
***
قال إن الإصلاح الدينى فى أوروبا والتى تحتفل بمرور خمسمائة عام عليه الكنائس الإنجيلية المصلحة هو الذى فتح الباب للتنوير حيث لم يكن هناك إصلاح دينى حقيقى وتحدث عن أن الإصلاح الدينى لابد أن يكون من الجذور، وأنه لابد من الاستنارة الدينية لأن الحركات المتطرفة لها منظروها وفى المناقشة والحوار ظهرت بعض الأفكار مثل أن الإصلاح لابد أن يبدأ من أسفل لأعلى وأن تعضده وتسانده قيادة مستنيرة للبلاد، وهنا كان يشير إلى الأمير محمد بن سلمان ــ قال إن ميثاق العمل لدينا أمران وثيقة المدينة والتى تمت بين الرسول ويهود المدينة وسورة مريم، وأن النصوص الدينية تحتاج إلى تفسير معاصر مختلف ومتجدد مع الزمن فلا يتجمد فى زمن معين حتى لو كان زمن الإصلاح، لذلك لابد من فتح باب الاجتهاد والذى أغلق على أن يستمر مفتوحا باستمرار، وأن الإصلاح الدينى لابد أن يواكبه تنويرا ثقافيا حيث تتلاقى الفلسفة مع الدين ليصنعا إصلاحا حقيقيا.

فى النهاية كانت هناك مفاجأتان غير متوقعتين الأولى عن المرأة السعودية، فإجابة السؤال عن موضوع قيادة المرأة للسيارة قال: إن قيادة المرأة للسيارة لم يكن من أولويات المرأة السعودية فقد استطلعنا رأى المرأة فى الحقوق التى تريدها وكانت النتيجة عشرة بنود وكانت قيادة المرأة السيارة رقم 9 وقد تم تنفيذها لأنها الأسهل أما الثمانية السابقة لها فكان منها الحقوق السياسية للمرأة والمساواة فى الميراث وحق الطلاق... إلخ .هل كان فى تصورك ــ عزيزى القارئ – أن السعودية تقوم بعمل استبيان للمرأة؟!! 

وكانت المفاجأة الثانية أن الأنبا مرقس أسقف شبرا الخيمة سأل السيد فيصل عن حرية سفر رجال الدين المسيحيين إلى السعودية فقال له لقد دعونا البطريرك المارونى الكاردينال بشارة الراعى للسعودية وسوف يقوم بالزيارة قريبا وهو ما حدث بالفعل، قال الأنبا مرقس أنا قدمت فى السفارة السعودية بمصر للحصول على فيزا لزيارة السعودية منذ سنتين ولم تكن هناك إجابة أجاب السيد فيصل أن هذا الأمر تغير وعليك أن تتابع السفارة وسوف تحصل عليها الآن بسهولة!!! 

***

بعد انتهاء الجلسة عدت إلى منزلى وأنا فى حيرة من أمرى وخشية شديدة على بلدى مصر؛ فمصر كانت البلد الرائد كدولة مدنية ديمقراطية حديثة بها معظم جنسيات العالم، من أرقى وأنظف البلاد وحصلت على جوائز فى هذا الأمر لكن بعد ظهور النفط فى السعودية تأثر الشعب المصرى به بتشجيع من القيادة بداية من السادات، فانتشر النقاب والحجاب والجلباب واللحى والخطاب الدينى المتشدد تيمنا وتشبها بالسعودية والآن تستدير السعودية 180 درجة، فماذا بعد أن تجذرت الأصولية الدينية عندنا، هنا تقف مصر فى موقف لا تحسد عليه، أخاف عليك يا بلدى وأتمنى أن نستعيد هويتنا المصرية العربية الأصلية دون مفاجآت أو اضطرابات، أعزاء القراء صلوا معى لأجل مصر.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved