الدستور والأزهر «4»

جمال قطب
جمال قطب

آخر تحديث: الجمعة 18 يناير 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

 (1)

 

نصت المادة 4 من الدستور الحالى على بعض وظائف الأزهر كما يلى: الأزهر هيئة إسلامية جامعة، يختص دون غيره بالقيام على جميع شئونه ويتولى نشر الدعوة الإسلامية، وعلوم الدين واللغة العربية فى مصر والعالم. ويؤخذ رأى هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف فى الشئون المتعلقة بالشريعة الإسلامية وتكفل الدولة الاعتمادات المالية الكافية لتحقيق أغراضه وشيخ الأزهر مستقل غير قابل للعزل يحدد القانون طريقة اختياره من بين أعضاء هيئة كبار العلماء؛ وكل ذلك على النحو الذى «ينظمه القانون» وهذه المادة لم تعط مصر حقها من الأزهر، كما أنها لم تعط الأزهر قدره ومسئولياته المنوطة به، تلك المسئوليات التى تفرغ الأزهر لها بحكم الفطرة والشرع والتاريخ والدستور.. نعم، فمسئوليات الأزهر ووظائفه ليست فكرة معلقة برؤية التنافس الحزبى، ولا رهينة بما يصيب القائم بالدور من عجز أو من إفراط وتفريط. فالفطرة التى فطر الله الناس عليها استقرت على عدم الثقة فى دعوة دينية يشوبها تلون القائم عليها وتردد حركته بين فرقاء السياسة، سواء كان هذا التردد مباشرا أو غير مباشر، فما لم تكن الدعوة الدينية «شفافة محررة تدرك الواقع إدراكا جيدا مع استشعار المستقبل استشعارا علميا» يطمئن الدعاة والمدعوين إلى صلاحية الدعوة لإغناء الوطن عن مغامرات المتربحين ومهاترات المتعصبين وعجز المتصدرين، فلا مكان لتلك الدعوة ولا مكانة لمصدرها.

 

(2)

 

وهذه الفطرة قد زكاها القرآن تزكية كشفت عن حاجة الدعوة للتخصص والاستقلال إذ أشار القرآن إلى تخصص المؤسسة وتفرغها لوظائفها (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) وجمهور العلماء يفهمون «منكم أمة» أى فئة متخصصة علميا ومختصة بوظيفة شئون الدعوة وفوق هذا الاختصاص العلمى والأدبى فقد أشار القرآن (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا) وقد وصفت الآية الأنبياء والمرسلين (ص) وأظهرت أبرز صفات الأسوة الحسنة وهذه الصفة هى (..وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ...) هكذا تعانقت الفطرة مع الشرع فى تقرير ضرورة تخصص مؤسسة الدعوة واستقلالها بما يظهر أهم شروط الدعوة والدعاة وهى:

 

1ــ إحاطة كاملة برؤية الدين للحياة وسكانها.

 

2ــ فهم صحيح لروافد ومسارات الخطاب الدينى

 

3ــ استقلال واضح يمنح الدعاة حصانة من العدوان كما يمنح المواطنين ثقة فيما يقال.

 

(3)

 

وتاريخنا فى القرون العشرة الماضية يؤكد أن مؤسسة الأزهر هى أحد «مقاييس الاستقرار والتحضر والحرية» فكلما تحررت المؤسسة وفكت القيود ورفعت الأسوار من حولها، تمتع الشعب المصرى بإرادته وحريته فصد التتار والصليبيين والفرنسيين، وكلما أحاطت الأغلال بالأزهر والقيود والأسوار حوله كلما ضعفت قوة الشعب فطال مكث الاستعمار الإنجليزى (1882ــ1956)، وكلما أحيط بالأزهر وضيق عليه، تلاشت مشاعر المواطنة والولاء للوطن (1962ــ1980) وكلما وقعت المؤسسة تحت الضغط وتم إصطناع رياستها على عين الدولة وجهازها تخلف الناس عن الالتفاف حولها وانصرف الناس عنها إلى دعوات غير دعوتها ورؤية غير رؤيتها وفتاوى غير التى تصدر عنها، وقد دبرت «أسرة محمد على» مستعينة بخبراء الصليبية العالمية كيف يخلخلون استقلال مصر، وكيف يخرجونها من ريادتها وقوتها ويجعلونها خاضعة ذليلة تابعة لهم وذلك بتخريب الأزهر، وللأسف الشديد فقد ورثت ثورة 1952وإلى الآن تلك الخطط ولم تسع للإصلاح والتغيير فقد أحاطوا المؤسسة بمنهجية «خطوة بخطوة» منذ 1805 إلى 1905 ثم بسياسة القفزات من 1905ــ1980. وفى نصف القرن العشرين ومع ثورة يوليو 1952 مارس الثوار تطويرا عشوائيا لا يهتم بالجذور والأصول، بل استمروا فى حصار الأزهر بسياسة تحجيم الدور من (1954ــ 1970)، ثم سياسة التلاعب وتضخيم الشكل وتفريغ المضمون من (1971ــ1981) ثم وقاحة وشذوذ تجاوز كل الحدود من 1981 وحتى فترة الانتقال التى نعانى من أثرها إلى الآن، وحتى صنع هذا الدستور، والله يعلم متى ينفد الصبر.

 

(4)

 

وخلاصة القول نطرح السؤال التالى:

 

ما فائدة استقلال الأزهر إذا كانت منابر المساجد تابعة للسلطة التنفيذية الحزبية؟

 

وما قيمة استقلال الأزهر، و70% من خطباء المساجد ليسوا من خريجيه؟

 

وماذا يجنى المصريون من شيخ الأزهر الذى لا يعزل وهم يعانون أشد المعاناة من خطاب دينى لا يعرف أصول الشريعة ومقاصدها، ولا يدرى غاية الدعوة ووجهتها، كما أنه خطاب لا يفهم علاقة الدين بواقع الحياة وشئونها المتشعبة المترامية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved