للانتحار أسباب أخرى!

أحمد عبدربه
أحمد عبدربه

آخر تحديث: السبت 18 فبراير 2017 - 9:25 م بتوقيت القاهرة

منذ أن نشرت مقالة «معا ضد الانتحار» فى 29 يناير الماضى وقد استقبلت العديد من الرسائل التى تفاعلت مع ما جاء فى المقال والتى يمكن تقسيمها إلى ثلاث مجموعات: المجموعة الأولى تتحدث عن أزمة الأعمال الخيرية فى مصر والتضييق على بعضها من قبل الحكومة. بينما تتحدث الثانية عن أفكار مختلفة للتخفيف عن الناس اقتصاديا. وتحاول الثالثة تناول أسباب أخرى للانتحار بخلاف الدوافع الاقتصادية.

جاءت المجموعة الأولى من الرسائل تشتكى بشكل مباشر من التضييق على الأعمال الخيرية من قبل الحكومة، وتأتى معظم هذه الشكاوى من الفترة التالية لـ ٢٠١٣ والتى تم إعلان جماعة الإخوان المسلمين فيها جماعة إرهابية. تقول الرسائل إن هناك حملة عشوائية ضد من يُشتبه فى انتمائه للجماعة، فمجرد الاشتباه يؤدى للتنكيل ببعض أصحاب الأعمال الخيرية من غير المنتمين للجماعة وهو ما أشاع جوا من الخوف بين الآخرين ودفعهم للإحجام عن تلك المشاركة الاجتماعية المهمة.

قطعا لست فى موضع الحكم على مدى حقيقة هذه الشكاوى ولا أملك أن أحقق فى مدى مصداقيتها، لكن أعتقد أن تكرارها يدل على أن هناك مشكلة بالفعل وأن هذه المشكلة فى حاجة إلى حل، وهذا الحل غير ممكن بدون تعاون الحكومة! وأعتقد أن تعاون الحكومة هنا يعنى أولا التدقيق قبل مصادرة أو منع أى أعمال خيرية للتأكد بالفعل من أنها تستخدم فى غير أغراض الخير دون التوسع العشوائى فى هذه المصادرات، والثانى أن يتم مراجعة ملف الجمعيات التى تم منع أنشطتها وإعطاء أصحابها فرصة جديدة للتظلم وإعادة البحث المتأنى فى أنشطتها المالية وإعادة النشاط لمن لا يثبت تورطه فى أى أعمال مخالفة للقانون والدستور.

أما المجموعة الثانية من الرسائل فقد تعلقت بمقترحات لمواجهة الأعباء المعيشية ومنها مثلا المشاريع الاجتماعية التى تقوم بها مؤسسة «أشهد» فى الإسكندرية والتى تقوم باستقصاء القرى الأكثر عوزا وعمل استقصاء للحالات ذات الفقر المدقع فى كل قرية بحيث يتم توفير إعانات فورية لهم لسد الحاجات الأساسية، وخصوصا المأكل والمشرب والذى يتمثل عادة فى شراء الماعز وبعض الدجاجات لتوفير اللبن والبيض وغيرها من الأساسيات ولا تحتاج هذه الحيوانات عادة إلى غذاء غالى الثمن فعادة ما تتغذى على الحشائش. ثم يتم تقييم حالة البيوت التى تعيش فيها هذه الأسر فإما أن يتم تحسين المنزل أو تنكيسه وإعادة بنائه. وفى مرحلة ثالثة يتم عمل مشروع أكثر استدامة لهذه الأسر وعادة ما يدور المشروع أيضا حول تربية النعاج وغيرها من الأنعام. وبالتوازى مع ذلك تقوم «أشهد» بحصر حالات اليتم فى القرية والأسر ذات المرأة المعيلة ويتم توفير مستلزمات المدارس ومصاريفها بالإضافة إلى عمل تدريبات حرفية لشباب وفتيات القرية، فضلا عن برامج محو الأمية وغيرها من المشاريع التنموية. تحتاج «أشهد» وغيرها من المؤسسات المشهرة والمسجلة رسميا المزيد من الدعم العينى أو النقدى بالإضافة إلى المتطوعين، وأدعو الشباب والفتيات القادرين على المساعدة (بما فيها القدرة على التطوع) البحث عن المؤسسات المشابهة فى محيط سكنهم وعدم التوانى أبدا عن المساعدة.

ثم جاءت المجموعة الثالثة من الرسائل على نحو مفاجئ وغير متوقع، فقد لفتت نظرى هذه الرسائل إلى أن افتراضى الرئيسى بخصوص أسباب الانتحار وحصرها فى الأوضاع الاقتصادية قد لا يكون دقيقا؛ فقد تواصلت معى أكثر من فتاة وسيدة يحكين عن محاولتهن أو محاولات بعض المقربات منهن الانتحار لأسباب تتراوح بين الختان وتأثيره الرهيب على الحياة الزوجية، أو الإجبار على الزواج وتحطيم رغبات الفتاة وإرادتها المستقلة فى الحياة إلى درجة السحق التام، وصولا إلى التحكم فى رغبات وسلوك الفتيات من ذكور الأسرة ومعاملاتها طوال الوقت على أنها غير حسنة السير والسلوك أو كما عبرت لى إحدى الفتيات «عاملنى كل أفراد أسرتى كعاهرة عليها أن تثبت كل يوم العكس»!

حكاوى الختان مفجعة وبعضها تمت ممارسته فى مدن مصر الكبرى وكانت صاحبات القصص على وعى تام بكل لحظات الحادثة المؤلمة ولم تستطعن أبدا التخلص من هواجسها والأهم من آثارها السلبية على العلاقة الخاصة بعد الزواج! الإجبار على الزواج والتحكم فى كل تفاصيل اللبس وتعريض الفتاة لمراقبة يومية فى خروجاتها وخيارات صديقاتها وانتهاك كل خصوصياتها بما فيها التفتيش المفاجئ على صندوق رسائل مواقع التواصل الاجتماعى والهاتف المحمول دفع بعض الفتيات إلى الاكتئاب ومن ثم محاولة الانتحار لاحقا.

اشتكت فتيات أخريات من الضغوط الدينية، وقالت إحداهن إنه حتى لو لم تكن بعض هذه الأفكار الدينية متشددة إلا أن مخالفتها كانت تعنى أن تعيش منبوذة فى محيطها الاجتماعى مما دفعها إلى التفكير فى الانتحار وقت الدراسة الجامعية! لم تشرح تفاصيل ولم أسأل، لكن يمكننى توقع عشرات الأمثلة لأى يوم عادى فى حياة أى فتاة مصرية عادية وما قد تعج به حياتهن من ضغوط مستمرة تحبط الآمال وتقيد الحريات وتدفع للاكتئاب وغيرها من الضغوط النفسية.

***

كل هذه الرسائل دفعتنى إلى التفكير فى قضية مختلفة، وهى كيف يمكن دعم الفتيات تحديدا فى مصر وخصوصا فى الفترة العمرية المصاحبة لمرحلة المراهقة وحتى سن الجامعة والتى تكون فيها الفتيات فى سن لا يسمح لهن بأى درجة من درجات الاستقلالية ويجعلهن عرضة للانهيار السريع؟

أعتقد أن حملات التوعية الصحية والدينية بمخاطر عملية الختان الذى أصبح بمثابة وأد معاصر للكثير من فتيات المجتمع المصرى ضرورة قصوى. أعرف أن هناك حملات بالفعل مستمرة وبعضها قد لاقى نجاحا كبيرا، لكن يبدو أن تلك الحملات غير كافية بدليل أن بعض الأسر مازالت تقوم بهذا الجرم فى حق فتياتهن ليس فقط فى قرى مصر وصعيدها ولكن حتى فى بعض الأماكن النائية على أطراف المحافظات والمدن الكبرى كما فهمت من الرسائل التى قد وصلتنى.

لكن يبقى هنا سؤالا هاما للغاية، ماذا عن الفتيات والسيدات اللائى تعرضن بالفعل لعملية الختان؟ بعبارة أخرى، فإن معظم ما أعرفه وأطلعت عليه من حملات هى لمحاربة ظاهرة الختان، لكن ماذا عن المختونات بالفعل؟ ما فهمته من الرسائل التى وصلتنى أن الألم بعد عملية الختان يكون أضعاف الألم وقت الحادثة، فهنا يكون السؤال هل يمكن تقديم الدعم النفسى والطبى للمختونات بالفعل ومحاولة مساعدتهن على ممارسة حياتهن الطبيعية وتجاوز تلك الحادثة؟

بالإضافة إلى حملات الختان فلابد من إعادة الاعتبار للمرأة فى مجتمعاتنا ومحاربة الوصاية الذكورية التى تتجاوز مجرد الخوف أو المسئولية التقليدية إلى التقييد والتشدد على كل تصرفات ورغبات وخيارات المرأة وطبعا يلعب بعض علماء الدين ورجاله دورا لا يمكن إنكاره فى تشديد هذه الوصاية وإضفاء طابع القداسة عليها وهو ما يتطلب وقفة مجتمعية أكبر لوقف هذه الوصاية الذكورية المختبئة وراء الهالات المقدسة المصطنعة لأسباب تتعلق بالتحكم البشرى وعلاقات القوة ولا علاقة لها بقيم العدل أو الرحمة.

كذلك فينبغى أخيرا محاربة المتحرشين بالفتيات أو السيدات اللائى قررن بمحض إرادتهن ارتداء بعض الملابس التى قد لا يراها البعض «مناسبة». فإحدى الرسائل قد أشارت إلى ذلك تلميحا، بينما أشارت له رسالة أخرى تصريحا، وهؤلاء المتحرشون قد يكونون من أفراد الأسرة أو المحيط الاجتماعى، وتزخر صفحتى على موقع التواصل الاجتماعى بهؤلاء المتحرشين الذين يرهبون ويوبخون الفتيات اللاتى قررن خلع الحجاب أو التزين بأى شكل من الأشكال، ويقوم هؤلاء بتوجيه السباب الصريح ليس فقط إلى هؤلاء السيدات والفتيات ولكن أيضا إلى أزواجهن وآبائهن وإخوانهن، وقد كنت شاهدا بنفسى على حالات للكثيرات من طالباتى اللائى قررن بإرادتهن الحرة خلع الحجاب أو التزين بأسلوب معين فى بعض المناسبات الاجتماعية ولكن تعرضن للمضايقات والتعليقات السخيفة من جمهور التدين الشكلى مدعى الفضيلة والأخلاق.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved