(الفتح) العربى الثانى لبلاد المغرب

طلال سلمان
طلال سلمان

آخر تحديث: الأربعاء 18 مايو 2011 - 9:17 ص بتوقيت القاهرة

لا الزمان هو الزمان، ولا الرجال هم الرجال، ولا الذهب الأسود يقوم مقام الرسالة والجهاد المقدس لنشرها باختصار: ليس بين قادة مجلس التعاون الخليجى وهم ملكان وسلطان وثلاثة أمراء، كانوا فى الأصل شيوخ قبائل، من يستطيع الادعاء بصلة قربى أو نسب أو تواصل أو تشابه ببطلى الفتح الإسلامى لبلاد المغرب التى صارت بعدهما «عربية»: عقبة بن نافع وموسى بن نصير وكوكبة المجاهدين الذين انطلقوا معهما من أدنى المشرق الى أقصى المغرب، بزخم إيمانهم بالدين الحق وواجب هداية الناس وإخراجهم من الجاهلية والوثنية الى نور الإسلام.

 لا مجال لادعاء صلة ما بين قادة مجلس التعاون الخليجى وأولئك المجاهدين الميامين الذين وضعوا أرواحهم على اكفهم وقطعوا الفيافى والصحارى والأدغال، وواجهوا جيوشا إمبراطورية ومقاومة معترضين محليين، متحملين المشاق الهائلة التى أهوتها بعد المسافة ونقص الزاد ومر العطش، وليس بين أغراضهم السلطة أو الثروة أو استعمار بلاد الآخرين، وإنما التبشير بالدين الحنيف الذى يعزز فى الإنسان كرامته ويحرضه على انتزاع حقوقه فى الخبز والحرية وبناء الحياة التى تليق بأكرم مخلوقات الله. ولم يعرف عن هذا المجلس قدرته على المبادرة بعيدة المدى سياسيا وجغرافيا (أكثر من عشر ساعات طيران ما بين الرياض والرباط)، واقتحام المستقبل فكرا وعملا وهو لما ينجح حتى فى توحيد مملكتيه والسلطنة والمشيخات التى صارت إمارات، وإسقاط الحدود الملغمة بالخلافات فيما بينها، والتى غالبا ما تولت الإدارة الامريكية طيها أو سحبها من التداول بإقامة قواعدها العسكرية هائلة القدرات فيها (قاعدة العيديد فى قطر وقد كانت أرضها موضع تنازع بين الإمارات والسعودية وقطر ذاتها، وتلاقى الجميع فى حراسة الصديق الأكبر..).


●●●

ومعروف أن ثمة أزمات مكتومة بين كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة متروكة للزمن واحتمال العثور على صيغة لاقتسام الرمال المذهبة فى واحة البريمى ومن حولها، وكذلك بين الإمارات وسلطنة عمان كادت تتفجر اشتباكات عسكرية قبل أسابيع قليلة، واضطرت الكويت الى بذل مساعيها الحميدة لتجميد الازمة فى انتظار ابتداع حل يرضى السلطنة الفقيرة التى لا تزال تنظر الى الإمارات على انها دولة أقيمت بقوة الأجنبى على أملاك السلطان.. فضلا عن الخلافات القائمة بين البحرين وقطر حول جزيرة «حوار» والثروات الفلكية من الغاز التى تستبطن مياه الخليج العربى.
معروف أيضا أن هذا المجلس الذى تجاوز عمره ربع قرن من الزمان لم ينجح حتى اليوم لا فى توحيد العملة وجواز السفر ولا فى إلغاء الحدود، وإن كان استطاع أن يعزل أعضاءه فى ناديهم المذهب بعيدا عن جامعة الدول العربية التى تعانى ــ راهنا ــ من إفلاس سياسى فضلا عن إفلاسها المادى، مما حفز المجلس المذهب على المطالبة بمقعد أمينها العام مسقطا العرف الذى حصر هذا المقعد بمصر، ليس فقط لأنها الدولة المضيفة بل اساسا بسبب من حجمها وأهمية دورها وكرامة موقعها فى قلب أمتها العربية.
معروف أخيرا أن هذا المجلس كان يتصرف مع سائر الأشقاء العرب الفقراء كجمعية خيرية، فيبادر ــ إذا ما أصابتهم نكبة طبيعية أو دهمتهم إسرائيل بعدوان واسع ــ الى إرسال بعض المساعدات العينية، كالخيام وصناديق الأدوية ومستشفيات الميدان، أو ربما سخا أكثر فتعهد بإعادة بناء ما هدمته الاعتداءات الإسرائيلية كما جرى فى لبنان عقب الحرب الإسرائيلية على لبنان فى (يوليو) 2006. باختصار: كان مجلس التعاون الخليجى الى ما قبل تفجر الأرض العربية بالانتفاضات الشعبية «يرعى» أنظمة الاعتدال، عموما، ويدعمها بشكل محدود و«يجامل» أنظمة الممانعة بتقديم مساعدات وهبات معقولة، معظمها للقادة والمتنفذين وأقلها لمشاريع مشتركة اغلبها استثمارات تعود على بعض أمرائه وشيوخه بالربح، متجنبا الدخول ــ كطرف ــ فى أى نزاع معتمدا القاعدة الذهبية القائلة: اشتر المشكلة قبل أن تنفجر، فمهما دفعت لحسمها سيظل اقل كلفة من خسائرك جراء تداعياتها.
بالمقابل كان مجلس التعاون يفتقد الوحدة فى الموقف من إيران التى كان يسلم بهيمنتها فى أيام الشاه، ثم أرعبته الثورة الإسلامية فيها فاندفع قادته يحرضون حاكم العراق صدام حسين ويتعهدون بتقديم الدعم له بغير حدود إذا هو خلصهم من «ولى الفقيه» العجوز وآية الله الخمينى الذى جاء من الغيب ليقود إيران تحت راية الاسلام، وهو بضاعتهم، محرضا رعاياهم عليهم.. وهكذا اشتروا له السلاح من دول الكفر الشيوعى، وفتحوا موانئهم لبوارج الغرب المسيحى، وتركوه يذهب الى الحرب، وقد وعدوه بجوائز عظيمة. وانتصر صدام فى الحرب العسكرية ولكن بكلفة باهظة، وتجرع الخمينى «كأس السم» عبر القبول بوقف إطلاق النار. خرجت الدولتان من الحرب التى امتدت ثمانى سنوات طويلة مدمرتين. وفى حين انكفأت إيران تداوى جراحها التفت صدام الى دول مجلس التعاون، الذى أعلن قيامه رسميا بعد سنة واحدة من الحرب العراقية الإيرانية التى دامت ثمانى سنوات يطالبها بالتعويض، وردت ــ متشاوفة ــ بأنها دفعت ما عليها وزيادة. وكان رد صدام حسين بغزو الكويت فاحتلها ذات ليل دافعا المستقبل العربى نحو جهنم.
ذلك بعض من التاريخ الحديث التى لا تزال تداعياته تحكم مسار الأحداث فى أيامنا هذه: فبعد ستة شهور تتقدم القوات الامريكية معززة بوحدات عسكرية رمزية من بعض الجيوش العربية لتحرر الكويت متوغلة داخل العراق، فى حين انصرف صدام الى «تأديب» معارضيه بما يشبه حرب الابادة فى الشمال ( الكردى) والجنوب (العربى) الذى كان دفع الضريبة الأعظم فى الحرب على إيران.
ثم بعد اثنى عشر عاما سوف تتقدم الجيوش الامريكية لاحتلال العراق كله، انطلاقا من الكويت ومن قواعد لها عديدة فى مختلف أنحاء شبه الجزيرة العربية لتفتح صفحة جديدة من مأساة الضياع العربى المخيف.

●●●

نعود الى البيان المفاجئ الذى أصدره مجلس التعاون الخليجى إثر اجتماعه الأخير فى الرياض معلنا ترحيبه بانضمام (أو ضم) كل من المملكتين الأردنية الهاشمية والمملكة الشريفية المغربية الى عضويته.
كان سبق للملك الأردنى الراحل الحسين بن طلال الهاشمى أن يتجاوز الخصومة مع آل سعود الذين اسقطوا «مملكة» جده الأول، الشريف حسين، وطردوه من الحجاز ليموت لاجئا فى قبرص، ومد الجسور بينه وبين الأسر الحاكمة فى مختلف دول الجزيرة، مقدما خبرات أجهزته الأمنية، وهى مميزة، وعسكره حين تدعو الحاجة (كما فى مواجهة جهيمان العتيبة فى الحرم الملكى) وبعض عشائره اذا ما تطلب الأمر استحداث توازن طائفى جديد فى بعض الإمارات. مع ذلك لم يعرض مجلس التعاون على الملك الذى يتجاوز «رعاياه» من أصحاب الأصول الفلسطينية من بدو الأردن وحضره. فجأة، وبعد سنوات طويلة من رحيل الملك حسين، وتبدل الأحوال فى المنطقة جميعا يأتى العرض من مجلس التعاون الخليجى الى الأردن بقبوله عضوا فى النادى الملكى المذهب، مع تجاوز للإشكالات وسوء التفسير وسوء الظن الذى يمثله الوصول بهذا المجلس الذى ارتدى فجأة البزة العسكرية مؤخرا واجتاح بقواته العسكرية المعارضة السلمية فى البحرين، الى الحدود مع فلسطين المحتلة، أى مع العدو الإسرائيلى.

الأعجب أن يعلن المجلس ترحيبه بالمملكة المغربية عضوا كامل العضوية فيه، فى حين أن الملك محمد السادس، الذى تحدر من أرومة الأسرة العلوية، وهم أشراف، ثم إن بلاده التى تحافظ على علاقات رسمية مع الدول العربية، فلا هى تقاربها بأحلام الوحدة، ولا هى تقطع معها توطيد روابطها مع اوروبا القريبة الى حد الالتصاق عبر المضيق الذى يحمل اسم بطل وصول العرب الى اسبانيا، الاندلس، طارق بن زياد، وهو من اصول بربرية «عربة» الإسلام.

●●●

ولقد رد المغرب وفق تقاليده الملكية الراسخة (عمر العرش أكثر من ألف سنة، وعمر الأسرة العلوية فى الحكم أكثر من ثلاثمائة سنة) فشكر المبادرة معتذرا بأن اهتماماته الوحدوية مغربية، ثم أوفد وزير خارجيته ليبرر عدم قبوله الدعوة الكريمة وان ظل حريصا على استمرار كرم ضيافته للاجازات الملكية والأميرية سواء خلال الصيف أو الشتاء أو حينما يريد المتعبون أن يرتاحوا من هموم المسئولية!
الطريف أن معظم المعنيين والمتابعين فى الدول المذهبة لمجلس التعاون الخليجى من كتاب ومفكرين ومراقبين سياسيين قد هالتهم المبادرة المباغتة الذين لم يفهموا بواعثها ودوافعها لا سيما بالنسبة الى المغرب. فإذا كان الأردن هو حارس الحدود الخلفية ومدرب الأجهزة الأمنية تحت الإشراف البريطانى الذى يكاد يصير امريكيا، وبالتالى فإن ضمه قد يكون مكافأة لدوره فى خدمة امن دول المجلس. فإن الأمر مع المغرب مختلف جدا: لا هو فى الدائرة الجغرافية، ولا هو من الطبيعة ذاتها (المملكة ذات نظام ملكى دستورى وهى الآن بصدد مجموعة من الإجراءات التى تكاد تكون ثورة دستورية خصوصا وأنها تضفى طابعا ديمقراطيا متقدما على الحياة السياسية فى المغرب، وبالتالى فلا شبه ولا تماثل بين أوضاعها وأوضاع الدول المنضوية تحت لواء مجلس التعاون الخليجى).

●●●

هل هذا يعنى أن المجلس الملكى ينتقل من الدفاع الى الهجوم بعدما بعث الشعار القديم من رقاده: الخوف من إيران التى غدت الآن «شيعية» وتورطت فى مناصرة التطرف الشيعى فى أنحاء الجزيرة والخليج، بعد العراق ولبنان.. وغزة؟!
ام أن هذه الخطوة الارتجالية بمد الذراع أكثر مما يمكنها وأكثر مما تطيق الى التخم الآخر للوطن العربى تعكس هجوما مضادا يتخذ شكل تحصين المواقع فى مواجهة موجة الانتفاضات التى تجتاح الوطن العربى..

ثم.. أين اليمن السعيد من هذه المبادرة وهو الذى ينتظر إنجاز وعد قديم بضمه ولو على مراحل الى المجلس المذهب فإذا بكل ما يدفعه هذا المجلس مبادرة تليها مبادرة ولا ذهب ولا فضة ولا وعد بالبت فى طلبه للانضمام الى نادى الأغنياء العرب الذين من اجل أن يحموا ثرواتهم هربوا بتعاونهم بعيدا عن إخوتهم الفقراء الى من يملكون من الخبرات الأمنية ما يستحق المكافأة بعضوية قد تكون ناقصة ولكنها مجزية.. خصوصا اذا ما ساعدت الأردن على طمس الشراكة الاضطرارية مع الفلسطينيين الذين يمدون أبصارهم نحو وطنهم الذى اشترك الجميع فى إضاعته والذى حان الحين لكى يعرفوا أخيرا الطريق اليه كما أثبتت احتفالات هذا العام بذكرى النكبة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved