بناء الدولة الحديثة فى إطار الحراك العربى

إكرام لمعي
إكرام لمعي

آخر تحديث: السبت 18 مايو 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

تحت هذا العنوان تم عقد مؤتمر ببيروت ما بين 10 و 11 مايو 2013 على هامش لقاء إدارى لـ«شبكة الحوار فى المنطقة العربية» والتى تضم ثلاث وعشرين جمعية ومنظمة مجتمع مدنى على مستوى الشرق الأوسط، وهى شبكة مكونة حديثا بقيادة الهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية، وأعتقد أن هذه الشبكة ليس لها سابقة تاريخية فى منطقتنا وهو أمر من الأمور الإيجابية التى فرضها الربيع العربى، وقد كان المتكلمون من أبرز مثقفى العالم العربى ولذلك لن أذكر أسماء أو موضوعات لكنى سأشاركك ــ عزيزى القارئ ــ ببعض الأفكار التى ذكرت بشكل عام وأعتقد أنها مفيدة لنا جميعا:

 

  الفكر الأول: أن مصطلح الدولة الحديثة لا ينطبق على أى دولة من دول الوطن العربى سواء قبل أو بعد الربيع العربى: فمقومات الدولة الحديثة تتلخص فى الحرية والمساواة واحترام حقوق الإنسان، والفصل بين الدين والدولة أو الدين والسياسة، وتبنى البعد التنموى على أن يكون كل ذلك حاضراً وفاعلاً كمكونات سياسية وثقافية لشعب الدولة الحديثة وليس مجرد شعارات جوفاء. وبنظرة عامة على الدول العربية سوف نجد أنه مع تعاظم دور الدين يتم إنقاص حقوق الإنسان خاصة المرأة والطفل والمختلف دينياً ومذهبياً. كذلك هناك عدم فصل بين السلطات بل تغول السلطات على بعضها البعض مع الضعف الشديد فى برامج التنمية، فضلاً على تصارع الأحزاب وبلا شك أن كل هذا يثير الشكوك ويضع علامات استفهام ضخمة فى وجه الحكام والأحزاب الذين يحكمون بعد الربيع العربى.

 

●●●

 

الفكر الثانى: ثقافة الدولة عند الشعب: وهنا نجد أهمية التفرقة بين دول الربيع العربى فى مفهوم ونوعية الدولة التى يراد بناؤها: فقد اجتاح الربيع العربى تونس ومصر وليبيا واليمن وهذه الدول تعبر الآن فيما يسمى المرحلة الانتقالية أى تجتاز مجتمعاتها فيما يسمى «حالة السيولة» لأن شعوبها تريد بناء دولتها على أساس جديد، والفارق فى عملية البناء بين دولة وأخرى هو فى مفهوم وثقافة الشعب عن الدولة فالشعب المصرى يعيش ما يسمى الدولة الحديثة منذ عام 1805 والتى بدأها محمد على، ولذلك هو لن يبدأ دولة جديدة على أسس جديدة لكنه سوف يصحح مسار الدولة المصرية لينتقل بها من الدولة الغنائمية «دولة القطاع الخاص» والنهب المنظم إلى الدولة الديمقراطية، والشعب هنا يريد إنهاء الانفراد بصناعة القرارات السياسية. إنه مخاض إعادة توزيع السلطة، وأيضا تونس لديها تاريخ طويل نسبيا فى مفهوم الدولة عند شعبها، ولذلك مشكلة الدولتين تقريبا واحدة وهى حزب يحاول الهيمنة على الدولة بفرض نفسه ورجاله على كل مفاصل الدولة مقابل أحزاب وتنظيمات ورأى عام ولأن ثقافة الشعبين متقاربة كان الشعار المرفوع «الشعب يريد إسقاط النظام» ولم يقل إطلاقاً «الشعب يريد إسقاط الدولة» فهذان الشعبان واعيان بالفرق بين الدولة والنظام والخلط يؤدى إلى مشكلات كما هو حادث عند البعض ــ أيضا فى البلدين ــ وكأن الثورة تعنى إسقاط الدولة وليس النظام.

 

 لكن مشكلة ليبيا مختلفة، فليبيا تحتاج إلى بناء الدولة من تحت الصفر، لأن القذافى حطم كل معالم الدولة باللجان الشعبية وألغى الأحزاب والديمقراطية نهائيا، أما اليمن فلم يكن ربيعها العربى سوى مجرد تغيير أشخاص لكن الدولة والنظام باقيان كما هما، وهو الأمر المتوقع لسوريا.

 

●●●

 

 الفكر الثالث: كيف نعقل هذه التجارب؟!

 

 وهنا ذُكرت بعض الأمور فى منتهى الأهمية يجب أن تأخذها مصر فى الحسبان لأجل نجاح التجربة:

 

 (أ) أهمية وضع آليات توزيع القوى: وأهم هذه الآليات هى «الدسترة» ومن هنا تأتى أهمية النص على آليات توزيع القوى فى الدستور، لقد غيرت تونس بعض مواد دستورها بعد الربيع العربى ثلاث مرات أى فى خلال سنتين فالدستورليس منزلاً، إن سيادة اتجاه واحد على دستور الدولة يعنى افتقار الدستور للشرعية وبالتالى الدولة التى تتبناه تفقد شرعيتها لأن الدستور مبادئ عامة تنص على الحرية للفرد وأن الذى يحدد حرية فرد هو حرية الفرد الآخر فقط لا غير أى «إن حريتى تنتهى عند أنف الآخر» كذلك المساواة وحقوق الإنسان.. إلخ.

 

(ب) احترام قواعد اللعبة: إحدى قواعد اللعبة المهمة هو صندوق الاقتراع، مع الأخذ فى الاعتبار أن الذى يفرزه الصندوق لا يعنى إعطاءه تفويضاً ليملك كل السلطات، سواء كان الصندوق لانتخاب رئيس مجلس الشعب أو الشورى أو رئاسه الجمهورية. لان التفويض هنا يجعل الصندوق غاية وليس وسيلة، وكم من تجارب أفرز فيها الصندوق ديكتاتورا وكان على يديه تحطيم دولته وشعبه ولذلك وجنبا إلى جنب مع الصندوق لابد من تحقيق القدر الأدنى من التوافق بين القوى الفاعلة على الأرض «الأحزاب ــ التجمعات ــ المجتمع المدنى .. إلخ»، وهذه هى أهم قواعد اللعبة التى يجب احترامها.

 

 (جـ) إنقاذ المشروع الوطنى من اللعبة السياسية: لابد لرئيس الجمهورية ان يقدم مشروعا وطنيا مقنعا لباقى القوى الفاعلة، لقد غاب المشروع الوطنى عن القيادات التى أفرزها صندوق الربيع العربى سواء فى مصر أو تونس وغاب أيضاً عن المعارضة، فلا تجد حزبا معارضا يقدم مشروعا وطنيا مقنعا، لقد صار الوصول إلى قصر الاتحادية ومقر قرطاج سهلا، وأصبحت الأحزاب حقيقة وليست وهماً كما كان من قبل، والرهان الآن على المشروع الوطنى. والفشل فى هذا الأمر يجعل الشعوب تحن إلى مفهوم الدولة السابق للربيع العربى، وهو ما بدأت إرهاصاته فى مصر وتونس.

 

 (د) صعود مجتمع مدنى جديد: لقد كان المجتمع المدنى قبل ثورات الربيع العربى عليه محظورات شديدة وخطوط حمراء لا يجب عليه تجاوزها و هى السياسة ــ الدين ــ الجنس، وبعد الربيع العربى نتطلع إلى مجتمع مدنى جديد يشارك بفاعلية ويسهم فى العمل السياسى من خلال الأبحاث والندوات وتوعية الجماهير، عليه دراسة ومناقشة كيفية حماية الثورة من الثورة المضادة، كذلك تعميق الشفافية فى المجتمع ومحاربة الفساد وأيضا تقديم أكثر من منظور لعلاقة الدين بالدولة.

 

(هـ ) ثورة الإعلام وحريته: إن إحدى الضمانات الأساسية للربيع العربى ثورة الإعلام وحريته، فالإعلام لابد وأن يقدم مضمونا مختلفاً تماما عما سبق فلا يصدر أحكاما جاهزة ويقدم تصورا عميقا فى فهم الأحداث يساعد الجمهور على التحليل والفهم واتخاذ القرار، بل ويركز على تحقيق التنوع والتعدد المجتمعى ويتابع تحقيق التنمية للدولة الجديدة وحق الاختلاف والمواطنة والتحذير من التكفير والرأى الواحد واليقظة من انحرافات الأنظمة الحديثة على نسق الأنظمة القديمة، والتركيز على التحول الديمقراطى وترسيخ القضاء والعدالة الاجتماعية.

 

●●●

 

فى مطار القاهرة عند وصول الوفد المصرى المشارك أوقف ضابط الجوازات الأستاذة أمينة شفيق ود.عماد جاد وتم سحب جوازاتهما وقد ثار عماد قائلا «انتوا بتعملوا كدة معانا لأننا معارضة» والتف الوفد حول الضابط الذى لم يفقد ابتسامته وقال بهدوء شديد يا جماعة مجرد تشابه اسماء!! وبعدما ضحكنا قال أحد المثقفين المتعاطفين مع الإخوان وعضو الوفد أن الأمن يقصد ذلك ليلصق التهمة بالرئاسة «الأمن من المعارضة يا أخواننا» وهنا ضحك بعضنا، ونحن فى انتظار الحقائب قرأت جواز عماد فوجدت اسمه عماد جاد بدرس بدروس فضحكت ساخرا وقلت اتحدى أن يكون شخص آخر فى التسعين مليون اسمه بدرس بدروس والتفت لعماد قائلاً مسيحى ومعارض وكمان بدرس بدروس يا مفترى.

 

 

 

أستاذ مقارنة الأديان

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved