أمريكا والمسار الديمقراطى فى مصر

زياد بهاء الدين
زياد بهاء الدين

آخر تحديث: الثلاثاء 18 يونيو 2013 - 1:15 م بتوقيت القاهرة

قادتنى ظروف العمل لقضاء بضعة أيام بين مدينتى نيويورك وواشنطن، وتصادف أن كان ذلك فى أعقاب صدور حكم المحكمة المصرية بحبس عدد من المتهمين بمن فيهم بعض الأمريكيين فيما أطلق عليه «قضية التمويل الأجنبى». والقضية، كما هو معروف، تتعلق بالدعم الذى قدمته منظمات أجنبية تعمل فى مجال حقوق الإنسان ونشر الديمقراطية إلى جمعيات مصرية خلال فترة انتخابات مجلس الشعب العام الماضى. ولعل القارئ يتذكر أن هذه القضية قد أثارت جدلا واسعا مرتين من قبل، الأولى عند إحالتها من النيابة إلى المحكمة برغم أن نشاط هذه المنظمات لم يكن سرا بل كان تحت سمع وبصر الحكومة المصرية، والثانية عندما سمحت السلطات المصرية لطائرة حكومية أمريكية بالخروج بالمتهمين الأمريكيين من مصر فى ملابسات لم تتضح حتى الآن.

 

 

وعلى الرغم أن الأحكام الأخيرة قد صدرت مع وقف النفاذ وأن مجال الطعن عليها لا يزال مفتوحا، فإنها اثارت صدمة فى الرأى العام الأمريكى تجاوزت رد الفعل الطبيعى لأحكام جنائية عادية. لماذا اكتسبت القضية كل هذه الأهمية السياسية؟ لأنها جاءت تعبيرا عن توتر فى العلاقة بين الإدارة الأمريكية وبين النظام الحاكم فى مصر يتجاوز القضية الجنائية ويتعلق بمستقبل الديمقراطية فى مصر، وإن كان فى اعتقادى توترا عابرا وليس هيكليا. ولنعد إلى الوراء قليلا لكى نتذكر المسألة من بدايتها.

 

 

منذ الأيام الأولى للثورة أخذت الإدارة الأمريكية موقفا مساندا للتيار الإخوانى فى مصر. الحكم الرسمى والفعلى كان بيد المجلس العسكرى، ولكن تصرفات وتصريحات المسئولين الأمريكيين كانت واضحة فى أنها اعتبرت جماعة الإخوان هى النظام القادم والوريث الشرعى للثورة المصرية والأقدر على ملء الفراغ بما يحقق الاستقرار ويحافظ على المصالح الأمريكية. وقد أحسنت جماعة الإخوان المسلمين استثمار هذا الوضع وطرحت نفسها باعتبارها البديل الوحيد الجاهز والناضج سياسيا وتنظيميا.

 

 

ثم جاءت الانتخابات البرلمانية والرئاسية وبرهنت على سلامة الاختيار الأمريكى. ألم يفز حزب الحرية والعدالة بأعلى نسبة مقاعد فى البرلمان كما فاز مرشحه بالانتخابات الرئاسية؟ وأليست الديمقراطية هى احترام ما تسفر عنه صناديق الاقتراع؟ والواقع أن الموقف الأمريكى كان فى هذا الوقت متسقا مع سياساته المعلنة إذ جاء مستندا إلى اختيار الشعب المصرى والآمال التى كانت معقودة على أن نكون على أول طريق الديمقراطية.

 

 

ثم بدأت الأمور تضطرب فى الأسابيع الأخيرة من العام الماضى. البرلمان المنتخب تم حله، والرئيس بدا غير قادر على جمع شمل المجتمع وإقناع الناس بأنه رئيسهم جميعا، وكتابة الدستور تعثرت، والهجوم على القضاء والإعلام صار علنيا، إلى أن صدر الإعلان الدستورى فى نهاية نوفمبر معبرا عن نزعة استبدادية واضحة ونية مبيتة لدى الرئيس وجماعته لإحكام السيطرة على المؤسسات وعلى الدولة دون اعتبار لدستور ولا لديمقراطية ولا لقانون. ولكن الإدارة الأمريكية تجاهلت كل ذلك ورفضت الاعتراف بأن المسار الديمقراطى الذى عولت عليه قد بدا ينحرف وأن الحقوق والحريات التى تزعم الدفاع عنها قد باتت مهددة، بل إن المسئولين فى الخارجية الامريكية قرروا أن يتبنوا الخطاب الإخوانى الذى اخذ يلقى تبعة انهيار الاقتصاد والأمن والتوافق السياسى على المعارضة المصرية ويرى فى كل احتجاج مؤامرة مدفوعة الأجر.

 

 

ما أهمية هذه الخلفية؟ أهميتها أنها تفسر لماذا ثار الرأى العام الأمريكى ضد مصر وحكومتها نتيجة قضية التمويل الأجنبى، ليس باعتبارها قضية جنائية عادية وإنما لأن الإدارة الأمريكية وكل من راهنوا على المسار الديمقراطى فى مصر قد وجدوا أنفسهم فى وضع سخيف ومحرج لم يتوقعوه من نظام ساندوه طوال الطريق. وزاد من صعوبة موقفهم كثرة ما ردده المسئولون المصريون فى مناسبات سابقة عن أن القضاء المصرى غير مستقل وصاحب هوى وقراراته مسيسة، فصدق الأمريكيون هذا الكلام وتصوروا ان اتفاقا مع الحكومة أو مكالمة تليفونية من قيادى كبير سوف تضمن براءة المتهمين. فلما عاد الجانب المصرى يؤكد أن القضاء مستقل ولا ينصاع للتعليمات لم يجد حديثه آذانا صاغية.

 

 

الموضوع لم ينته عند هذا الحد بل ستكون له تداعيات اخرى. خلال تواجدى فى واشنطن أصدرت مجموعة من الخبراء والباحثين المؤثرين فى صنع القرار الامريكى رسالة مفتوحة إلى الرئيس أوباما تطالبه بالضغط على الرئيس محمد مرسى من أجل العفو عن المحكوم عليهم أو قطع المعونة المدنية (بما أن المعونة العسكرية تم إقرارها بالفعل ولم يعد من الممكن العدول عنها) وهو مطلب خطير لأنه يؤدى إلى خلط شديد فى الأوراق وإلى توقيع عقاب جماعى على الشعب المصرى. ومع ذلك فلا أتصور أن يصل الأمر إلى هذا الحد لاعتقادى ان التوتر الحالى فى العلاقة المصرية ــ الأمريكية ليس هيكليا بل سحابة عابرة تتعلق برغبة الجانب الأمريكى فى «تحسين صورته» أمام الرأى العام المحلى وتجنب مثل هذه المواقف المحرجة مستقبلا، ولكن دون اكتراث حقيقى بالمسار الديمقراطى فى مصر. والجدل حول قضية التمويل الأجنبى خير مثال على ذلك. فبينما بحت أصوات أحزاب المعارضة والجمعيات الأهلية اعتراضا على قانون الجمعيات الحالى وعلى مشروع القانون الجديد المعروض على مجلس الشورى لأنهما يقيدان حرية العمل الأهلى ويحدان من قدرة المجتمع المدنى على الرقابة على السلطة التنفيذية، وهو ما تم تجاهله تماما، فإن الموضوع لم يكتسب أهمية دولية إلا حينما صدر حكم على مواطنين أمريكيين فتبين أن القانون معيب وأن الحكم مستبد وأن الحريات مهددة.

 

 

ماذا نتعلم من كل ذلك؟ إن إنقاذ المسار الديمقراطى فى مصر لن يأتى بضغوط من الخارج ولا ينبغى أن نقبل فيه تدخلا من أى طرف، بل هو مسئولية أبناء هذا الوطن وحدهم وعليهم حمل هذه المسئولية.

 

 

 

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved