عودة «الفئويات»

زياد بهاء الدين
زياد بهاء الدين

آخر تحديث: الثلاثاء 18 سبتمبر 2012 - 8:25 ص بتوقيت القاهرة

عادت وبقوة المظاهرات والإضرابات النقابية والتى يشار اليها فى الاعلام بـ«الفئوية» لسبب غير مفهوم مع بداية الموسم الدراسى وانتهاء الصيف وتشكيل حكومة جديدة.

 

العاملون بمصر للطيران، المدرسون، عمال بعض المصانع، عمال النقل العام، وغيرهم، ولا يوجد ما يدعو للاعتقاد أن هذه الإضرابات سوف تنتهى قريبا أو تخف وتيرتها. المظاهرات والاعتصامات ليست جديدة، بل كانت مصاحبة للثورة منذ بدايتها (كما كانت عنصرا رئيسيا فى التمهيد لها) واستمرت طوال العام والنصف الماضيين وان كان بوتيرة متصاعدة أحيانا وخافتة فى أحيان أخرى. ما الجديد إذن؟ ولماذا تحمل اعتصامات وإضرابات هذه الأيام دلالة خاصة؟ الإجابة أننا بصدد حكومة جديدة تم اختيارها من قبل رئيس منتخب وعلى أساس برنامج انتخابى محدد، وبالتالى فنحن أمام حكومة تستند إلى إرادة الشعب ومدعومة به وتملك شرعية لم تتوافر لدى غيرها من الحكومات السابقة بما فى ذلك تلك التى أدارت البلاد خلال الفترة الانتقالية. من هنا فإن ما تقوم به الحكومة حيال الإضرابات المتوالية هذه الأيام ستكون لها دلالة كبيرة لأنه سيعبر عن قدرتها على التعامل مع المطالب الجماهيرية، وعن سياساتها الاقتصادية والاجتماعية، وعن نواياها تجاه المواقف المماثلة التى يمكن أن تتعرض لها مستقبلا. نحن ــ بمعنى آخر ــ أمام امتحان حقيقى لحكومة الرئيس محمد مرسى وهو امتحان عسير.

 

وما يجعل الامتحان عسيرا هو أن الخيارات والبدائل المتاحة أمام الحكومة ليست كثيرة: البديل الاول هو الاستمرار فى نهج الحكومتين السابقتين فى السكوت وتجاهل الموضوع قليلا، ثم التفاوض من بعيد، ثم تقديم حلول غير مرضية، ثم التوصل لاتفاق مؤقت يعتمد بالكامل على تمويل إضافى من خزانة الدولة، فتكون النتيجة زيادة عجز الموازنة وعدم إقفال الملف بشكل كامل وانتظار معاودة اشتعال الموقف. ولكن هذا بديل صعب لأن الحكومة اعلنت أنها سوف تعمل على وقف نزيف الموازنة العامة كما أنها بصدد إبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولى، شروطه لا تزال غامضة ولكنها قد تتضمن الحد من زيادة الإنفاق العام على الأجور. أما البديل الثانى فهو التفاهم مع القيادات النقابية والمهنية والعمالية على تاجيل المطالب «الفئوية» والإضرابات والاحتجاجات لفترة من الوقت حتى تدور عجلة الانتاج ويزيد معدل النمو وترتفع الحصيلة الضريبية فتتمكن الحكومة عندئذ من الإنفاق على تحسين أوضاع العمل والعاملين. وهذا البديل، وان كان يعطى الحكومة الوقت والمساحة للقيام بالإصلاحات الضرورية، الا انه يصطدم بحقيقة أن لا أحد مستعدا للانتظار كل هذا الوقت، كما أن مثل هذا التفاهم يعتمد على وجود نقابات مستقلة وقوية، ومنظمات تمثل أصحاب الأعمال بالمعنى النقابى لا السياسى، وآليات واضحة للتفاوض والالتزام، وهذه عناصر غير متوافرة بعد، بما يحد من قدرة الحكومة على الإقناع والتفاهم والتأجيل. وأخيرا فهناك البديل الثالث وهو العودة لاستخدام أدوات القمع التقليدية (الأمن، القوانين المقيدة للتظاهر، الاعلام) وهو بديل يتفق مع ما أعلنته الحكومة فى مناسبات أخرى من حرصها على حفظ الأمن والنظام ولو بالقوة (مباراة برج العرب، رفع اشغالات الطرق، التعامل مع الباعة الجائلين)، ولكن يعيب هذا البديل أن القانون الذى يمكن الاحتكام إليه غير واضح، وأن التعامل مع الباعة الجائلين يختلف عن النقابات وعمال المصانع، وأن اللجوء للقوة والأمن والمواجهة العنيفة يمكن أن يفقد الحكومة تأييدها وشعبيتها ويجعلها تظهر وكأنها عادت إلى أدوات الاستبداد القديم، كل ذلك ونحن نقترب من استفتاء شعبى على الدستور ومن انتخابات برلمانية حاسمة.

 

البدائل المتاحة أمام الحكومة محدودة وبعضها غير مقبول أصلا، ولذلك فهى لا تترك لها مساحة كافية للحركة ولا لتطبيق البرامج التى وعدت الناس بها، والوقت يمر، والمائة يوم تمضى، والانتخابات تقترب.

 

ولكن هناك بديلا رابعا لم تطرقه الحكومة ولا الرئيس بينما هو البديل الوحيد القابل للتحقيق، وهو إشراك المجتمع والقوى السياسية والنقابية والمجتمع المدنى فى حوار حول طبيعة الأزمة الراهنة وفى التوصل لحل لها. والكلام ليس نظريا ولا مرسلا، فهذه قضية لا يمكن حلها لا عن طريق زيادة عجز الموازنة، ولا بالتأجيل وإعطاء المسكنات، ولا بالقوة الجبرية، بل بتفاهم وتوافق فى المجتمع على اطار جديد وعادل ومتوازن يحفظ حقوق العاملين ويحفظ للصناعة المصرية تنافسيتها وينصف المظلومين من العاملين فى الدولة وفى القطاع الخاص ويفرق بين الطلبات المشروعة وبين الابتزاز واستغلال الموقف للضغط من اجل طلبات غير معقولة بل ومعارضة للقانون وللعدالة وللمنطق (مثل الطلب المتكرر بقصر التعيينات الجديدة على أبناء العاملين).

 

نحن بحاجة لإطار جديد لتنظيم الفوضى فى الأجور، ولإنشاء نقابات مستقلة، ولمشاركة أصحاب الأعمال فى حوار مفتوح وصحى حول القضايا العمالية، ولإعادة النظر فى القوانين المنظمة للوظائف العامة، وكل هذه قضايا لا يمكن للحكومة أن تتصدى لها وحدها ولا أن تصل لحل فيها دون مشاركة حقيقية وفعالة من كل القوى السياسية والاجتماعية المعنية بذلك. لذلك فعلى الرئيس وعلى حكومته فتح حوار مجتمعى حقيقى حول عدد من القضايا الكبرى الاقتصادية والاجتماعية، وعلى رأسها قوانين العمل والنقابات والأجور. دعونا نحاول، فقد ننجح فى التوافق على قضايا الاقتصاد والمجتمع بشكل أفضل من تجربتنا فى التوافق على الدستور وعلى نظام الحكم.  

 

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved