محمد البرادعى الذى أعرفه

نبيل العربي
نبيل العربي

آخر تحديث: الأربعاء 18 سبتمبر 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

دفعتنى الحملة الشرسة التى يتعرض لها محمد البرادعى منذ عدة اسابيع إلى كتابة هذا المقال، وكنت منذ ثلاث سنوات تقريبا كتبت مقالا فى صحيفة الشروق تحت عنوان «من هو محمد البرادعى». ودفعنى إلى كتابة المقال حين ذاك ما لاحظته من تطاول وتجريح لحق بالدكتور محمد البرادعى قبل أن تطأ قدماه أرض الوطن. وذكرت فى المقال أن التصريحات التى أدلى بها محمد البرادعى حول رؤيته لمستقبل مصر كانت مثار ضجة كبرى وسببا فى حملة غير مقبولة وغير مسبوقة فى التهجم على شخص فى قيمة ومكانة وقامة محمد البرادعى، الشخص الذى حاز تقدير وإعجاب واحترام جميع من عرفوه وعملوا معه فى جميع مراحل حياته الدبلوماسية والدولية، وشهدوا أنه يملك القدرة والشجاعة على الدفاع عن معتقداته ومبادئه ولا يرضخ للضغوط. كان محمد البرادعى طوال حياته الدبلوماسية سواء فى وزارة الخارجية أو فى معهد الأمم المتحدة للتدريب والبحوث أو فى الوكالة الدولية للطاقة الذرية يراعى ضميره مهما كانت المخاطر التى قد يتعرض لها، ولا يسمح لنفسه بتقبل السكوت على ما يعتقد أنه سيتعارض مع ضميره.

●●●

وصل البرادعى إلى مطار القاهرة، حيث استقبل استقبال الفاتحين. وفور وصوله قدم مشروعا حول تصوره وآماله لمستقبل مصرنا العزيزة يهدف إلى إقامة دولة عصرية ديمقراطية حديثة، مناديا بأن هذا الحلم يجب أن يتحقق عن طريق الشعب. لذلك طالب بنزول الجماهير إلى الشارع للتعبير الحى عن آمالهم وطموحاتهم. لم تؤخذ رؤيته عندئذ مأخذ الجد من كثيرين فقدوا الأمل فى تحقيق ديمقراطية حقيقية. ولكن، بعد مرور أقل من عام خرج الشعب المصرى فى ثورة 25 يناير العظيمة يطالب بحقه المشروع فى الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية وصولا إلى الحكم الرشيد.

وبذلك يكون قد نجح فى بث آمال عريضة حركت مياها راكدة منذ نصف قرن وتلقفها الشباب. والتف آلاف الشباب والشابات حول محمد البرادعى كزعيم، واعتبروا رؤيته نبراسا لبرنامج وطنى لمستقبل مصر الجديدة.

والكل يعلم بأنه على مدى ثلاث سنوات كرس محمد البرادعى وقته وجهده لإرساء قواعد الديمقراطية الحقيقية، التى تتمثل فى احترام الرأى الآخر وسيادة القانون واحترام حقوق الانسان كأساس لنظام الحكم فى مصر. وازدادت شعبية محمد البرادعى خلال العامين الماضيين، والتفت حوله كوكبة من أنقى وأطهر شباب مصر الذين يهتمون اهتماما حقيقيا بمصالح مصر العليا. ثم أنشأ حزب الدستور واختير رئيسا له، ثم اختير منسقا لجبهة الإنقاذ التى تكونت لتأكيد أهمية التوصل إلى الحكم الرشيد، ثم بعد أن خرج الشعب المصرى بمختلف أطيافه فى 30 يونيو مطالبا بإنهاء سيطرة حكم الإخوان على مصير الأمة، وتجاوب جيش مصر الباسل مع مطالب الشعب على أساس أن القاعدة العامة المتفق عليها دوليا هى أن الشعوب هى مصدر السلطات، وهى التى تضفى الشرعية على الحكام، وهى التى تسحبها عندما يحيد الحكام عن التفويض الذى منحه لهم الشعب؛ فمعايير الديمقراطية الحقيقية لا تقتصر على صناديق الانتخاب فقط.

●●●

وعندما اجتمع ممثلو الشعب فى الثالث من يوليو لإعادة مسار الديمقراطية فى مصر طبقا لخارطة الطريق اتجهت الأنظار إلى محمد البرادعى لتولى منصب رئيسى، وتقرر أن يتولى منصب نائب رئيس الجمهورية للعلاقات الدولية.

وهنا أصل إلى أحداث 14 أغسطس الماضى عندما طالب نائب رئيس الجمهورية محمد البرادعى فى المجالس المعنية بمزيد من الوقت قبل فض الاعتصامات الإخوانية. لا أظن وقتها أن محمد البرادعى كان معارضا لفكرة فض الاعتصامات، ولكنه كان ينادى بمزيد من الوقت لأنه كان فى خضم اتصالات مع أطراف عدة، وكان يحدوه الأمل أن تفرز هذه الاتصالات خطوات إيجابية.

وأنا أكتب هذا المقال معتقدا أن محمد البرادعى كان يتصور أن فض الاعتصام كان سيتم تدريجيا، وقد تحدثت معه صباح 14 أغسطس، حيث أبدى أسفه الشديد لما حدث، وذكر أنه يفكر فى تقديم استقالته لأن ضميره لا يقبل أى استخدام للقوة يؤدى إلى إراقة دماء. ثم تقدم بالفعل باستقالته، وبالرغم من محاولتى إثناءه عنها، وأعلم أن وزير الخارجية نبيل فهمى قد تحدث معه فى نفس الاتجاه، إلا أنه وجد أن ضميره غير مستريح لتطور الأحداث. وفى تقديرى أن ذلك لا يعنى أنه مختلف مع السياسة العامة للدولة فى مرحلة ما بعد حكم الإخوان وبدء المسار الديمقراطى وفق خارطة الطريق التى شارك فى بلورتها وإعلانها. موقف البرادعى هذا لا شك يتفق مع رؤيته التى تؤيد أهداف ثورتى 25 يناير و30 يونيو.

ولذلك أطرح السؤال: هل تقديم استقالة نائب رئيس الجمهورية فى مثل هذه الظروف يمكن أن تبرر حالة الهستيريا المبالغ فيها التى نشهدها الآن ضد محمد البرادعى؟

●●●

إن الوطن يمر بمرحلة عصيبة تستلزم تضافر جهود المواطنين المخلصين للتغلب على العقبات، التى تعترض طريق التقدم والاستقرار ويجب ألا نفقد الرؤية وتتجه أنظارنا إلى تصورات ومؤامرات خيالية، وأن نتهم مواطنا مصريا مخلصا باتهامات باطلة لا أساس لها من الصحة.

محمد البرادعى هو أحد أهم ملهمى الثورة المصرية. هو الذى حرك المياه الراكدة، التى سيطرت على تفكير كثير من المصريين ودمغتهم بالسلبية، وأعاد الأمل للمصريين فى إمكانية الإصلاح الحقيقى. ويعود إليه الفضل فى كسر حاجز الخوف وتهيئة الأجواء للمطالبة بالديمقراطية. وكم يحز فى نفسى أن أطالع ما كتبته بعض الأقلام من معلومات منقوصة ومغلوطة للنيل من قيمة رجل كان دائما يمثل أنبل وأرقى القيم المصرية الأصيلة.

إننى أرجو مخلصا أن نتعدى حالة الهستيريا، التى سادت وسائل الإعلام مؤخرا ونعترف بفضل الرسالة التى حملها محمد البرادعى منذ ثلاث سنوات وعلى جهوده وإسهاماته الدءوبة فى تحقيق يقظة الشعب المصرى وكسر حاجز الخوف وصولا إلى بناء دولة الديمقراطية والحكم الرشيد.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved