كيف تستعيد مصر قوتها الناعمة؟

علاء الحديدي
علاء الحديدي

آخر تحديث: الإثنين 18 سبتمبر 2017 - 9:50 م بتوقيت القاهرة

ما هى القوة الناعمة؟ ولماذا تفوقت مصر فيها خلال مرحلة أو مراحل تاريخية معينة؟ ولماذا تراجعت الآن؟ كان ذلك موضوع الصالون الثقافى الأول بمكتبة الإسكندرية فى عهدها الجديد تحت قيادة الدكتور مصطفى الفقى، والذى عقد يوم الأربعاء ١٣ سبتمبر الماضى بمشاركة لفيف من الكتاب والمثقفين وأساتذة الجامعات. ولا شك لدى أنه بعد ما أولته الدولة من أهمية لتعظيم قوتها الصلبة في الفترة الماضية، فقد آن الأوان لكى تلتفت إلى قوتنا الناعمة وتوليها ما تستحقه من اهتمام ومتابعة.
بداية، فإن القوة الناعمة هى قوة معنوية، بخلاف القوة الصلبة التى يتم قياسها بمعايير مادية، وخير مثال للقوة الصلبة أو أحيانا يطلق عليها القوة الخشنة هى القوة الاقتصادية أو القوة العسكرية. أما القوة الناعمة فيصعب حصرها أو تحديدها بمقياس كمى مثل الفن والثقافة وغيرها من القيم والروحانيات ذات التأثير المباشر أو غير المباشر على الشعوب والأفراد والجماعات. وهكذا نرى أن بعض الدول مثل الولايات المتحدة أو روسيا أو مصر تميزت بقوتها العسكرية، فى حيت تميزت دول أخرى بقوتها الاقتصادية مثل الولايات المتحدة والصين واليابان وألمانيا، فى حين كانت تمتاز فرنسا بثقافتها والهند بروحانياتها والفاتيكان بمكانتها الدينية المسيحية وهكذا. وكما رأينا فإن بعض الدول قد تجمع بين أكثر من عنصر من عناصر القوة، سواء كانت ناعمة أو صلبة، مثل الولايات المتحدة الأمريكية التى جمعت بين القوة الاقتصادية والقوة العسكرية والقوة الناعمة من خلال أفلامها ووجباتها السريعة على سبيل المثال لا الحصر، أو حين نتحدث عن مصر فى محيطها العربى والإسلامى حين جمعت بين قوتها العسكرية وقوتها الثقافية، أو كما رأينا كيف غزت تركيا العالم العربى بمسلسلاتها التليفزيونية بعد أن كان السبق فى الستينيات والسبعينيات من القرن الماضى للمسلسلات والأفلام المصرية. فماذا حدث للقوة الناعمة المصرية بعد أن كان يضرب بها المثل فى الانتشار والتأثير؟
ومن أجل الإجابة على هذا السؤال، ليسمح لى القارئ الكريم أن أعرض بإيجاز شديد لبعض نواحى تجربتى العملية كنائب للسفير المصرى فى عمان (الأردن ) خلال الفترة من عام ١٩٩٨ إلى عام ٢٠٠٢. كنت قبل ذلك اسمع واقرأ عن تأثير القوة الناعمة المصرية فى عالمنا العربى، ولكن لم أدرك معناها الحقيقى أو ألمس أثرها بنفسى إلا عندما ذهبت إلى عمان للإلتحاق بسفارتنا هناك كما ذكرت. وقد شاهدت بنفسى كيف كنت محل ترحاب وقبول العديد من المسئولين وغير المسئولين فى المجتمع الأردنى ليس بسبب شخصى المتواضع، ولكن بسبب ما يحملونه من ود ومشاعر للمصريين جراء فترة دراستهم بالقاهرة. إلا أنه فى ذات الوقت الذى كان يتحدث فيه جيل الأباء من هؤلاء الأردنيين الذين التقيت بهم عن مصر وثقافتها وفنها وجامعاتها بكل إعجاب وتقدير، فإنهم كانوا يشتكون من ارتفاع تكاليف الدراسة فى مصر والتى فرضت على الطلبة الوافدين من العرب وغيرهم، مما أدى بهم إلى إرسال أبنائهم إلى أوروبا وأمريكا حيث الجامعات أقل تكلفة هناك من نظيرتها المصرية. وكانت النتيجة أن شب الجيل الجديد من الأردنيين لا يعرف مصر ولا ثقافتها أو فنها أو علمها. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، ولكنى شاهدت كيف تعاملت الدولة الأردنية مع تبعات أحداث ١١سبتمبر ٢٠٠١، وما قامت به من جهود وعروض لاستقدام الآلاف من الطلبة العرب الذين تركوا الولايات المتحدة آنذاك من أجل استكمال دراستهم بالجامعات الأردنية. وكان ذلك بخلاف الدولة المصرية التى تمسكت بعدد من الشروط المالية والإدارية، وبما أضاع فرصة علينا لتعليم جيل كامل من أبناء الأشقاء العرب واستعادة دورنا التعليمى. 
النتيجة كما ذكرت كان انحسار معرفة الجيل الجديد من الأردنيين بمصر إلا من خلال بعض المسلسلات والأفلام المصرية والتى كانت للأسف الشديد تعرض صورة سلبية للغاية عن مصر، إلى أن تم عرض مسلسل أم كلثوم من إنتاج التليفزيون المصرى عن حياة سيدة الغناء العربى. كان هذا المسلسل عملا فنيا متقنا للغاية وعلى درجة عالية من الرقى، وتابعت بكل فخر كيف كان المجتمع الأردنى يتابع هذا المسلسل المصرى والذى أصبح مثار حديث الجميع. ثم كانت دعوة القائمين على هذا المسلسل والاحتفاء بهم شعبيا ورسميا، من القصر والعامة على السواء. وأتذكر كلمة السياسى والمفكر الأردنى فلسطينى الأصل عدنان أبو عودة لى بأن أم كلثوم قد وحدت العالم العربى مرتين، مرة فى حياتها، ومرة بعد رحيلها من خلال هذا المسلسل. وكان التأثير الأهم والأكبر من وجهة نظرى ولدهشتى وسعادتى فى ذات الوقت، تأثير هذا المسلسل على الجيل الجديد من الأردنيين الذين اكتشفوا مصر الحضارة والثقافة غير مصر التى عرفوها من خلال أفلام المقاولات والمسلسلات الهابطة.
نستخلص مما سبق أهمية دور الدولة فى دعم وبناء القوة الناعمة، وقد رأينا ذلك حين كانت الدولة تيسر دراسة الطلبة الأجانب فى مصر وخاصة الطلبة العرب، أو فى مسلسل أم كلثوم من إنتاج التليفزيون الرسمى للدولة. كما رأينا كيف تراجعت القوة الناعمة لمصر حين انسحبت الدولة وتوارى اهتمامها بالثقافة والفن، ناهيك عن التعليم وماسبيرو. لذلك لم يكن غريبا أن كان هناك شبه إجماع بين المتحدثين فى مكتبة الإسكندرية بشأن تراجع القوة الناعمة المصرية، ودار نقاشا مطولا حول أسباب ذلك وكيفية علاجه. وقد اتفق معظم المتحدثين حول أهمية البدء بالتعليم، باعتبار أن ذلك يمثل أولوية إن أرادت مصر استعادة مكانتها السابقة وبناء قوتها الناعمة من جديد. وهو ما أعلن معه الدكتور مصطفى الفقى أن ذلك سيكون موضوع الصالون الثقافى القادم بمكتبة الإسكندرية. وختاما فالتحية واجبة لمكتبة الإسكندرية على قيامها بإثارة موضوع القوة الناعمة المصرية، وكلى ثقة من أن الدكتور مصطفى الفقى بما يتمتع به من خبرات تجمع العالم الأكاديمى بالعالم الدبلوماسى بالعالمين الثقافى والرسمى هو الشخصية التي تستطيع أن تدير هذا الحوار المطلوب عن التعليم فى مصر والذى تأخر كثيرا، ولكن كما يقال أن تأتى متأخرا خير من أن لا تأتى على الإطلاق.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved