فى ضرورة الدولة المدنية

عمرو حمزاوي
عمرو حمزاوي

آخر تحديث: الثلاثاء 18 أكتوبر 2011 - 8:45 ص بتوقيت القاهرة

أصدقكم القول، أصبحت اليوم وفى أعقاب أحداث ماسبيرو أكثر اقتناعا بأن حال مصر لن ينصلح إلا بالتأسيس للدولة المدنية تنتقل بها السلطة من المؤسسة العسكرية لهيئات مدنية منتخبة، وتنظم بها العلاقة بين الدين والسياسة، وتضمن بها حقوق متساوية لكل المواطنات والمواطنين. والانتخابات البرلمانية القادمة محطة كبرى على هذا المسار، فإما تقارب بيننا وبين الدولة المدنية بمعانيها غير العسكرية وغير الدينية أو تباعد بيننا وبينها.

 

كلما طال أمد الفترة الانتقالية التى يدير بها المجلس الأعلى للقوات المسلحة شئون مصر غير المستقرة، كلما تورط أكثر وأكثر فى صراعات مع قوى سياسية ومجتمعية وتحول من حكم يقف على مسافة واحدة من الجميع إلى طرف فى الصراع والتنازع على السياسة والشأن العام. كلما طال أمد قيام القوات المسلحة بمهام قوات الأمن النظامية فى حماية وتأمين المنشآت العامة وضبط حراك المواطنين المتظاهرين تارة والمضربين والمعتصمين تارة أخرى، كلما تورط الجيش أكثر وأكثر فى مواجهات لا تخلو من عنف هو والمجتمع فى غنى عنها.

 

إن كان المجلس الأعلى راغبا فى دفع مصر نحو تحول ديمقراطى وإعادة بناء السلطات المدنية والعودة بالجيش إلى مباشرة مهامه الأصيلة فى حماية الأمن القومى وسيادة الدولة، فليحدد جدولا زمنيا لا يتجاوز منتصف العام القادم لاستكمال نقل السلطة بعد الانتخابات البرلمانية بوضع الدستور وانتخاب الرئيس. أكرر علينا جميعا أن ندرك أن الجيش لم يعد حكما بين الأطراف المختلفة، بل بدأ يتحول لطرف فى صراعات ومواجهات السياسة والمجتمع تختصمه بعض القوى الوطنية (ملف المحاكمات العسكرية للمدنيين الذى شهد مؤخرا تطورا إيجابيا بقرار المشير منع محاكمة المدنيين عسكريا) وتطالب بالتحقيق فى أفعاله (تحقيق مدنى ومستقل فى أحداث ماسبيرو) وتدعوه لتغيير مواقفه (قانون الانتخابات والجدول الزمنى الغائب). لابد من الخروج الآمن والسريع من هذا النمط الخطير فى إدارة شئون البلاد حماية لمصر ولفرص التحول الديمقراطى، وللجيش ومؤسسات الدولة أيضا.

 

الدولة المدنية هى وحدها القادرة على تنظيم العلاقة بين الدين والسياسة على نحو يمنع التجاوزات المرعبة التى بتنا نعانى منها بصورة تصاعدية. تطرف دينى من قبل بعض الجماعات الإسلامية الراديكالية والشيوخ المتشددين ينفى حقوق المواطنة المتساوية عن غير المسلمين ويقصى أصحاب الرأى الآخر بإخراجهم عن الدين والملة. وبالمقابل خطاب طائفى الهوى من قبل بعض القساوسة الذين يخلطون بين الحق المشروع للمصريات المسيحيات والمصريين المسيحيين فى الدفاع عن مواطنيتهم الكاملة ودور عبادتهم وحريتهم الدينية والمطالبة بإنفاذ القانون تجاه المتورطين فى أعمال عنف ضدهم والتحقيق العلنى فى أحداث ماسبيرو الأخيرة وبين إذكاء الشعور الطائفى ودفع حراك المسيحيين إلى داخل الكنيسة بدلا من الوجود خارجها فى المساحة العامة ــ المدنية المتاحة لنا جميعا بغض النظر عن انتمائنا الدينى والقادرة على صناعة التضامن والتوافق حول مواطنة الحقوق المتساوية.

 

فقط الدولة المدنية التى تحظر قانونى المتاجرة بالدين وتمنع الشعارات الطائفية وتحول بأدوات تشريعية (البرلمان) وتنفيذية (الحكومة) دون احتكار البعض للحديث باسم الدين وتوظيفه لإقصاء أصحاب الانتماء الدينى الآخر أو الرأى الآخر هى القادرة على مجابهة التطرف وحماية المساحة العامة بمكوناتها السياسية والاجتماعية والثقافية كمساحة مساواة بيننا جميعا. بل إن الدولة المدنية التى نريد بناءها بالتحول نحو الديمقراطية وسيادة القانون هى أيضا التى تضمن للمؤسسات الدينية الرسمية ممارسة دورها الحقيقى، حماية الالتزام بالشرائع السماوية، وتباعد بينها وبين التوظيف الطائفى أو السياسى غير المقبول.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved