سعادة العيد تكبير الله.. وتحجيم النفس

جمال قطب
جمال قطب

آخر تحديث: الجمعة 18 أكتوبر 2013 - 8:45 ص بتوقيت القاهرة

شعائر «عيد الأضحى» ليست مجرد ذكر لله، ولا دروشة، ولا شعارات، إنما هى «الشهادة الأعلى» أو «المؤهل الأخير» الدال على امتلاك الإيمان وإتقانه.

هذا باب فريد من أبواب العبادة، وأسلوب خاص من أساليب الشعائر، فشعائر العيد تجديد لأصل الإيمان: توحيد الله وتكبيره، وتأديب النفس وتحجيمها.

ويشترك فى تلك الشعائر مستويان:

المستوى العام الجامع للأمة المقيمون فى أوطانهم، و«الخاص»: «وفد الحج» كوكلاء عن الأمة يرفعون الولاء لرب العالمين لا شريك له.

(1)

فمنذ فجر عرفة يردد الحجاج نداء إخلاص التوحيد «لبيك اللهم لبيك» «لبيك لا شريك لك لبيك» فأنت وحدك المقصود والمعبود والمرجو لكل عباده. فالعبد يطيع الله والرسول، ولكن إذا طلب ودعا فالنداء لله الواحد فقط مع العلم أن «الحاج» قبل أن يلبى قد التزم سلوكا خاصا ارتفع به على نفسه... ذلك السلوك هو «الصوم الاكبر»... فالصوم الأصغر كان فى الـ20 يومًا الأولى من رمضان عن الطعام والشهوة نهارا، ثم «الصوم الأوسط» (الاعتكاف) فى الـ10 أيام الأخيرة من رمضان إذ يصوم عن الطعام والشراب والشهوة نهارا، كما يصوم عن الشهوة والراحة والأهل والسكن الخاص ليلا فيبقى فى بيت الله عشرة أيام بلياليها... ثم ها هو فى الحج «الصوم الاكبر» يصوم عن الشهوة، وعن وطنه، وعن الاستقرار والراحة، ثم عن ثيابه المعتادة ــ فيجد نفسه فى محيط بشرى يساوى ويتشابه كل منهم لا يلبس إلا ما يشبه (كفن الميت) وكلهم ينادى بلفظ واحد (يا حاج) فهو أخيرا قد صام حتى عن اسمه... هذا هو التهذيب حيث يتساوى الغنى بالفقير، والصغير بالكبير، والمواطن بالأمير، فلابد أن يحجم الإنسان نفسه وذاته ليصلح لمناداة الله.

إنهم جميعا نسوا أو تناسوا كل شىء من متاع الحياة الدنيا فيعرف المسلم لماذا شرع الله الحج؟ لتأديب الناس، لتعديل سلوك الحكام، لتهديد المتكبرين كافة، لتعليم الكل أن سعادة الدنيا فى المساواة، والتقارب، ومحو الفوارق وتناسى الخصوصيات، وتعطيل الشهوات، فـ«الحج» كفاح ذاتى يتطهر به الحاج فى الدنيا، ويطيب قراره فى الآخرة.

(2)

وننظر نظرة أخرى فى «لبيك اللهم لبيك» فهى نداء على غير المعهود، فالنداء الدائم للصلاة (أشهد ان لا اله لا الله، أشهد أن محمدا رسول الله) فجاء النداء فى الحج «خال» من اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم رغم أنه الرسول المبلغ والمعلم، فإذا أحس المسلم أن نداء الحج قد اختص «بالألوهية» حتى غاب اسم الرسول صلى الله عليه وسلم أفلا يتعلم المسلم أن كمال دينه هو:

تناسى المذهبية، وتناسى العصبية، وتناسى الفرق، وتناسى الأهواء، وتناسى الطموحات، وتناسى «حظ النفس»، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: أنا زعيم قصر فى وسط الجنة لمن ترك «المراء» وهو محق.

(3)

وأيضا فغير القادرين على الحج: مدعوون لتطهير النفس، فمنذ بدأ «الحاج» فى «التلبية»، شاركه المسلمون «التكبير»

الله اكبر الله اكبر الله اكبر لا اله الا الله... الله اكبر الله اكبر ولله الحمد. فقط التكيبر لله، بما يعنى «تحجيم النفس» وتأديبها، وإلزامها الشعور بالمساواة مع جميع الناس... لا يعلو عليهم أحد إلا الله جل جلاله.

(4)

فإذا أصبح العيد «10 ذى الحجة» فالحجيج هناك، والمسلمون فى كل مكان يشتركون جميعا فى «التكبير»، فالجميع يعلنون «مساواة بعضهم لبعض» كما يعلنون «إفراد الله جل جلاله» بالكبرياء فلا مكانة ولا مكان لأى لون من ألوان الكبر:

كبر الغرور بادعاء التمايز، كبر الاستعلاء على الناس، كبر الرضا عن النفس، كبر الاستغناء عن الأمة، كبر تضخم الذات فيتوهمون أنهم أمة من دون الناس.

ويشترك المسلمون جميعا الحجاج منهم وغير الحجاج فى تكبير الله حتى عصر اليوم «الجمعة 13 ذى الحجة».. إنها مدرسة ممتدة تعلم المسلم أن «تكبير الله» عمل يقتضى تأديب النفس وتصغيرها.

كما يشترك الجميع فى شعيرة الفداء: فالحجاج يقدمون الهدى والمسلمون القادرون يقدمون الأضحية.. تضحية بالمال، تضحية بالدم الحلال، تضحية باللحوم، تواصل مع الأهل، تقارب مع الجيران، تراحم مع المحتاجين. إن ذبح الأضاحى يذكرنا بأن الله قد افتدى الإنسان بذبح الحيوان.. فلا يحق لمسلم أن يهلك نفسه ويسفك دمه، ولا يحق لمسلم أن يعتدى على دماء الآخرين.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved