المـــــدن الذكــــية

صحافة عربية
صحافة عربية

آخر تحديث: الجمعة 18 نوفمبر 2016 - 11:30 م بتوقيت القاهرة

خلال السنوات العشر الماضية تكاثر بشكل فطرى عدد اللقاءات والمؤتمرات والمعارض وورش العمل العربية التى تناقش قضية «المدن الذكية». وبغض النظر عن مستوى النقاشات التى عرفتها تلك الفعاليات، والتوصيات أو القرارات التى تمخضت عنها، ونسبة تطبيق ما جاء فيها، تبقى المحصلة النهائية لها إيجابية، إذا ما أخذنا فى عين الاعتبار العمر الزمنى لنشوء اصطلاح «المدن الذكية»، الذى يرجعه البعض لمطلع القرن 21. وقبل الدخول فى معالجة المفهوم والدلالات التى يحملها المصطلح، والتحديات التى يولدها، لابد من الوقوف للتمييز بين مصطلحى «المدن الحديثة»، و«المدن الذكية».

ففى حين يحصر الأول منهما فى إطار قضايا مثل تحديد معايير معينة للمساحة التى يمكن أن ينعم بها الفرد، ووجود قوانين معاصرة تنظم العلاقات بين الأفراد ذاتهم، وتشييد بنية تحتية قادرة على تلبية متطلبات مستوى معيشة متطور نسبيا، ووجود قوانين تنظم العلاقة السليمة بين النمو السكانى وتوفير الحياة اللائقة للمواطن، يتسع نطاق مفهوم «المدن الحديثة»، كى يشمل كل ذلك بالإضافة إلى ابتكار مفهوم «يشترك فى التفكير فيه سياسيون واقتصاديون ومديرون والمسئولون عن تخطيط المدن العمرانية، بغرض التوصل إلى تغييرات تقوم على تقنيات جديدة تستخدم فى المدن. من (أجل) استغلال التقنيات الرقمية فى تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، التى تقابل المجتمع بعد الثورة الصناعية التى تواجهها المجتمعات بعد انتهاء القرن العشرين.
ويرى البعض فى «المدن الذكية نوعا من التنمية الحضرية التى تلبى احتياجات جديدة للمؤسسات والشركات والمواطنين، على حد سواء اقتصاديا واجتماعيا، (كى) تتحقق الاستثمارات فى رأس المال البشرى والاجتماعى والبنية التحتية للطاقة (كهرباء، غاز). فالمدينة الذكية تعتمد على التنمية الاقتصادية المستدامة والجودة العالية لحياة المواطنين، مع الإدارة الحكيمة للموارد الطبيعية من خلال الحكم القائم على المشاركة والاستخدام الفعال والمتكامل لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات.

وهناك من يرى أن «أهم ما يميز المدينة الذكية هى شبكة الاستشعار اللاسلكية وهى شبكة من أجهزة استشعار ذكية لقياس العديد من المعلومات ونقل جميع البيانات فى نفس الوقت للمواطنين أو السلطات المعنية.

***

ويذهب مارك ديكن إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث يعتبر المدينة الذكية هى تلك «المدينة التى تستخدم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتلبية متطلبات السوق (مواطنى المدينة) وأن إشراك المجتمع المحلى ضرورى للوصول لمدينة ذكية، وبذلك لن تكون المدينة الذكية هى المدينة التى تمتلك تكنولوجيا المعلومات والاتصالات فى مناطق معينة، (فحسب) ولكن ستكون (أيضا) المدينة التى تطبق هذه التكنولوجيا على نحو يؤثر على المجتمع المحلى.

وشأنها شأن أى نشاط إنسانى آخر، تواجه مشروعات تشييد مدن ذكية مجموعة من التحديات ترصدها هيام حايك فى مقالتها «استراتيجيات تطوير البوابات الإلكترونية للمدن الذكية»، من بين الأهم فيها هى ضرورة وجود معايير وبنى تحتية وحلول جديدة فى مجال تقنية المعلومات والاتصالات لضمان أن تصبح هذه الرؤية واقعا ملموسا. كما أن هناك عامل الوقت – فبعض المدن تأخذ فترة ما بين 20 و30 عاما. الأمر يتطلب اعتمادا تدريجيا لتقنية المعلومات والاتصالات كأداة تمكينية لمعالجة التحديات الحضرية بأساليب جديدة فى المدن الكبيرة، ولكن هذا سيتطلب إتاحة بنية تحتية للاتصالات التى يمكن الاعتماد عليها.

***

بقيت قضية فى غاية الأهمية تواجه مشروعات تشييد المدن الذكية، وتلك هى «أمن المعلومات». وليس المقصود هنا الجانب «البوليسى» فى الأمن، بل الجانب الاجتماعى. فإقامة المدن الذكية تقوم أساسا على تخليق كم هائل من المعلومات المترابطة مع بعضها البعض. تشكل هذه المعلومات ثروة قومية لا يستهان بها سواء بالنسبة لصناع القرار ممن تقع على عاتقهم صيانة الخدمات التى تقدمها إدارات المدن الذكية لمواطنيها أو لتطويرها كى تأتى «متناسقة» مع التطور التقنى والاجتماعى الذى يتمتع به قاطنوا تلك المدن، أو حجبها عن القوى المعادية التى يمكن أن تستخدم تلك المعلومات فى مشروعات مضادة أو ربما مناهضة لتلك المدينة الكية المعنية، أو قاطنيها. وهذا أمر حذرت منه العديد من الأبحاث التى عالجت مسألة المدن الذكية، وتناولته الشركات التجارية العاملة فى هذا المجال، حيث ترى شركات الحماية الإلكترونية، أن البرامج الأمنية لها دور بارز فى تنظيم نشاط المدن الذكية خاصة، وتعتبر البنية التحتية للإنترنت والهجمات الفيروسية والتوعية أبرز التحديات أمام السوق المحلية للتوسع فى هذا المجال.

ويرى أحد الباحثين بالشأن الأمنى أن زيادة الحركة المعلوماتية فى مصر تفرض ضرورة اتخاذ إجراءات وقائية لحماية البيانات، خاصة أن الارتفاع فى الحركة أدى إلى زيادة استخدام المعاملات المالية عبر الإنترنت.
إن المدن الذكية تمثل فرصة هائلة للنمو، والاستدامة، وتحسين الأوضاع الاجتماعية، ومع ذلك، لا يجب أن تكون المشاريع ذكية فقط، بل يجب أن تكون آمنة أيضا. إن تمكين التقنيات المدمجة والاستفادة من إنترنت الأشياء فى البنية التحتية للمدينة يجلب إليها المخاطر التى يجب أخذها بعين الاعتبار ومراقبتها للحفاظ على سلامة المواطنين. نريد أن نعمل مع مخططى وبناة المدينة لرفع مستوى الوعى حول التهديدات الإلكترونية وتبادل المعلومات حول كيفية الحد من تلك التهديدات قبل أن تتمكن من التأثير على العامة.

***

المدن الذكية قادمة، ويتمنى المواطن العربى أن يرى مدنه الذكية ذكية بالمعنى المعاصر لتلك الكلمة، لا شكلا وإعلانا فحسب، بل مضمونا وجوهرا وحقيقة ملموسة أيضا.

الأيام - البحرين
عبيدلى العبيدلى

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved