من قتل الشيخ عماد؟

فهمي هويدي
فهمي هويدي

آخر تحديث: الأحد 18 ديسمبر 2011 - 10:00 ص بتوقيت القاهرة

من قتل الشيخ عماد عفت أمين الفتوى بالأزهر؟ من قتل أحمد منصور الذى قيل إنه عضو حركة 6 أبريل وطالب الطب علاء عبدالهادى؟ــ الأول واحد من العلماء الثوار الذين لم يغيبوا عن ميدان التحرير منذ 25 يناير الماضى، لم يره أحد على شاشات التليفزيون لكنه كان ناشطا على الأرض وعاملا فى صمت. إذ اختار أن يتقرب إلى الله بمساندة الثوار وتشجيعهم وإقناعهم بأن التواجد فى ميدان التحرير فى الوقت الراهن لإنجاح الثورة أفضل عندالله من الطواف حول الكعبة. هكذا كان يتحدث إلى تلاميذه ومحبيه، الذين وحدوا فيه نموذجا لعالم الدين المستنير المهجوس بتحرير الوطن والنهوض به، الأمر الذى جعله يشدد على أن الاعتصام فى الميدان دفاعا عن مطالب الشعب والثورة بمثابة رباط وجهاد فى سبيل الله.

 

لا أعرف شيئا عن الشابين الآخرين، لكنى أراهما ينتميان إلى ذلك الجيل النبيل الذى تعتز به مصر، والذى كان له إسهامه فى تفجير الثورة وزلزلة قواعد النظام المستبد.

 

شهود العيان الذين رأوا جثمان الشهيد عماد عفت رأوا رصاصة أصابت جنبه ووصلت إلى قلبه، وشاهدوا على وجهه آثار خرطوش استهدفه. ولم أسمع شيئا عن كيفية قتل الشهدين أحمد منصور وعلاء، لكن ما أعرفه انهما قتلا فى موقعة مبنى مجلس الوزراء. وليس بمقدورى أن أشير إلى القاتل أو أعرفه، لكنى لا أفهم أن يقول المسئولون فى الدولة إنهم بدورهم لا يعرفون. ولا استطيع أن أصدق حكاية الطرف الثالث الذى دأب على الاندساس فى كل مظاهرة أو اعتصام، وظل يطلق النار على المتظاهرين فى مناسبات مختلفة خلال الأشهر العشرة الماضية. ولم تنجح أجهزة الدولة فى أن تقدم دليلا واحدا يشير إلى هوية أو عناصر ذلك الطرف.

 

إن المسئولين ما برحوا يؤكدون أنهم لم يطلقوا النيران على المتظاهرين، وان الاشتباك بدأ ــ فى كل مرة ــ باعتداء بعض المتظاهرين على رجال الشرطة والجيش. من ثم كان على الأخيرين أن يدافعوا عن أنفسهم. الأمر الذى أوقع الإصابات التى خلفتها المظاهرات.

 

لم نعد نثق الآن فى هذا الكلام، بعدما رأينا بأم أعيننا بعض ضباط الشرطة وهم يطلقون النار على المتظاهرين، كما رأينا الجنود وهم يمطرون المتظاهرين بالقنابل المسيلة للدموع. كما شاهدنا العربة المدرعة التى سحقت بعض المتظاهرين. وخلال اليومين الماضيين تابعنا على الفضائيات واليوتيوب صور جنود القوات المسلحة وهم يرشقون الناس بالحجارة من فوق أحد المبانى. ورأينا أولئك الجنود يعتدون بوحشية على فتاة ثم يجرونها من شعرها ولا أعرف إلى أين ذهبوا بها.

 

إذا طالبنا المسئولين فى المجلس العسكرى أو رئيس الوزراء بأن نصدق أن طرفا مندسا هو الذى قتل الشهداء الثلاثة وأيقظ الفتنة النائمة، فإننا نطالبهم بدورنا بأن يقدموا دليلا على وجود ذلك الطرف، وليعذرونا إذا أسأنا الظن بهم إذا عجزوا عن ذلك.

 

إن محاولة فض الاعتصام أمام مبنى مجلس الوزراء يعيد إلى أذهاننا المحاولة الأخيرة لفض الاعتصام بميدان التحرير يوم 15 نوفمبر الماضى، التى انتهت بمقتل أكثر من أربعين مواطنا مصريا، لم نعرف حتى الآن من الذى قتلهم. وقيل وقتذاك كلاما مشابها لما تردد هذه الأيام عن الفئة المندسة والطرف الثالث والعفاريت الزرق الذين يرتكبون جرائمهم ثم تبتلعهم الأرض بعد ذلك على الفور.

 

المحزن فى أحداث الشهر الماضى أن قرارا صدر بفض اعتصام ميدان التحرير، ولم يعلم به وزير الداخلية السابق إلا بعد صدوره. ومعلوماتى ان الوزير السابق اللواء منصور العيسوى روى القصة فى اجتماع لمجلس الوزراء بحضور الدكتور عصام شرف. لكن أحدا لم يجرؤ على الإشارة إلى الجهة التى أصدرت القرار الذى أدى إلى مقتل الأربعين مواطنا، وبطبيعة الحال فإن أحدا لم يحاسب على ما جرى. وأغلب الظن أن أحدا لن يحاسب.

 

ثمة علامات استفهام حول ملابسات استمرار الاعتصام لعدة أسابيع أمام مجلس الوزراء ومن ثم منع رئيس الوزراء من ممارسة عمله من مكتبه. وهناك علامات استفهام أخرى حول توقيت فض الاعتصام وتزامن الغارة على المعتصمين مع إعلان نتائج انتخابات المرحلة الثانية. وهذه وتلك نضمها إلى قائمة الأسئلة الحائرة المثارة حول المسئولية عن قتل الشيخ عماد وصاحبيه، وإصابة المئات من المتظاهرين الآخرين، الأمر الذى يعيدنا إلى زمن نظام مبارك، حين ظللنا ثلاثين عاما نتراوح بين حالتين، أن نطرح اسئلة بلا أجوبة أو نطرح اسئلة ونتلقى عليها أجوبة مغلوطة. الأمر الذى ذكرنا بحكاية الرجل الذى دهش من سخرية الناس من سماع اسمه أحمد زفت، فقرر أن يغيره إلى حسن زفت!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved