آه والله مش نازلة!

ريهام سعيد
ريهام سعيد

آخر تحديث: الأربعاء 18 ديسمبر 2013 - 5:10 م بتوقيت القاهرة

(1)

لم أقرأ الدستور ولا أريد أن أقرأه..

لقد أصبحت يا سيدي على باب الله، وماليش دعوة بالحاجات دي، لا أقرأ سوى كُتُب على المزاج، وفي التلفاز الخاص بي ليستة مكوّنة من 5 قنوات بالعدد: كارتون نيت وورك بالعربي، سبيس تون، وثلاث قنوات للأفلام..

أنا لا أشاهد أي توك شو أو برنامج إخباري خفيف أو ثقيل، ولم أعد حتى أمُرّ بنظري على عناوين الجرائد الملقاة بأنبائنا في الشارع، إلا أنه لفت نظري منذ عدة أيام بائع يطارد جرائده في شارع "محمود بسيوني"، بعد أن طيّرتها "ستو عواصف" رغم سندها بزلطات متعددة الحجم.. حاولت مساعدته فالتقطْت واحدة ووقع نظري عليها غصب عني.. "حملة مصر الدفيانة". عه؟! الاسم ده بجد ولا قلش؟!

لأ، لأ مش هقرا! اللهم اخزيك يا شيطان.. تاني؟ جربت ذلك مُسبقًا، وقولوني العصبي انهار تمامًا.. وعمومًا فإن صديقي المفضل حتى الآن هو شريط "موتيليام" بتاع التهاب فُم المعدة، موتيليام هو صديق الفتاة المهذبة.

كُنا بنقول إيه؟!

آه.. لم أقرأ الدستور أو ما كُتب عنه، اعذرني عزيزي المثقف، يبعث الله لي دائمًا رسائله بأغرب الوسائل، فأنا أجد معظمها في حلقات الكرتون..

في مسلسل "يحيا أنجيلو" الكرتوني يرفض الولد قراءة كتاب 500 صفحة ممل للغاية عن المهاجرين الأوائل، فيحاول استخدام كل الوسائط الممكنة حتى لا يقرأ الكتاب، حاول سماعه أوديو فنام من شدة الملل، شاهده فيلمًا فكابد المهاجرون الأوائل غزوًا فضائيًا خلال أحداث الفيلم! شاهده مسرحية موسيقية فوجد أشخاصًا يغنون بشكل مثير للسخرية..
لم يستطع أبدًا أن يُلم بالأحداث، وهو متمسك للنهاية بألا يقرأ الكتاب.

كل ما شاهده وسمعه يؤكد أن الكتاب لا يستحق القراءة بالفعل؛ وما فهمه في النهاية أن كل فئة قد قرأته بطريقتها الخاصة، ولن يتفق أبدًا على الكتاب أحد، وعندما قال ذلك لمُدرّسه في الفصل أخذ نجمة وممتاز، والحياة أصبحت وردية تمامًا.

(2)

-"أنا بقيت بكتب في جرنان يا داده.. مش عايزاني أكتب عن حاجة معينة؟"

-" قوليلهم يعملوا البتاعة دي.. الـ آآآ (اللهم صل على حضرة النبي).. آآآآ النكابة.. يعملوا واحدة للغلابة، ويشيلوا بيها مصاريف أي حاجة، ويبقى لينا نادي ع النيل إحنا روخرين.. ولا إحنا اللي وقعنا من قعر القُفة؟!"

لم أقرأ الدستور ولا أريد أن أقرأه، ولكنني أعلم تمام اليقين أنه لا يحوي مواد عن نقابة الغلابة، رغم أنه- بالتأكيد- يصف تفصيلًا "القُفة" التي سنقع منها جميعًا، دوريًا، وبالتبادل.

(3)

في أول استفتاء كنت مهتمة بشكل قد يبدو هستيريًا، قرأت كل ما كتب عن الموضوع، وحضرت محاضرات، وتشاجرت في المترو مع الرأي المخالف، ومارست كل الطقوس يعني.. كنت أحتد على المقاطعين، ولا أفهم نظراتهم الهادئة لي، وأنا قاعدة بَهْري عن أهمية المشاركة، لم أكن أفهم أنها ردة فعل الفاهم العارف القديم في الليلة..

عندما كنت أقول "عدم النزول هيدّي فرصة أكبر للتلاعب بصوتك" كانت الجُملة تُقابل بابتسامة هادئة، تشبه ابتسامة أحد المشاركين في الثورة عندما يخبره طفل بمنتهى الأمل إنه نفسه يطلع ظابط.

آخر نقاش سياسي حقيقي استنفذت فيه جزءًا صادقًا من نفسي كان في اليوم التالي لأحداث العباسية بمايو 2012، كنت أتحدث مع أحد المؤمنين بقداسة المؤسسة العسكرية..

-"عشان قرّبوا من السلك الشايك يستحقوا يموتوا؟"

- "أيوه طبعًا يستحقوا!"

اختبأت في الحمام وبكيت بحرقة، إزاي يقول كده؟ إزاي في أي حد في الدنيا يستحق يموت مهما كان غبي؟! ثم كبرت قليلًا، واعتدت على الفكرة، ما زلت أغضب عليها لكن بوَهَن.. ربما أنا نفسي تمنيت سرًا أن يموت بضعة أشخاص.

الاستفتاءات أصبحت بالجُملة، وأنا لم أعد أشارك في مثل هذه الأشياء.

(4)

قضيت فترة كأحد سكان مصر الجديدة، ثم عدت مؤخرًا لموطني الأصلي بالسيدة زينب قدس الله سرها.

اللجان الانتخابية، مصلحة الجوازات، مكتب العمل، التأمينات الاجتماعية.. جميعها في أماكن تابعة لمصر الجديدة، وأحيانًا لمدينة نصر- حسب مزاج الموظف. تغيير العنوان بالبطاقة يستلزم وصل نور، العمارة التي أسكنها جديدة ولسه مفيش وصل نور، أتعذب بشكل لا نهائي لأنجز أي ورق رسمي ولا عزاء لي.

لم أقرأ الدستور ولا أريد أن أقرأه، ولكنني أعلم أنه لا توجد مواد لها علاقة بمدى عُقم الروتين، أو بإصلاحات حقيقية في المصالح الحكومية.

(5)

هناك نكتة قديمة عن التعسيف غير المبرر للمواطنين، تنتهي بفرض التزام كل مواطن بالوقوف عند مطلع الكوبري، ليأخذ "قلم على قفاه" قبل أن يُكمل طريقه.. في النهاية يصرخ أحدهم غاضبًا معترضًا على مدى سوء الأحوال بالبلد: "بقالي ساعتين إلا ربع مستني حد ييجي يضربني بالقفا ومحدش جه!"

لن أقف ساعتين إلا ربع في لجنة تبعد عشرات الكيلومترات عن بيْتي في انتظار أن يضربني أحدهم بالقفا، خاصة أن الاستفتاء يسبق عيد ميلادي بيوم واحد.

لم أقرأ الدستور ولا أريد أن أقرأه..

لن أنزل لأبدي رفضًا مجازيًا أو موافقة خائفة في ظل كل هذا القهر، وبرغم كثرة اللافتات المحفزة على النزول للتصويت والتي زُرعت بها كلمة "نعم" في مربع أخضر كنوع من المايند جيمز، إلا إني مش نازلة برضو.. آه والله مش نازلة.

لو عندك شك تُمْن في المية إن النتيجة مش هتطلع نعم، انزل.. أما أنا فسأحمل شريط الموتيليام الخاص بي، وسأجلس في غرفتي أشاهد الكارتون في انتظار عامي الجديد.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved