عن مؤتمر التعاون الإسلامى: وريث القمة العربية من دون فلسطين

طلال سلمان
طلال سلمان

آخر تحديث: الثلاثاء 19 أبريل 2016 - 9:45 م بتوقيت القاهرة

تعذر انعقاد القمة العربية فى موعدها السنوى المـــقرر، أواخــر شــــهر آذار (مارس) الماضى، فى دار الضيافة الملكية المغربية..

ولقد حركت النخوة العربية الأصيلة شهامة موريتانيا فأعلنت استعدادها لاستضافة القمة اليتيمة، لكن أقطابها لم يتحمسوا للذهاب إلى هذا البلد الفقير والمنسى فى غياهب صحرائه البلا حدود.

يبدو أن زمن العروبة، بمعناها التغييرى فى اتجاه الغد الأفضل، قد مضى وانقضى مخليا مساحة الحركة لرافعى شعار الإسلام السياسى وهو يتسع لدول كثيرة فى الشرق والغرب، بل ويمكن مطه لاستيعاب العدو الإسرائيلى عمـــلا بمقولة «إذا جنحوا للسلم».

وهكذا يبدو أن «مؤتمر التعاون الإسلامى»، الذى يجمع – نظريا – الدول الإسلامية، وهى بمعظمها فى أحضان الغرب، وبعضها قد «انفتح» على إسرائيل، بعد معاهدة كامب ديفيد، قد «تقدم» على القمة العربية على طريق «السلام» خصوصا وأن الأردن وقطر (والمغرب، ولو بشكل غير رسمى) وبعض دول الخليج العربى التى تتحاشى الإعلان رسميا، عن هذا التطور، لكنها قد فعلت بوجود «مكاتب» بعناوين مختلفة ولكنها فى حقيقتها «إسرائيلية» ويستقبل المسئولون عنها ــ رسميا ــ وإن بغير إعلان.

ولقد تلاقى وزراء خارجية الدول المنتمية إلى هذا المؤتمر فى موعده فى الرياض، ثم انعقدت قمته فى موعدها المقرر فى اسطنبول ــ تركيا، الأسبوع الماضى.

وكان الحشد العربى فيه شهادة وفاة إضافية للقمة العربية.

***
ولقد تحول مؤتمر وزراء الخارجية إلى ميدان حرب دبلوماسية، بقيادة السعودية ومعها دول الخليج العربى، ضد الجمهورية الإسلامية فى إيران.. وعبر هذه الحرب تمت صياغة فقرة خاصة لإدانة «حزب الله» بوصفه تنظيما إرهابيا.

ومن رياض المؤتمر الإسلامى إلى قاهرة الجامعة العربية تم تثبيت فقرة الإدانة لـ «حزب الله» بالإرهاب مع تحفظ معلن لثلاث دول عربية هى الجزائر والعراق ولبنان، وغمغمة على طريقة «لا، لا،.. نعم» صدرت عن دول عربية أخرى، لكن طالبى الإدانة اعتبروا أنهم قد حققوا غرضهم.

المهم نجحت السعودية، ومعها الخليجيون وسائر الممالك، فى تمرير هذا القرار بكل تبعاته الخطيرة على لبنان، سياسيا، أما معنويا فهو قرار يمس الكرامة العربية جميعا، بأن يدان التنظيم الذى قاتل العدو الإسرائيلى لمدة عشرين عاما وقدم آلاف الشهداء من أجل تحرير الأرض اللبنانية من احتلاله، ثم تمكن فى صيف العام 2006 من إلحاق الهزيمة بالحرب التى شنها هذا العدو على لبنان.. وكان ذلك نصرا مؤزرا للعرب، كل العرب، بغض النظر عن تأييدهم هذا التنظيم المجاهد أو تحفظهم على توجهاته السياسية، وعلى علاقته بإيران تحديدا.

كذلك جرى فى القمة التى عقدها مؤتمر التعاون الإسلامى فى اسطنبول.

وكان بديهيا أن يتحفظ الوفد اللبنانى الذى كان يرأسه تمام سلام، رئيس الحكومة ومعه ثلاثة وزراء، ومعهم من تحفظ فى المؤتمر على مستوى وزراء الخارجية.

أما خارج إطار المؤتمر الإسلامى، فقد فاجأت الدبلوماسية السعودية من يتابع بياناتها وتصريحات وزيرها الناجح باستعادة لغة كانت مهجورة فى المملكة وهكذا تصدرت «العروبة» الدعوات الموجهة إلى لبنان، خاصة، وكذلك إلى سوريا والعراق، حيث يمكن أن تنتج التباسات كثيرة حول «الإسلام» بمذاهبه العديدة، وخاصة بين «السنة» و «الشيعة»، ويمكن إثارة حساسية العرب غير المسلمين، وبالتحديد المسيحيين العرب فى لبنان على وجه الخصوص ثم فى سوريا والعراق، قبل الوصول إلى مصر وأقباطها الذين يشكلون نسبة وازنة من مواطنيها.

سال حبر سعودى وخليجى غزير فى بيانات وخطابات تشير إلى الأمن القومى العربى..

لكن هذا الاستخدام الطارئ لكلمة «العروبة» سرعان ما فقد بريقه فسحب من التداول مع مؤتمر التعاون الإسلامى الذى عاد ليؤكد على «الثوابت» وبالتحديد الحملة على إيران، والتشهير بـ «حزب الله» كتنظيم إرهابى.

المهم أن قمة مؤتمر التعاون الإسلامى التى انعقدت فى اسطنبول، وتحت القيادة التركية معقودة اللواء لتنظيم الإخوان المسلمين بقيادة الرئيس أردوغان، قد شطبت «العمل العربى المشترك» ممثلا بالقمة العربية، وجارت السعودية فى مطالبها سواء ما يتصل بحصار إيران أو بإعــلان الحرب على اليمــن أو بمــكافحــة «حزب الله» فى لبنان.

***
ولقد كانت الحكومة المصرية أكثر طرف محرج فى هذه القمة.. إذا كان عليها أن تتخفف من خصومتها لتركيا ــ أردوغان التى احتضنت الإخوان المسلمين الهاربين من مصر، بعد «إسقاط دولتهم» فيها، من هنا أن وزير خارجية مصر قد اكتفى بكلمة تنهى رئاسة مصر لهذا المؤتمر، دون أن يتقدم لمصافحة أردوغان تسليما للرئاسة إلى تركيا. ولولا ضغط السعودية لما كان للتمثيل المصرى أن يرتفع إلى مستوى وزير الخارجية، وليس خفيا أن أردوغان يتطلع إلى وراثة السلطنة العثمانية عبر الشعار الإسلامى الذى يرفعه تنظيم الإخوان المسلمين فى تركيا... وإن كان «يناضل» ويفتعل المعارك لكى تقبل بلاده فى الاتحاد الأوروبى أو هى تمنع من دخوله لأنها دولة إسلامية، ولأنها ليست أوروبية تماما. وإن كانت بعض أرضها تقع فى أوروبا (جغرافيا).

على هذا فإن تركيا تعيش تمزقا سياسيا بين طموحاتها إلى قيادة المسلمين فى العالم، ــ بالأكثرية العربية الوازنة، وبين استماتتها فى الحصول على هوية أوروبية مستحيلة.. وإن كان الغرب قد رحب بتنسيب تركيا إلى الحلف الأطلسى لأسباب عسكرية، أساسا، تتصل بموقعها على حدود «الاتحاد السوفييتى» السابق، الــــذى يتبدى أن سقوط نظامه الشيوعى لم يبدل جذريا فى سياساته تجاه الغرب عموما، وتجاه تركيا خصوصا.. وما تباين الموقف من الحرب فى سوريا وعليها بين الاتحاد الروسى بقيادة بوتين، وبين تركيا الإسلامية بقيادة أردوغان، والذى جعل كلاهما يقفان على حافة الحرب بعد إسقاط الطيران التركى طائرة روسية كانت فى مهمة قتالية على الحدود بين سوريا وتركيا، إلا التعبير الصارخ عن هذا الوضع المتوتر بين الدولتين اللتين يحفل تاريخهما بكثير من الحروب على مناطق النفوذ المتداخلة بينهما.

***
الخلاصة أن مؤتمر التعاون الإسلامى الذى لم يكن له أى تأثير على سياسات الدول المنتمية إليه، اضطرارا فى الغالب الأعم.. أو من باب المجاملة وسعى دوله الفقيرة إلى الإفادة من دول النفط الغنية فيه، وأبرزها السعودية وسائر دول الخليج العربى، قد فقد عبر السنين عنوانه ودوره.

فهذا المؤتمر قد أنشئ أصلا بمبادرة من ملك المغرب الراحل الحسن الثانى، فى سبتمبر 1968 بعد شهر من إقدام العدو الإسرائيلى على تدبير حريق فى المسجد الأقصى كاد يذهب بهذا المكان المقدس بالنسبة للمسلمين، إذ ورد اسمه فى القرآن الكريم قبل وصولهم إلى فلسطين والقدس.

وبرغم الشرعية المفترضة لهذا المؤتمر الذى أنشأه العجز عن الدفاع بالسلاح عن فلسطين جميعا، كما عن المسجد ذى المنزلة المتميزة لدى العرب أساسا ومعهم سائر المسلمين، فإن العلاقات بين الدول الإسلامية لم تتوطد ولا هى تعززت بعد إقامته.

ولقد سحب الحديث عن تحرير فلسطين من التداول وبالتالى من أدبيات هذا المؤتمر، كما سحب من أدبيات القمم العربية، ليحل محلها الحديث عن التسوية السياسية للنزاع العربى ــ الإسرائيلى استنادا إلى مشروع الملك السعودى الراحل فهد بن عبدالعزيز، معدلا، وهو الذى طرح فى القمة العربية فى بيروت فى العام 2002.

وها هى إسرائيل تعلن بعد أيام من اختتام هذا المؤتمر أعماله فى اسطنبول، عن رفضها أى حديث عن إعادة الجولان السورى المحتل إلى سوريا، بل وتعقد جلسة لمجلس وزرائها فى الجولان لتكرس ادعاءاتها باقية فى الجولان إلى يوم الدين!

وكل مؤتمر إسلامى والأمة العربية بخير.


رئيس تحرير جريدة «السفير»

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved