لماذا تنتصر علينا إسرائيل... بأصدقائنا؟!

طلال سلمان
طلال سلمان

آخر تحديث: الأربعاء 19 مايو 2010 - 10:28 ص بتوقيت القاهرة

 فى يوم واحد، تلقى أهل النظام العربى ضربتين مؤلمتين ممن كانت الأمة العربية جميعا تعتبرهم من أخلص الأصدقاء ومن ذوى القربى حتى كادوا أن يكونوا أشقاء..

فأما الضربة الأولى فقد وجهها الصينيون، وعبر الدورة الرابعة لمنتدى التعاون العربى ـ الصينى الذى انعقد فى مدينة تيابجين، وشارك فيه وزراء الخارجية العرب، يتقدمهم الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى.. وأما الضربة الثانية فمن الأفارقة، وتحديدا من أكثرية دول حوض النيل (إثيوبيا وأوغندا ورواندا وتنزانيا ومعها بوروندى والكونغو الديمقراطى) الذين تلاقوا فى عنتيبى (فى أوغندا)، فى غياب دولتى المصب مصر والسودان، للتوقيع على اتفاق جديد لتقاسم مياه النهر العظيم، يكون بديلا من الاتفاق ذى الطابع الدولى الموقع فى العام 1959 تثبيتا للاتفاق الأول الذى وضع فى العام 1929، وحين كانت هذه الدول جميعا خاضعة للاستعمار الغربى (بريطانيا أساسا وإيطاليا وبلجيكا وفرنسا).

ومن محاسن الصدف، أن تتزامن هاتان الضربتان بينما العدو الإسرائيلى يحتفل بالذكرى الثانية والستين لإقامة «كيانه السياسى» على أرض فلسطين التى كان الشعب العربى فى مختلف دياره يشارك أهلها وهم الأخوة الأشقاء إحياء ذكرى «النكبة» التى أخرجتهم من معظم بلادهم وشردتهم فى أربع رياح الأرض «لاجئين» يذوى أملهم فى «العودة» يوما بعد يوم، بهمة أهل النظام العربى وتواطؤهم على «قضيتهم المقدسة» بمبادرات التنازل التى ترفضها إسرائيل، مباشرة أو عبر واشنطن، لأنها تعرف أن رفضها سيجعل العرب يقدمون تنازلات جديدة حتى لا يتبقى قضية ولا من يفاوضون.

بديهى والحالة هذه، أن يتوقف المواطن العربى أمام هذه الوقائع الجارحة ليسأل عن الأسباب التى أدت إلى مثل هذه الخسارة الفادحة فى الأصدقاء الكبار كالصينيين وذوى القربى من الأفارقة، وعن المسئولين عن التسبب فيها وحرمان الأمة العربية من بعض الأهم من عناصر قوتها على المستوى الدولى، مما يلحق الأذى البالغ بقضاياها العادلة بل وحقوقها فى أرضها ومواردها الطبيعية.

كيف ولماذا تجاوز الصينيون موجبات الصداقة بتاريخها الحافل والمضىء ومعها مقتضيات توطيد علاقات التعاون الاقتصادى مع الدول العربية، وهى مؤثرة جدا فى ازدهار التجارة الصينية، وتجاهلوا حتى أصول الضيافة، وتمسكوا بموقفهم المستهجن من رفض النص (الذى كان فى مستوى البديهيات إلى ما قبل فترة بسيطة) حول حق الفلسطينيين فى «بعض» القدس، أى القسم الشرقى ـ القديم منها ، كعاصمة لدولتهم العتيدة؟!

ماذا عدا مما بدا ليمكن تفسير هذا التحول فى الموقف المبدئى للصين، من القضية العربية الأقدس والأخطر، فلسطين، وقد كانت فى طليعة الدول غير العربية التى اعترفت بمنظمة التحرير الفلسطينية، واستقبلت «رئيسها» عند إنشائها الراحل أحمد الشقيرى فى احتفال مشهود سنة 1964، واستمعت قيادتها إلى خطبه الحماسية فيها، قبل أن تتعهد له بالمساعدة، سياسيا وعسكريا، لتعزيز قدرات المنظمة ونضال الشعب الفلسطينى من أجل إقامة دولته المستقلة على «بعض أرضه الوطنية» بعاصمتها القدس الشريف؟
ذلك من التاريخ.. لكن الحاضر يقدم شهادة أقوى تأثيرا لأنها تتجاوز العواطف والمواقف المبدئية إلى الاقتصاد والمصالح وبالأرقام، ومنها:

١ ــ إن التجارة الثنائية بين الصين والدول العربية قد تجاوزت المائة بليون دولار فى العام الماضى، على الرغم من الأزمة المالية العالمية.. فهى قد ارتفعت من 36.4 بليون دولار إلى 107.4 بليون دولار فى العام 2009.

٢ ــ إن الاستثمارات الصينية والعربية المباشرة قد ارتفعت من 1.1 بليون إلى 5.5 بليون دولار بين 2004 و2009.

٣ ــ إن الصين تحتل المركز الأول فى مصر من حيث نطاق الاستثمار، وعدد الشركات الصينية المسجلة فى مصر بلغ 1022 شركة.

٤ ــ إن الصين صارت ثانى أكبر مستورد وثالث أكبر سوق للسعودية (حتى لا ننسى النفط ومشتقاته) وقد زادت التجارة الثنائية إلى 41 بليون دولار اعتبارا من 2009 واتفق على زيادتها لتبلغ 60 مليارا بحلول 2015.

٥ ــ إن المؤسسات الصينية تشارك حاليا فى تنفيذ مائة مشروع للتنمية داخل السعودية، وأن استثماراتها فيها تبلغ 11.8 بليون دولار..

ولقد دخل مشروع الاثلين، وهو الأكبر من نوعه فى الصين، طور التشغيل التجارى بصورة رسمية، عشية انعقاد الدورة الرابعة لمنتدى التعاون العربى ـ الصينى فى 11 مايو 2010.يجرى العمل حاليا لإقامة منطقة حرة بين الصين ومجلس التعاون الخليجى.

كل هذه المصالح والمشاريع المشتركة والتبادل التجارى بعشرات البلايين من الدولارات، ثم تمتنع الصين عن الموافقة على سطر فى البيان المشترك يشير إلى القدس الشرقية كعاصمة للدولة الفلسطينية العتيدة؟!
كيف يمكن تفسير هذا الفصل القسرى والنافر بين المصالح الاقتصادية والموقف السياسى؟ وكيف يقبل أهل النظام العربى ومعهم جامعتهم أن يصدر البيان المشترك خلوا من مطلبهم البديهى، ويسكتون عن هذه «الجلافة» فى الموقف الرسمى الصينى، ولا يذكرون مضيفهم أن لهم هم بدورهم موقفهم ممن يتجاهلون قضاياهم أو يسيئون إليها، لا سيما ممن كانوا فى السابق أصدقاء حميمين ويتصدرون صف المطالبين بحقوق الشعب الفلسطينى فى أرضه؟

وهل من الضرورى التذكير بالنمو المطرد للعلاقات الصينية مع إسرائيل التى تشمل مجالات حساسة جدا بالنسبة للعرب، تلامس المستوى العسكرى، إذ إن الصين من أهم الدول المشترية سلاحا من إسرائيل أبرزها الطائرات القتالية «فالكون» إلى جانب رقائق الكمبيوتر وكل ما يتصل بعملية الرى بالتنقيط وتتعاون معها فى مجال إنتاج الطائرات الهجومية من دون طيار... والذريعة دائما أن إسرائيل بين الدول الأكثر تقدما فى هذه المجالات.

الطريف أن إسرائيل تقدم مليار دولار بصورة قروض لمشاريع إنمائية زراعية وصحية... وواضح أن هذه القروض هى بعض فوائد الاستثمارات أو المبيعات الإسرائيلية للصين، لا سيما العسكرية منها!أما دول حوض النيل فإن موقفها من مصر والسودان أدهى وأمّر.

لقد كانت هذه الدول أقرب فى صداقتها لمصر والسودان إلى الإخوة، ولطالما ساندت مصر شعوب القارة عموما، وشعوب دول حوض النيل خصوصا، فى سعيها من أجل التحرر من مستعمريها الأوروبيين والحصول على استقلالها السياسى، ثم قدمت لها ما تستطيع من المساعدة على المستوى الاقتصادى والعسكرى والأمنى.

لكن مصر التى تخلت عن دورها الحيوى والأساسى، عربيا وأفريقيا وفى مجمل دول عدم الانحياز، قد فقدت الكثير من نفوذها المعنوى، وغابت عن دائرة التأثير، حتى تجرأ عليها أهل الانقلابات من حكام بعض الدول الأفريقية الفقيرة، بتحريض مباشر من إسرائيل أساسا، وبتشجيع أمريكى عامة، لكى «تسترد حقوقها» فى مياه النيل، وهى حقوق لم تغصبها مصر أو السودان، بل هى تنالها بموجب اتفاقات دولية لا مبرر لنقضها... وإذا كان ثمة حاجة لتعديلها فباب المفاوضات مفتوح دائما، وفى جو أخوى وضمن الحرص على مصالح الأطراف جميعا.

لم تتقدم هذه الدول بمشروعات لاستثمار مياه النيل فتصدت القاهرة أو الخرطوم لمنعها أو عرقلتها، ولم تخرق مصر أو السودان الاتفاق الدولى المعقود 1959، بل إن الدولتين تتمسكان به مع الاستعداد للبحث، فى جو أخوى، مع الدول الشريكة فى حوض النيل، فى كل ما يتصل بتطوير استخدامها لحصصها من مياه النيل.

وعلى امتداد السنوات العشر الماضية، كانت القاهرة والخرطوم تواصلان التفاوض مع سائر دول حوض النيل للوصول إلى اتفاقات عادلة ومحققة لمصالح هذه الدول جميعا على قاعدة الشراكة فى هذا المورد الحيوى بما يخدم أهداف التقدم وتحسين شروط الحياة فى الدول ذات العلاقة.

وبغض النظر عما إذا كان للاتفاق الجديد «أى قيمة قانونية بالنسبة للدول التى لم توقع عليه» أم لا، فإن التوقيع عليه يظل يمثل «محاولة للضغط من دول المنبع على دول المصب» لوضع مصر والسودان أمام الأمر الواقع.

ومعروف أن حصة دولتى المصب، تبلغان على التوالى: 55.5 مليار متر مكعب سنويا لمصر، و18.5 مليار متر مكعب للسودان.

معروف أيضا أن دول المنبع لا تستثمر مياه النيل التى تخصها، بموجب الاتفاق، نتيجة لأسباب كثيرة، بينها عدم الاستقرار والفقر وافتقاد الخبرة، وبالتالى فالمشكلة ليست فى حصصها بل فى القدرة على استثمارها.

يصعب توجيه السؤال إلى أهل النظام العربى عن خسارة العرب أصدقاءهم التاريخيين، لا سيما فى دول الجوار الأفريقى، ثم فى دول عدم الانحياز، وقد كان لهم رصيد ضخم عبر إسهامهم فى دعم حركات التحرر، سياسيا وعلميا وثقافيا وربما عسكريا فى بعض الحالات، وبالخبرة حيث تحتاج تلك الدول التى أفقرتها دهور الاستعمار وتركتها نهبا لفوضى الحدود والخلافات القبلية والفقر المدقع؟!

لقد كان لمصر، على وجه التحديد، نفوذ معنوى ممتاز، وكانت الشعوب الأفريقية تتطلع إلى القاهرة كعاصمة لها جميعا، وكثير من «الكادرات» الذين تولوا مناصب قيادية من خريجى الجامعات فى مصر أو فى الجزائر أو فى دمشق وبغداد، ثم إن مصالح هذه الدول تتقاطع ـ حكما ـ مع دول جوارها العربى، وقد يفيد الاقتصاد حيث لا تفيد السياسة.

وبديهى أن إسرائيل قد أفادت من الفراغ العربى، لا سيما بعد انكفاء مصر عن لعب دورها الذى لا بديل منه فى المحيط الأفريقى، وبعد تخلى الجزائر عن طموحاتها الأفريقية، وبعد اكتفاء العقيد القذافى بالمهرجانات الفولكلورية حيث حظى بلقب ملك ملوك القبائل الأفريقية... ثم لم تبذل أى دولة عربية الجهد الكافى للتعاون مع هذه الدول حيث يمكن تحقيق فوائد اقتصادية ممتازة، فضلا عن تبادل الدعم السياسى.

مؤخرا فقط بدأ الزحف الخليجى ـ السعودية والإمارات وقطر ـ فى اتجاه أفريقيا، ولكنه اتخذ سياقا استثماريا مطهرا من السياسة، حتى لا تغضب إسرائيل أو تستفز الولايات المتحدة الأمريكية... فالمال الذاهب إلى الربح، وإلى مزيد من الربح، لا يعنيه كثيرا أن يواجه إلا منافسيه، وقد يشارك من هم فى حكم «الخصوم» بل «الأعداء» لأهل وطنه.

باختصار: كان العرب فى أفريقيا شركاء نضال، يقدمون خبراتهم وبعض الإمكانات لهذه الشعوب المضطهدة التى طالما نظرت إلى القاهرة والجزائر وطرابلس والخرطوم كدار احتضان ودراسة وإعداد وربما دار لجوء، أو كقواعد خلفية لنضالهم من أجل التحرير والتقدم لبناء دولهم المستقلة.

أما وقد غدت ديار العرب ذاتها مخضعة للهيمنة الأجنبية، وبعضها محتل (كالعراق) نتيجة السياسات العبقرية لأهل النظام العربى وتنازلاتهم غير المحدودة لإسرائيل، فبأى حق نطالب الآخرين أن يكونوا عربا بينما يتنصل العرب من عروبتهم؟من يخسر نفسه، وهويته، كيف سيحفظ أصدقاءه، وهل يحق له أن يطالبهم بما أعفى نفسه منه من واجباته الوطنية حيال شعبه وأمته؟!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved