الإنترنت كحق من حقوق الإنسان

العالم يفكر
العالم يفكر

آخر تحديث: الإثنين 19 يونيو 2017 - 9:50 م بتوقيت القاهرة

نشرت مؤسسة كارنيجى للسلام الدولى مقالا للكاتب «ستيفن فلدستين» وهو زميل غير مقيم فى برنامج كارنيجى للديمقراطية وسيادة القانون حول الإنترنت كحق أصيل من حقوق الإنسان التى يجب اعتمادها من قبل مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة.
يستهل الكاتب المقال بذكر واقعة حدثت فى مطلع شهر مايو، حيث وقعت الحكومة الكونغولية صفقة بقيمة 5.6 مليون دولار مع شركة مير جروب، وهى شركة أمنية إسرائيلية لها صلات وثيقة مع أجهزة المخابرات الإسرائيلية تقوم ببيع أدوات المراقبة لقوات الأمن الأجنبية، وذلك بهدف القيام بتحليل البيانات الكبيرة وتسمى تلك الأدوات منصة الاستخبارات التفاعلية، والتى تسمح للمستخدمين باختراق المنتديات والمجموعات المغلقة، ورصد أنشطتهم، وإجراء تحقيقات سرية.
لم توضح الحكومة الكونغولية لماذا وقعت الاتفاقية، لكن ليس من قبيل المصادفة أن رئيس البلاد جوزيف كابيلا، الذى يواجه أزمة سياسية فى الداخل، أبدى اهتمامه فجأة بالتكنولوجيا التى يمكن أن يستخدمها بسهولة ضد معارضيه، فبعد أن تجاوز كابيلا مدة ولايته الدستورية التى انتهت فى ديسمبر الماضى، اندلعت البلاد احتجاجا. ولم يوافق على إجراء انتخابات وطنية إلا بنهاية العام بعد المظاهرات المتكررة والضغط الدولى الثقيل. ولكن هناك شكوك قوية بأن كابيلا لا ينوى التخلى عن السلطة، على الأقل ليس من دون احتجاجات. فإذا كان هذا هو الحال، فإن من المرجح أن تؤدى تلك الأزمة إلى اضطهاد وخنق المعارضة.
من المؤكد أن مجموعة أدوات المراقبة من مير سوف تساعد فى هذا الصدد، فمع تزايد حقوق الإنسان والنشطاء السياسيين على الإنترنت، يكتسب الزعيم الاستبدادى ميزة حاسمة عندما يمكنه التجسس على خطط خصومه. فإذا تمكنت قوات أمن الدولة فى الكونغو من تحديد وتفكيك الدوائر القيادية للمعارضة وجماعات المجتمع المدنى التى من شأنها أن تدفع الاحتجاجات فى كينشاسا، فإنها يمكن أن تعزز فرص كابيلا فى الفوز بالانتخابات إلى حد كبير.
أضاف الكاتب أن ما يثير القلق هو أن أدوات المراقبة من مير ليست فريدة من نوعها. فقد أصدرت مجموعة المراقبة الدولية للخصوصية تقريرًا صدر مؤخرا عن صناعة المراقبة، جاء فيه أن 27 شركة إسرائيلية و 122 شركة مقرها الولايات المتحدة توفر تكنولوجيا المراقبة والتطفل لمجموعة متنوعة من العملاء، كما أشار تقرير مؤسسة فريدوم هاوس للحرية على شبكة الإنترنت لعام 2016 إلى أن ثلثى مستخدمى الإنترنت يقيمون فى بلدان حيث «تتعرض الانتقادات للحكومة أو الجيش أو الأسرة الحاكمة للرقابة»، وأنه فى العام الماضى وحده، فى 38 بلدا تمت اعتقالات تستند فقط إلى محتوى شبكات وسائل الاعلام الاجتماعية. ومن الصعب تقدير كم الاعتقالات الذى نتج عن التكنولوجيا التى تزاولها شركات مثل مير، ولكن الجماعات الديمقراطية تقدر أن 25 بلدا نفذت هجمات تقنية ضد منتقدى الحكومة وجماعات حقوق الإنسان باستخدام منتجات مماثلة.
مع ذلك، فإن المراقبة الرقمية ليست سوى واحدة من الأدوات العديدة المتاحة للحكومات التى تميل إلى قمع المعارضة، فهناك استراتيجيات أخرى أكثر فاعلية مثل قطع الشبكة المستهدفة، فإذا كان عدم الرضا والاحتجاجات يسيطر على منطقة بعينها، فإن رد الفعل من قبل الحكومات يتجسد فى الدخول إلى الانترنت وقطع المعلومات. فى الكاميرون، استخدم الرئيس بول بيا ــ الذى حكم بمفرده وأحيانا بوحشية فى السنوات الـ35 الماضية ــ هذا التكتيك فى العام الماضى لقمع الاحتجاجات فى المناطق الناطقة باللغة الإنجليزية فى البلاد على التمييز الاقتصادى والسياسى من قبل الأغلبية الفرنكوفونية. كانت استجابة بيا سريعة وقاسية. حيث ضغط على مشغلى شبكات الهاتف النقال لقطع الاتصالات وقطع خدمة الإنترنت عن المناطق المتضررة. ولم يتمكن المواطنون فى تلك المناطق من الاتصال داخليا أو بالعالم الخارجى لمدة 93 يوما. وبحلول الوقت الذى استعادت فيه الحكومة إمكانية الوصول إلى الإنترنت، كان الضرر الاقتصادى كبيرا ــ وهى خسارة تقدر بأكثر من 3 ملايين دولار.
يضيف الكاتب أن اللجوء لقطع خدمة الإنترنت يستخدم لقمع المعارضة فى جميع أنحاء العالم، حيث أبلغت منظمة «أسيس نو« عن 15 عملية إغلاق موثقة فى عام 2015، بما فى ذلك فى البرازيل والهند وتركيا. وبحلول عام 2016، توسعت قائمة عمليات الإغلاق الموثقة إلى 56 بلدا وشملت بلدان مثل الجزائر وإثيوبيا وباكستان.
***
اعترف مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بشكل متزايد بأن الحقوق غير المتصلة بالإنترنت، مثل الحق فى حرية التعبير والحق فى التجمع السلمى، ينبغى أن تطبق على الإنترنت أيضا. حيث أشار ديفيد كاى، المقرر الخاص للأمم المتحدة المعنى بتعزيز وحماية الحق فى حرية الرأى والتعبير، أن أقرب حماية لحق الإنترنت تكمن فى المادة 19 من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان والمادة 19 من العهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. وتنص المادة 19 الأولى على أن «لكل شخص الحق فى الحصول على المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها من خلال أى وسائل الإعلام وبغض النظر عن الحدود» . ولكن المسألة هى أنه ليس هناك حق معين معترف به دوليا بخصوص الإنترنت. هاتان المادتان تجعل القانون الدولى أقرب إلى الاعتراف بهذا الحق، ولكن المعايير لا تزال تحاول اللحاق بركب التقدم التكنولوجى، ولكن الحكومات القمعية لديها مصلحة فى إبطاء أى اعتماد تلك الحقوق.
من ثم، فإن جزءا من حل تلك الإشكالية يقع على عاتق النشطاء وسيتطلب ذلك المزيد من التوعية القيام بالحملات والغضب العام فى كل مرة تقوم فيها الحكومة بعمل يحد من حقوق المواطنين على الإنترنت، فعلى سبيل المثال عندما تم حظر شبكات التواصل الاجتماعى وخدمات الإنترنت عبر الهاتف النقال فى كشمير من قبل الحكومة الهندية اتخذت مجموعات مثل أسيس نو خطوات مهمة لبناء الوعى بإغلاق الإنترنت من خلال حملة #KeepItOn
كما يجب على المدافعين أن يحفزوا القطاع الخاص فى الضغط على الحكومات التى يعملون معها من أجل احترام الحق فى الإنترنت عن طريق التهديد بسحب استثماراتهم. ومثلما أطلق النشطاء حملة مقاطعة «نايك» بسبب عمل الأطفال فى محلاتهم التجارية الفيتنامية، ينبغى لهم أيضا أن يدعوا لمقاطعة البلدان التى تضايق أو تتجسس أو تعطل أو تحرم الوصول إلى الإنترنت لمواطنيها.
لكى تعمل هذه الاستراتيجيات، يحتاج مجتمع حقوق الإنسان إلى الأدوات والموارد والقدرات المناسبة التى من شأنها تعزيز حماية حق استخدام الإنترنت بحرية مثل تشغيل نظم الإنذار المبكر عندما يكون انقطاع الشبكة على وشك الحدوث، وتحسين القدرة على رصد الحالات التى تتداخل فيها الحكومات مع النشطاء عبر الإنترنت، وتمكن النشطاء من توجيه الإنذار وتعبئة المجتمع الدولى لإدانة السلوك. ويجب على المقيمين فى البلدان القمعية بذل العناية الواجبة أيضا، واعتماد العادات والتقنيات الصحيحة للتحايل على القيود الحكومية وتعزيز أمنهم الرقمى، كما يجب على الناشطين رفع أصواتهم حول القيود المفروضة على الوصول إلى الإنترنت والمراقبة والتحرش عبر الإنترنت والتواصل مع أصحاب المصلحة الرئيسيين ــ السفارات الأجنبية وشركات الاتصالات ومزودى خدمات الإنترنت وغيرهم من صناع القرار ــ من أجل تسخير نفوذهم الجماعى فى الضغط على الحكومات القمعية.
يختتم الكاتب المقال بأنه حتى الآن لم يتمكن مجتمع حقوق الإنسان من شن حملة متسقة وناجحة ضد الحكومات القمعية التى تقيد الإنترنت أو تحفز على وضع قاعدة دولية لحماية النفاذ إلى الإنترنت. ويرجع ذلك جزئيا إلى أن القضية لا تزال ناشئة ولم تكتسب بعد وعيا عاما بالغ الأهمية. ولكن من الجدير أيضا التساؤل عما إذا كانت جماعات حقوق الإنسان تعطى الأولوية للوصول إلى الإنترنت بقدر ما تستطيع القيام به؛ فبالنسبة لمعظم المجموعات، لا تصنف هذه المسألة كأولوية من الدرجة الأولى أو حتى الدرجة الثانية. وطالما استمر المجتمع الدولى فى منح تمريرة مجانية لشركات مثل مير، فإنهم سيستمرون فى بيع المنتجات إلى الحكومات الاستبدادية التى تسمح لهم بالتجسس على مواطنيهم، ومضايقة خصومهم، وحرمان الناس من الوصول إلى الإنترنت.

إعداد: أسماء رمضان
النص الأصلى

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved