القمة فى آخر خيمة عربية: موريتانيا!

طلال سلمان
طلال سلمان

آخر تحديث: الثلاثاء 19 يوليه 2016 - 9:10 م بتوقيت القاهرة

- الجمهوريات تتهاوى.. والممالك تخلع عروبتها

بعد أيام سوف تستقبل نواكشوط، عاصمة جمهورية موريتانيا التى لا يعرفها إلا القلة القليلة من المسئولين العرب، أول قمة عربية تحط رحالها فيها، بعد غياب أو تغييب عواصم القرار العربى، أو انشغالها بالحروب الأهلية أو حروب التغيير بالقوة للأنظمة «العاصية» أو «المرتدة» فيها.

وموريتانيا التى ظلت مجهولة وخارج ذاكرة العرب حتى العام 1960 حين قامت فيها دولة شكلت نقطة وصل بين المغرب العربى والصحراء الأفريقية.

على أن الرئيس الأول لهذه الجمهورية مختار ولد داداه الذى انتخب فى العام 1960 افترض أنه «الملك»، وهكذا مدد ولايته حتى صارت 18 سنة متوالية، ولم يغادر منصبه إلا بعدما خلعه انقلاب تلاه انقلاب ثانٍ فثالث حتى استتب الأمر للرئيس الحالى محمد ولد عبدالعزيز.

***

المهم أن القمة العربية، التى باتت «ملكية» بعد تهاوى الجمهوريات التى كان لها شرف القيادة، ستحط رحالها أخيرا فى نواكشوط (أو نياق الشوط) بعد تجوال طويل فى مختلف العواصم ذات التاريخ والمهددة الآن بالخروج من التاريخ، فى ظل أجواء «ملكية» حاكمة غالبيتها فى المشرق (السـعودية، الأردن، الكويت، الإمارات العربية المتحدة، قطر والبحرين وسلطنة عمان) بينما ينأى الخليفة ــ أمير المؤمنين بالمغرب عن الصراع وإن ظلّ انحيازه واضحا للملوك أبناء الملوك.

على هذا ستكون معظم الجمهوريات غائبة عن القرار حتى لو حضرت الجلسات: فمصر المثقلة بهمومها قد أخذتها أثقال همومها، إلى العدو الإسرائيلى لعلها تجد لها دورا ولو هامشيا فى الموضوع الفلسطينى.. أما ســوريا فتــحت سيف «المقاطعة» وأما العراق فضيف ثقيل الحضور وغير مرحب به وإن تمّ قبوله على مضض، وأما السودان فقدوم رئيسه الممنوع من السفر دوليا سيشكل عبئـــا ثقيلا! وأما ليبيا فإن الصراع على الدولة كما على النظام وطبيعته ما زال مفتوحا.

على أن المناسبة ستوفر فرصة تاريخية لعرب المشرق كى يتعرفوا على أشقائهم فى أقصى المغرب عند المحيط الأطلسى وعلى تخوم الصحراء الأفريقية، وهم يتحدرون بأكثريتهم الساحقة من «المور» الذين تحافظ أكثريتهم الساحقة على اللغة العربية (الفصحى، وإن اعتورها شىء من العامية).
هى «دولة عربية» أخرى من قافلة الدول التى لا تنتج، زراعة وصناعة وتجارة وعلوما... إلخ، ما يكفى لإطعام أهلها خبزا، فضلا عن تأمين مستقبل شعبها الفقير فى أرضه التى معظم مساحتها صحراء.

والحقيقة أن العرب لم يعرفوا، فى تاريخهم المعاصر «الدولة»، حقا.. كانت بلادهم تتوزع على ولايات فى إمبراطورية أجنبية، أو تحت حكم الخلافة العربية الإسلامية انتهاء بالسلطنة العثمانية، مرورا بـ«الــدول» أو «الإمارات» التى اقتطعتها سيوف «الولاة» فجعلوا منها «كيانات» قائمة بذاتها ولكن تحت حماية الدول الأقوى فى جوارها.. وإن ظلوا يجهرون بولائهم للخــليفة أو الســلطان (لا فرق بين أن يكون مملوكيا تحت الراية الفاطمية، أو عثمانيا) أو إنهم اندفعوا إلى طلب حماية الأباطرة الأجانب مع دفع تكاليف الحماية.

على أن مملكة المغرب ظلت استثناء، تتوارث العرش فيها أسر تنتسب إلى الدوحة الهاشمية، وآخرها الأسرة العلوية الحاكمة الآن.

ومع بداية القرن التاسع عشر نجح محمد على باشا، الألبانى الأصل، فى الاستقلال بمصر عن «السلطنة» بل إنه قد حاربها وطارد جيوشها حتى قونية فى تركيا.. وباشر بناء دولة حديثة، مستفيدا من تداعيات حملة نابليون.

فى ليبيا حل الطليان محل العثمانيين ابتداء من 1911، وحولوا البلاد إلى مزرعة لهم، حيث الأراضى خصبة، دافعين الليبيين الذين رفضوا الاحتلال وقاوموه تحت قيادة عمر المختار إلى الصحراء.. وبعد الحرب العالمية الثانية جعلها الحلفاء (وأساسا الإنجليز ومعهم الفرنسيون) مملكة اتحادية واختاروا لها شريفا (من آل البيت) من السنوسيين. «وهكذا بقيت حتى الستينيات ثلاث ولايات: الشرق عربى، وطرابلس الغرب «طليانية» وفزان «فرنسية».

وعلى الطريق إلى قيام هذه الدول سقطت فلسطين سهوا لتكون دولة يهود العالم فى ظل هزيمة مدوية للدول الــعربية، التـــى لم تـــكن دولا بالمـــفهوم المعروف للدول، وستكون حرب فلسطين مناسبة لانكشاف هزال هذه الدول وعجزها عن حماية كياناتها.

ظل الفرنسيون فى لبنان وسوريا حتى أواسط الأربعينيات وظل الإنجليز فى العراق ــ عمليا ــ حتى أواخر الخمسينيات... أما فى الخلــيج أو «الساحل المتصالح» فقد ظل البريطانيون فيه حتى الأمس القريب.

أما اليمن بذاتها فكانت «مملكة» يحكمها إمام من الزيود الذين يعودون بنسبهم إلى الدوحة الهاشمية، وقد «استنكفت» القوى الأجنبية عن «استعمارها» لشراسة أهلها فى الدفاع عن أرضهم، وربما أيضا لفقرها... ثمّ إنها كانت محاصرة بالقوات الأجنبية (البريطانية أساسا) وبالوهابية التى اتخذ آل سعود منها سلاحا للدعوة إلى العودة بالناس إلى الدين الحنيف. ولقد فشلت دولتهم الأولى التى أسقطها القائد ابراهيم ابن محمد على باشا والى مصر، بطلب من العثمانيين، فاجتاح ديارهم وحطم «الدرعية» منطلق دعوتهم... ولكنهم أعادوا تنظيم صفوفهم، وركزوا حملتهم ودعوتهم فى بلاد نجد، حتى إذا كانت الحرب العالمية الأولى اندفعوا، وقد أفادوا من تجربتهم الأولى ثمّ الثانية، فعقدوا المعاهدات مع البريطانيين الذين كانوا موجودين على امتداد سواحل الخليج... وفى ظل تواطؤ دولى تقدموا إلى الحجاز حيث كان يحكم الشريف على بن الحسين(مطلق الرصاصة الأولى فى الثورة العربية كمدخل إلى توحيد بلاد العرب تحت رايته، فى حماية البريطانيين)... وخلعوه من دون مقاومة تذكر، وسيطروا على البلاد – القارة التى تحوى مقدسات المسلمين.

وفى تونس حل الفرنسيون محل العثمانيين حتى الخمسينيات.

أما الجزائر فلسوف تتأخر عودتها إلى الحياة كدولة حتى أوائل الستينيات وبعد ثورة المليون شهيد واحتلال، لعله الأبشع فى التاريخ الإنسانى، دام لقرن نصــف القرن.

أما فى المشرق فإن دوله جميعا، فيما عدا اليمن، قد استولدت بحدودها الراهنة، وفى الغالب قيصريا، فى عشرينيات القرن الماضى: لبنان، سوريا، الأردن، العراق. على الطريق إلى قيام هذه الدول سقطت فلسطين سهوا!.. بل هى أُسقطت عمدا، لتكون دولة يهود العالم فى ظل هزيمة عربية مدوية.

وستكون حرب فلسطين مناسبة لانكشاف هزال هذه الدول التى لا تملك أى منها مقومات الحياة، إلا تلك التى حبتها الطبيعة بالنفط (وبالغاز فى حالات أخرى).

ولسوف يقام الكيان الإسرائيلى سنة 1948 بعد تمهيد طويل على الأرض الفلسطينية، بحماية الانتداب البريطانى ومساعدته العلنية.

ولسوف تعجز الدول العربية المحيطة بفلسطين(مصر، وإن عزلتها عنها سيناء، وسوريا، ولبنان الذى كان كيانه قيد الإنشاء، والأردن الذى كان بادية).

كذلك سيبقى البريطانيون فى العراق حتى أواخر الخمسينيات (1958) حيث قام الجيش بثورة خلع فيها الملك فيصل الثانى حفيد فيصل الأول ابن الشريف حسين... وبعد ذلك ستتوالى الانقلابات تحت لافتة الثورة وإرادة التغيير، حتى تسقط مغامرات صدام حسين العراق بالضربة الأمريكية القاضية، قبل أن يترك فى قلب الفراغ الذى يملؤه هذه اللحظة صراع الطوائف والأعراق (شيعة وسنة، عربا وكردا..).

*****

ماذا تستطيع قمة تغيب عنها أهم دولتين، فى المشرق (سوريا والعراق) وينتفى فيها تأثير مصر بوزنها المؤثر، وتقوم فى ميدان مفتوح للحروب الأهلية... ماذا تستطيع أن تقدم مثل هذه القمة التى يحضرها القادة المذهبون فى حين تغيب عنها شعوب الأمة بدول القلب فيها.

هى قمة أخرى فى قلب البؤس... فى انتظار فجر عربى يبدو أن انتظارنا له سيطول.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved