سهرة ثقافية

جميل مطر
جميل مطر

آخر تحديث: الثلاثاء 19 ديسمبر 2017 - 10:35 م بتوقيت القاهرة

أشكر لك دعوتك لى لقضاء سهرة تسميها ثقافية وأسميها سهرة أنس، تخللها عشاء تسميه خفيفا وأسميه عشاء كريما وشهيا. كنت تعرف عن رغبتى أن تدعونى لواحدة من هذه السهرات ولم أفهم دوافع ترددك كل هذا الوقت. أظن أننى بعد سهرة الأمس فهمت وقدرت.

حرصت، كما لاحظت وعلقت، أن أكون فى المكان قبل وصول بقية الضيوف. أصرح لك الآن بما لم تصرح به لك امرأة من قبل. ذهبت مبكرا لأننى رغبت فى أن ترانى النساء من ضيوفك وأنا أشاركك الترحيب بهن وبغيرهن من المدعوين. لا تحاول أن تستغل هذا التصريح لتسألنى أسئلة لن أجيب عنها، فأنا فى الحقيقة لا أعرف إجابة مؤكدة عن أى سؤال محتمل صدوره منك حول هذا التصريح. كل ما أستطيع إضافته الآن هو أننى كنت سعيدة أيما سعادة بعلامات وأسئلة الفضول التى لم تهدأ على امتداد السهرة. لك أن تعلم أيضا أن لحظات تعاسة تخللت هذا الشعور بالسعادة كدت بسببها أتصرف بارتباك وحرج. لم أفهم وقتها، أو لعلنى أدعيت عدم الفهم كما تدعى كثيرات من بنات جنسى. 

***

تذكر طبعا أنه جلست إلى جانبى امرأة رشيقة القوام بوجه لا يكشف بالدقة الواجبة عن عمرها. لا تسألنى كيف عرفت أنها فى عجلة من أمرها لتعرف عن تاريخ علاقتى بك ما يكفى لإشباع فضولها. بدت غير مطمئنة وغير مصدقة لما سوف أقول قبل أن أقوله. تحدتنى بهذه النظرة التى تختص بها النساء دون الرجال. نظرة يقال إنها تعرى الرجل فتفصل كذبه عن صدقه ولكن مع امرأة أخرى ينطبق على هذه النظرة قول القدامى عن نصال تتكسر على النصال. عرفت منذ اللحظات الأولى أننا، أنا وهى، لن نخرج من هذه السهرة صديقتين. أحلف لك بكل غال أننى بذلت أقصى الجهد واستخدمت ما توافر من مخزون ذكاء لإقناعها أن ما بيننا، أنت وأنا، ليس أكثر من مشروع ثقافى يتبلور شيئا فشيئا. لم تقتنع. 

عملت بنصيحتك ألا أطيل الجلوس فى مكان واحد.. استأذنت من جارتى وانتقلت إلى مقعد خال بجوار رجل لا تخلو من صورته أو اسمه صحيفة قاهرية. أعرف عنه وأقرأ له وأشاهده فى كثير من برامج الكلام. حذرونى منه. قالوا إنه يتكلم كما يتنفس. لا يتوقف عن الكلام فى المفيد وغير المفيد، فيضيع المفيد إن تصادف وكان لديه ما يفيد. قدمت نفسى إليه ولم يبادلنى بلفتة مماثلة. لم أتمالك نفسى إلا بالقدر الذى لا يسئ إلى سهرتك وشخصك. التفت إليه وسألته، بس حضرتك ما قلتش أنت مين؟. علمونى منذ سنوات مراهقتى أن إهانة المرأة لرجل تساوى أضعاف إهانة رجل لرجل. توقعت رد الإهانة فجاء متأخرا وغير مباشر وموجها لك كما هو موجه لى.. سكت برهة ثم راح لدقائق معدودة يتكلم مع جار يجلس على الناحية الأخرى ليلتفت ناحيتى فجأة ويطلب منى بلهجة الاستاذ المعلم أن أترك مشروعنا وأقبل العمل معه فى مشروع أجنى من ورائه دخلا كريما جدا ووظيفة دائمة فى موقع سياسى متميز وسهرات مع شخصيات أهم كثيرا من ضيوف الليلة. ألم أقل لك أن تكون حذرا فى التعامل مع رجل «عظيم» أهانته امرأة. يأخذنى منك فى حفلة أنت صاحبها ومضيفها وأنت جليسنا.

***

ضيفة شابة جاءت متأخرة. طلبت منا وأنت تقوم بتعريفنا على بعضنا البعض أن نذكرها جيدا فاليوم قريب حين تتبوأ مكانة تستحقها فى عالم الفن والثقافة. تطوع أكثر من رجل بين الضيوف ليتناوبوا على تشجيع الفتاة. انتهزت فرصة خلو مكان بجانبها لأجلس فيه قبل أن يهجم الرجال فيحتله أحدهم ولا يبرح. كان حديثها فى مستوى ذكائها وجمالها رائعا خلابا. حالمة مثل كثيرات قابلتهن فى ميدان أو آخر وفى يوم أو آخر من أيام زمن الحلم المصرى. عرفت منها أنها تحب رجلا أكبر منها. هو يعرف وينكر عليها الحق فى أن تسمى شعورها تجاهه بالحب. ليس حبا هذا الذى تشعر به. قالت « بل هو الحب وإن أنكره. هو لا يرفضه ولكنه يخاف أن يصيبنى من ورائه ضرر. هذا الخوف دليل حبه لى وإن استمر ينكر». أضافت مسترسلة «أراه يستمع ساخرا إلى تفاصيل أحلامى التى أسردها دون ما خجل. أحكى دائما عن الساحرة التى سوف تصل فى يوم غير بعيد وتنزل من عربتها الذهبية وفى يدها عصاها الماسية تشير بها إلينا، هو وأنا، أن نصعد إلى العربة التى سوف تطير بنا إلى عالم بعيد، الناس فيه سعداء دائما». توقفت عن سرد أحلامها باحثة عن صداها عندى. سكتت طويلا قبل أن تعود لتتهمنى بأننى مثله لا أثق بطاقة الحب عند الشباب، وعندها بالتحديد.

***

هناك عند الركن جلس رجل آخر من مشاهير كثر حفلت بهم السهرة. أعرف منك أعجابك بصراحته وشجاعته ومواقفه السياسية الجريئة ورؤيته الثاقبة. هل تذكر حين استأذن منك مناقشة قضية ثقافية حساسة ومثيرة لكثير من الجدل فى المجتمع. تحدث فى مستهل عرضه عن فساد يحيط بالقضية وعن انشقاقات فى دوائر السلطة الثقافية وعن مسائل غش وخداع. الفتاة إلى جانبى لا تحاول إخفاء انبهارها. لعله حبيب قلبها. هل هو فعلا الرجل كبير السن الذى تنتظره ساحرة وعربة مذهبة وفتاة منبهرة وولهانة وأرض ميعاد بعيدة لا يسكنها إلا السعداء؟ 

***

استمر النقاش ساخنا وعند لحظة معينة كادت حرارة النقاش تصل إلى درجة الغليان. لم أشعر إلا بسيدة غلاف شهيرة تهب من مقعدها منتصبة وتمر علينا تختطف هواتفنا الذكية وتذهب إلى حيث وجدت ثلاجة كبيرة فتحتها ووضعت فى داخلها الهواتف وعادت تردد كلمتين «خدوا راحتكم». جئت إليك أستفسر فهدأت من روعى بقولك «يحدث الآن فى جميع السهرات».

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved