الفلسفة التى صنعت الصين

معتز بالله عبد الفتاح
معتز بالله عبد الفتاح

آخر تحديث: الجمعة 20 يناير 2012 - 9:00 ص بتوقيت القاهرة

الكثير من السلع «صنع فى الصين» ولكن ما ومن الذى صنع الصين؟ فى البداية كانت الرؤية فى تقديرى ــ لا بد من رؤية ــ من يقرأ فى تاريخ الصين بما فيه من تعريجات وهزائم وانتصارات يعرف أن هناك متغيرات مهمة تحكم فى النهاية المحصلة النهائية لأداء المجتمع. أحد أصدقائى الصينيين، وهو أستاذ تاريخ حضارات الشرق القديم، اعتبر أن كتاب «فن الحرب» لـ«صن تسو»، يلخص طريقة تفكير معظم الصينيين فى مواجهة المشكلات التى تواجههم ويمكن تفسير فترات نجاح الصين سياسيا واقتصاديا وفترات انهيارها بمدى التزام الصينيين بما ورد فى هذا الكتاب من فلسفات.

 

الكتاب يركز على خمسة متغيرات هى التى يمكن أن تفسر، ومن ثم لا بد من استيعابها عند التخطيط، أسباب النصر فى المعارك العسكرية. وقد دخل الصينيون فى حالة حرب دائمة منذ أواخر السبعينيات. هى حرب ضد عدو داخلى يتمثل فى الكسل والأنانية والجهل وعدم الانضباط. يعتقد البعض أن الصينيين محكومون فقط بالحديد والنار، ولكن هناك فلسفة للحرب الصينية ضد أمراضها الداخلية قائمة فى جزء منها على الاقتناع بفلسفة «صن تسو» حتى لو اكتست لباسا اشتراكيا. أما المتغيرات الخمس عند «صن تسو» فهى: القيادة، السماء، الأرض، القانون الأخلاقى، المنهج والنظام.

 

لا يبالغ «صن تسو» فى توضيح أهمية القيادة ويستخدم لغة شديدة الشبه بما جاء فى تراثنا الدينى عن «القوة والأمانة» وهو يتحدث تحديدا بتفصيل عن الحكمة، حب القائد لأتباعه، الخبرة، القدرة على القيادة، الاستعداد أن يكون خادما ومعلما لأتباعه.

 

السماء والأرض هما متغيران استخدمهما «صن تسو» فى الإشارة إلى متغيرات القدر والطبيعة. وعنده فإن «القدر» قد يكون عسرا صعبا بأن يضعك فى امتحانات لم تكن مستعدا لها مثل الزلازل والبراكين والكوارث الطبيعية الأخرى. أما الأرض فهى الموارد الطبيعية والموقع الجغرافى وقد تكون الطبيعة سخية أو مقترة لكنها فى النهاية ليست المحدد الوحيد لاحتمالات نجاح القائد فى الحرب أو فشله. ذلك أن هناك متغيرين آخرين يملكهما المجتمع وهما «القانون الأخلاقى» و«المنهج والنظام».

 

القانون لا بد أن يكون مساويا للأخلاق، فى عرف «صن تسو» بل فى عرف الكثير من المجتمعات المتحضرة. بل إن «صن تسو» جعل الأمر واضحا فى الربط المباشر بين اعتقاد الجنود (ومن ثم المواطنون) فى عدالة قضيتهم وأن الجميع، قادة وجنودا، يتحملون نفس القدر من المسئولية وأن للوطن دينا لا بد من الوفاء به فى أعناق كل مواطن. واعتبر «صن تسو» أن تعليم الناس وتربيتهم على هذه العقيدة هى أول واجبات القائد وسلاحه من أجل الانتصار فى المعارك. وإن كان يقصد هو المعارك العسكرية الخارجية، فأنا على يقين من أن نفس المبدأ ينطبق على المعارك الداخلية.

 

أما المتغير الأخير، فهو المنهج والنظام والذى يعنى بالنسبة لقيادة الأمم حسن استغلال الموارد والسيطرة عليها وحسن استغلال المورد البشرى ورفع كفاءته وتنظيمه وتدريبه على العمل الجماعى كى يكون قادرا على مواجهة التحديات وتحقيق الأهداف.

 

لا مجال عندى للتعليق على كل هذا الأمر أنهم عندهم فلسفة ما، عندهم رؤية ما، عندهم خريطة طريق ما. فكرت، وسألت بعض الأصدقاء عن شخصية شبيهة بـ«صن تسو» أو كتاب شبيه بـ«فن الحرب» فى العقل الجمعى المصرى. باستثناء الكتب السماوية والدينية، والتى نقرأها ولا نلتزم بها عادة، لا أعرف. وربما تكون هذه هى البداية: فلسفة مصرية جديدة لها جذور عميقة تأخذنا من الثورة إلى النهضة. قولوا يا رب.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved