ما حدث يوم الخميس..

ريهام سعيد
ريهام سعيد

آخر تحديث: الإثنين 20 يناير 2014 - 7:10 م بتوقيت القاهرة

عم السلام في البلاد وابتهج العباد واتشيّرت الڤيديوهات التي توضح الرقص والمغنى على أنغام السعادة بالاستفتاء على الدستور الجديد.. راقب الجميع أصابعهم الفوشيا بولهٍ شديد، وابتسموا حالمين قبل النوم، وأصبحت هواية الانتخاب هي الهواية المحببة للقلب المصري بعد متابعة الدّوري على طول، وعمومًا لم يختلف الذوق العام كثيرًا، فالموضوع شبيه إلى حد كبير بمتابعة الدوري أساسًا؛ حيث يرقص الأهلاوي طربًا بالفوز حتى لو كان الأهلي بيلعب وحش.. وحش أوي.

بضعة أشياء حدثت بالتزامن مع انتهاء التصويت، سأحكي لكم القليل عن يوم الخميس..

- يقولون عنه "الحرم الجامعي":

لم يهتم أحد بالموضوع، جاءنا خبر عابر يفيد أنه تم اقتحام لجان الامتحانات في حقوق القاهرة بمظاهرة إخوانية، فقلبنا القناة لنشاهد إعادة مسلسل "على مر الزمان".. لم يعد الأمر مهمًا، المهم أننا نستمتع بالمشاركة في الحدث التاريخي، الأحداث التانية دي مش تاريخية ولا حاجة، مش لازم نركز معاها..

أنا شخصيًا لم أكن أعرف أي شيء، صديقتي- التي أصدقها كأنها أنا- معيدة في علوم القاهرة قسم فيزياء، كلتانا غير مهتمتين بالسياسة وسنينها، ولا نملك أي انتماء من أي نوع، ونحلم أن يسترها الستار معانا لحد ما نمشي من هنا.. دار بيننا الحوار التالي..

ملحوظة: قبل أن تقرأ الحوار، تذكّر.. الاشتباكات كانت في حقوق القاهرة، صديقتي معيدة في علوم!:

- الخميس كان إسود.. ومرعب جدًا

-إنتي كنتي موجودة وسط الضرب؟

- آه.. فيه واحد كان بياكل ساندوتش على بعد كام متر مني اتصاب بالخرطوش، وجت المدرعة وقفت جنبي على بعد مترين، وملثمون برشاشات هددونا وخطفوا الولد ومشيوا!

وفيه ولد من الطلبة بتوعي من المقبوض عليهم..

وفيه ولد من الطلبة بتوعنا برضه واخد طلقتين خرطوش في راسه وفي غيبوبة.

- كل ده بسبب إيه؟

- هو جنان من الطرفين.. عملوا مظاهرة واقتحموا لجان الامتحان في حقوق، ف الأمن بتاع الجامعة اشتبك معاهم، ف رئيس الجامعة كلم مدير الأمن علشان الشرطة تتدخل..

وبعد كده قالوا فيه قنبلة

ثم قنابل غاز ومسامير وخرطوش ورصاص حي!

والمدرعة كانت بتتمشي بين مباني الجامعة وعساكر وبلطجية، بيشتموا أي حد...

طالت المحادثة، وطلبت من صديقتي أن تبعث لي شهادتها مفصلة:

"الساعة تلاتة وربع كنت عند كافيتريا حورس بأشتري سندوتشات أنا وزميلة وصديق.. فجأة كان فيه هرج، والناس كلها كانت بتتحرك تجاه الجراج ومركز صيانة الأجهزة العلمية.. وبعدين العاملين بالكافيتريا كانوا تقريبا بيصرخوا فينا نحتمي بالكافيتريا في ضلعها المقابل للمركز.. فيه بنت من اللي واقفين جنبي كانت اتخضت جدا وصوتت ثم وقعت على الأرض وفقدت الوعي للحظات، واللي حواليها كانوا بيسندوها ويساعدوها تفوق..

في ثواني جه شخص لابس مدني وقعد يزعقلنا: "ماحدش يتحرك من مكانه"، ماكانش معاه سلاح، وسمعت صوت سارينة بتقرب، الأول ظنيتها عربية إسعاف، الشخص اللي لابس مدني أمرنا نتحرك، بحيث نقرب من بعض أكتر.. خطوتين تقريبا وظهر في مجال رؤيتي شخص ملثم ماسك في إيده سلاح.. بندقية.. وكان فيه في الجراج شاب واقع على الأرض على وشه لون أحمر- غالبا دم- وشخص ملثم تاني مصوب تجاهه سلاح..

اتضح أن السارينة دي من مدرعة شرطة.. وقفت على بعد تلات أو أربعة متر مني وخطفت الشاب اللي كان على الأرض وشخص كمان من العاملين بالكافيتريا. ومشيت. بعد دقايق الذهول اتضح من كلام العاملين بالكافيتريا إن الشاب اللي اتاخد ده كان واقف بياكل ساندوتش واتصاب بطلقة خرطوش فوقع على الأرض، العامل اللي اتاخد كان أقرب واحد ليه، فجري علشان يشوفه.. غالبا نفس الخرطوش ده أصاب زجاج سيارة زميلتي وواحد من عمال النظافة في كتفه!".

ونقلًا عن صفحة اتحاد الطلبة في الكلية:

أحد الأعضاء بهيئة التدريس تم القبض عليه من داخل القسم، ويقول عن حواره مع أحد أفراد الشرطة: "قلت له إنني عضو هيئة تدريس وغير متهم بشيء كي يسبني هكذا، فقال لي "مفيش حاجة اسمها عضو هيئة تدريس، كله تحت الجزمة".

إياك أن تظن يا عزيزي أن هناك أي مُرحِّب باقتحام اللجان وغباوات الإخوان الذين يصرون على تسويد حياتنا بها إلى النهاية، إلا أن نظرية "السيئة تعم" تطوّرت إلى أن "الخرطوش يعم"\ "الإصابات تعم"\ "القتل يعم"\ "مفيش حاجة اسمها حرم جامعي"\ "كله تحت الجزمة"..

آخر ما عرفته هو ما قالته د. "ليلى سويف" على صفحتها: "الطلاب اللي اتقبض عليهم يوم الخميس وعلى ما يبدو خدوا ١٥ يوما النهاردة بالليل، منهم ٤ من عندنا من علوم: وليد عبد العزيز أحمد، محمود أحمد فؤاد، مراد أحمد سيد، ريتشارد خالد يوسف.. راجعنا كشوفات الكنترول النهاردة لقينا الأربعة كانوا حاضرين امتحانات وقت الأحداث، صوّرنا الكشوفات وختمناها من الكلية وبعتناها للنيابة من الظهر، وبرضه النيابة ما أفرجتش عنهم واترحلوا بالليل، آدي اللي بناخده من الشرطة والنيابة..".

كل هذا ونحن نزغرد ونرقص، دلعونة في العرس الديموقراطي، فرحين بالتخلص من الإرهابيين الوحشين، وفي الخلفية يقبع آخرون يصرخون، مؤكدين: "أنا سامح عبد العلوم بتاع كلية الشكور!"..

إلا أن صوتهم لا يظهر وسط الهوجة، ويستمر الاحتفال..

- بنحب في قصة حب:

"مراية الحب عَمْيا"، هكذا يقولون.. حاول أن تشرح لصبية مُغرمة أن حبيبها معيوب، ستنقض عليك وتعض أنفك على أقل تقدير، المحبوب عادةً مفيهوش غلطة، وحتى لو كان فيه فكل شيء سيكون على ما يرام- غصبن عن عين التخين- ونار الوله ستظل تجذب الفراشات وليس الذباب- تحرقها بقى بعد ما تجذبها، تفطّسها، مش قضيتنا خالص..

أنا في الحقيقة لا أعرف الآن إحنا بنحب في أنهي قصة حب.. حب الشعب للسيسي؟ أم لحلم أننا وجدنا عبد الناصر جديدا، بعد أن قضينا أيامًا سوداء في مواجهة التناكة المُباركية والبلاهة المُرسوية.. وأنهي عبد الناصر؟ اللي بنتفرج على البُكا في جنازته في المسلسلات، ولا اللي النوبيين ليهم عنه حكايات أخرى؟!

حُب للدستور الجديد؟ أم لفكرة البداية الجديدة في حد ذاتها.. مش مهم نبتدي في إيه المهم نبتدي وخلاص\أي حاجة أحسن من الوضع الحالي..

الحالة العامة تذكرني بالبنات اللاتي يوافقن على أول جوازة تيجي وتبدو "معقولة"، المهم ما يفضلش حالها واقف.. أهي في الآخر اسمها خطوة لقدَام.. لماذا ينتهي مآل أغلب الجوازات لاستغاثات "بريد الجمعة"؟ لا أحد يعرف..

- تعرف إيه عن المنطق؟

أنا لا أفقه شيئا في السياسة، وربما أعبّر عن طائفة كبيرة تشبهني، لم تكن تفقه عن خبايا البلاد قبل 25 يناير أكثر مما كان يُذكر في الروايات المصرية للجيب عن الاستخبارات المصرية، ومغامرات أفرادها في الموساد والكرملين..

لفت أنظارنا فيلم «الراقصة والسياسي» و«البريء».. إلا إننا نحب فيلم «الحب في الزنزانة» أكثر.. مما يجعل من المنطقي ألا تجدنا في الصفوف الأولى للاشتباكات على مدار 3 سنوات، ستجد أغلبنا اهتم أكثر بشراء مستلزمات طبية للمصابين وتنظيف الميدان والتواجد في المسيرات التي تجوب المعمورة كعب داير، وجع الأرجل كان كافيًا لإحساسنا بأننا بنعمل اللي علينا..

نحن الطائفة الطفلة التي طُلب منها في حصة الرسم أن ترسم لوحة لمصر 2020، فرسمت الأهرامات وإلى جانبها ناطحات سحاب خزعبلية وكميات هائلة من الخضرة وعصافير يصدر عنها علامات موسيقية في الجو، واعتبرنا بشكل ساذج تمامًا أن نزولنا للشارع هو الطريقة الوحيدة لتنفيذ رسوماتنا القديمة على أرض الواقع بنوستالجيا محببة.. ومازلنا حتى الآن ننتحب على فقد يوتوبيا أحلام الطفولة..

أنا لا أفقه شيئا في السياسة، ما أعرفه أنه من غير المنطقي أن بلدًا بها هذا القدر من الفصائل المتناحرة يمكن أن تكون نتيجة الاستفتاء فيها على أي حاجة 98%.. مش فكرة تزوير، فكرة خَرَس، والصورة اللي لازم نقتنع أنها مناسبة للجميع بالعافية..

لا أفقه شيئا في السياسة، إلا إنك إن استطعت أن تنظر في المرآة وتحلف بحياة ولادك أنه توجد أي آلية على أرض الواقع لتنفيذ أي وعد وردي وُعدنا به وسط كل هذا العك.. فأعدك أنني سأصدقك، وربما سأعيد التفكير..

لا أفقه شيئا في السياسة، إلا أنه برغم كل الإنجازات الوهمية التي يصر الشعب على الاحتفال بها.. لا تزال رسوماتي الساذجة تُمزَّق بمطواة مدبوغة بختم الدولة، عليها إمضاء مسؤول درجة عاشرة بمصلحة حكومية، ومرفقة بدمغتين: واحدة من أم 30 قرش، والأخرى "معونة شتا".

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved