القمة فى الكويت .. حوافز ومحاذير

جميل مطر
جميل مطر

آخر تحديث: الخميس 20 فبراير 2014 - 5:25 ص بتوقيت القاهرة

قضيت فترة مهمة من حياتى العملية قريبا جدا من مؤتمرات القمة العربية، اشتركت بحكم الوظيفة فى الإعداد لعدد منها، أو فى صياغة بياناتها وقراراتها، أو بالصور والمراقبة والدراسة. خرجت من التجربة بقناعات تكاد تكون قد ثبتت، قناعات فى كيفية صنع القرار الجماعى العربى، وفى أولويات القرار القطرى المنفرد، وفى الأدوار الخارجية، كالدور الأمريكى مثلا فى ترتيب وأحيانا تحديد أهداف مرحلة. وفى لغز علاقة الحكام العرب بالجامعة العربية، ما يريدونه منها وما يكرهونه فيها، خلصت مثلا إلى أن معظم الحكام العرب يتمسكون بالجامعة لأن وجودها كان يؤكد ضمنيا شرعية وجود أقطارهم، ولكنه الوجود فقط لا أكثر، ظنا منهم، بل وأحيانا اعتقادا جازما بأنها إذا نشطت أو جرى تفعيلها، فسيكون هذا النشاط أو التفعيل على حساب مصالحهم وربما وجودهم.

كان وسيظل لكل مؤتمر قمة ظروفه الخاصة التى ينعقد فى إطارها يتأثر بها ويؤثر فيها ولو فى أبسط الحدود، إلا أنه فى معظم المؤتمرات التى حضرتها قبل عقود ثلاثة أو أربعة، كادت سمات معينة تكون ثابتة وتميز مؤتمرات القمة. كان للدبلوماسية المصرية حضور طاغ حتى فى أوقات الخلافات السياسية والأيديولوجية الحادة. وكانت القضية الفلسطينية دائما مطروحة والبيانات والقرارات المزمع أن تصدر عنها جاهزة، وكانت فى الغالب منسوخة من بيانات وقرارات سابقة. كانت ثالث السمات الثابتة أو شبه الثابتة عزوف مجموعة دول الخليج عن لعب دور نشيط، خشية أن يستدعى الدور النشيط تدخلا من الجامعة فى شئون الخليج، أو يدفع هذه الدول إلى تحمل مبالغ ومسئوليات إضافية.

•••

تغيرت السمات جميعا، بدليل أن مؤتمر القمة القادم المقرر عقده بعد أسابيع قليلة فى الكويت سوف ينعقد فى غياب ثلاثتها. مصر مازالت بعيدة عن أن تكون فى أفضل أحوالها ودبلوماسيتها مازالت مستنفدة فى جهود تصحيح أخطاء والدفاع عن سلوكيات فى الداخل تنعكس على مكانتها فى الخارج وفى محاولة لاستعادة مكانة هنا ونفوذا أو حقا أو مصلحة هناك. من ناحية أخرى تقلص الحيز التقليدى الذى احتلته على الدوام قضية فلسطين. احتلته منذ نشأة الجامعة، ولكن بشكل خاص منذ المؤتمر الأول الذى عقد من أجلها وشيد من أجله فندق فلسطين الشهير بحدائق قصر المنتزه فى الإسكندرية.

لا يفوتنا التذكير بأن هذه الدورة من دورات القمم العربية تعقد فى ظرف غير مسبوق فى تاريخ الجامعة بل وفى تاريخ المنطقة المعاصر. تعقد قمة الكويت فى ظل لا مبالاة عربية عامة من الشعوب والحكومات على سواء، وأسبابها كثيرة. تنعقد القمة ويحيط بها هاجس لدى حكومات العرب وربما شعوبها أيضا، ينبئ بقرب التوصل إلى تصفية نهائية للقضية برضاء أو تردد أو تمنع أو عجز إحدى حكومتى فلسطين أو كليهما.

من ناحية ثالثة، أستطيع أن أقرر أن هذه القمة تأتى فى وقت وصل فيه إلى الذروة التدخل النشط والمكشوف من جانب دول الخليج فى شئون دول عربية أخرى. نعرف أن هذا التدخل بدأ خجولا ومترددا وحذرا فى حالات قليلة فى المرحلة التالية مباشرة لطفرة النفط، وتصاعد مرة واحدة خلال النزاع مع العراق، ويكاد يكون عند ذروته منذ نشبت ثورات الربيع العربى.

فى غياب هذه السمات الثلاث، تنعقد قمة الكويت العربية فى ظروف، أكثرها غير مألوف وبعضها يثير قلقا غير عادى وأقلها يحتل مكانا أو إهتماما فى سلم اهتمامات الرأى العام العربى. أما هذه الظروف فأهمها ما يلي:

أولا: حالة «قومية» من الإحباط الشديد أشبه ما تكون بالحالة التى سادت فى المنطقة العربية فى أعقاب حرب 1967، وانعقدت فى ظلها قمة الخرطوم، وكان للقمة وقتها دور محمود فى تخفيف الغمة وتجديد الأمل فى المستقبل.

ثانيا: استقطابات دولية فى مرحلة التكوين، تنزع إلى الأساليب السلمية والمنافسة المشروعة وان كانت فى بعض جوانبها قاسية وغير إنسانية. هناك الاستقطاب الصينى الأمريكى، وإن كان يبدو فى معظم جوانبه أنه ما زال بعيدا عن الشرق الأوسط، وعن العالم العربى بخاصة. وهناك الاستقطاب الروسى الأمريكى، وقد اقترب من الشرق الأوسط، بل أوغل فى قلب النظام العربى بانعكاساته على الوضع فى سوريا.

ثالثا: تتابع مثير، ومقلق، لصعود وانحدار نفوذ دولتين من دول الجوار العربى، وهما تركيا التى صعدت بسرعة فتدخلت فى شئون النظام العربى وفى تفاعلاته ونمط تحالفاته بكثافة ملحوظة، مدفوعة بسرعة صعودها وطموحات قياداتها، ثم انحدرت وانحسر تدخلها. وفى الحالتين كان المشروع الإسلامى بمعناه الامبراطورى وتكتيكاته العثمانية الاستعمارية مخيما وأحيانا محركا.

الدولة الأخرى من دول الجوار كانت إيران التى كسرت طوق الحصار وبدأت تصعد فى المكانة الإقليمية والدولية مدفوعة هى الأخرى بقوة جذب «الفراغ» فى نمط الامكانات الايديولوجية للنظام الإقليمى العربى، وبالاستقطاب المتزايد بين روسيا وأمريكا، وبسمعة تراجع التوسع الاستراتيجى الأمريكى.

رابعا: أخدود كاد يكتمل ليفصل تماما شمال أفريقيا «العربى»، عن أفريقيا جنوب الصحراء. وعلى طرفى الأخدود من الناحيتين دول مهددة بالانفراط، ومهددة بعد الانفراط، بفوضى عسكرية وسياسية مرعبة. السودان نموذج على هذا الطرف وذاك فى آن واحد، أما مالى وجمهورية أفريقيا الوسطى و«الصومال»، فهى نماذج على الطرف الآخر، يتعمق الأخدود وتتكاثر قوى التدخل الأجنبى وفيها فرق «الإرهاب الإسلامى»، فى الوقت الذى تشتد فيه كثافة السحب التى تخيم على معظم أقاليم الشرق الأوسط وأفريقيا. هذه النماذج لا تختص فقط بالأخدود ولكن تختص أيضا، وهو الأمر الذى لا يقل خطورة، بحال التنافر الطائفى والعرقى الذى صار يهدد الدولة القطرية العربية، ثمرة مشروع الخريطة العربية الأولى التى رسمها سايكس وبيكو قبل حوالى مائة عام.

خامسا: للمرة الأولى، منذ وقت طويل، خرجت إلى دوائر الإعلام الغربى والعربى أخبار تحمل نذر خلافات سياسية داخل منظومة دول الخليج العربى. ولاشك أن القائمين على الإعداد لقمة الكويت حريصون على ألا تنعكس هذه الخلافات على أعمال القمة، سواء تلك الخلافات المتعلقة بمستقبل العلاقات مع إيران ودور إيران فى مشروعات تنمية المنطقة وخرائطها الجديدة أو الخلافات حول مستقبل سوريا، وحول الهلال الخصيب برمته.

سادسا: لا جدال فى أن شعبية أمريكا فى المنطقة العربية منحسرة أكثر من أى وقت مضى، منحسرة على المستوى الشعبى، ومنحسرة على المستوى الحكومى حيث صارت تتردد كثيرا الشكوك حول صدقية التزاماتها تجاه حلفائها فى الإقليم. ولما كانت أمريكا ما زالت اللاعب الخارجى الرئيس فى الشرق الأوسط، يصبح منطقيا توقع أن ينعكس نقص شعبيتها على مداولات القمة عامة وفى الكواليس بخاصة. فى الحقيقة سوف يكون من الصعوبة بمكان إغفال أو تجاهل التطور المفاجئ فى السياسة الخارجية المصرية تجاه العلاقة مع روسيا، ودور بعض دول الخليج فى دعم هذا التطور وإن عن بعد، وأظن أن الغرب فى مجمله، وأمريكا على الأخص، استلمت هذه الرسالة.

•••

يبقى أن ننتظر لنرى ماذا يمكن للحكام العرب، فى ظل ظروف جديدة وتحولات جذرية، أن يقدموه لإزالة حال الإحباط العربى أو التخفيف منه، ولوضع أسس لمنظومة تفاعلات جديدة بين الدول العربية وبعضها البعض من جهة وبين هذه الدول ودول الجوار من جهة أخرى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved