عن المؤسسات العلمية والانخراط فى السياسة


قضايا تعليمية

آخر تحديث: الإثنين 20 مارس 2017 - 9:40 م بتوقيت القاهرة

نشر موقع The Chronicle of Higher Education مقالا لـ«نيف جوردون» – الأستاذ الزائر بقسم العلوم السياسية والدراسات الدولية بجامعة لندن ــ عن الجدل الدائر حول إحدى الجمعيات الأمريكية الأكاديمية وما أثير حول مآلات انخراطها فى الحياة السياسية أو عزوفها عنها تماما وذلك خلال التصويت على إحدى لوائح نظامها الداخلى الأساسى الذى ينص على عدم تدخلها فى الأمور غير السياسية بحذف كلمة «غير سياسى» أو الإبقاء عليها.
يستهل الكاتب المقال بالحديث عن استقباله بريدا إلكترونيا من قبل «كارى نيلسون» ــ الرئيس السابق للجمعية الأمريكية لأساتذة الجامعات والعضو الحالى برابطة دراسات الشرق الأوسط وصاحب الإسهامات العديدة بالشعر الأمريكى والدراسات الثقافية، يحثه ويشجعه على التصويت ضد اقتراح إلغاء وصف «غير سياسى» وذلك من اللائحة الداخلية للجمعية، باعتبار جوردون عضوا بها.
هذا التصويت الذى سيتم مارس الجارى سيوضح ما إذا كانت المؤسسة ستضيف بندا يؤكد التزامه بإلغاء كلمة غير سياسى وفقا لمكانة الجمعية باعتبارها مؤسسة تعليمية وعلمية وأدبية وخيرية.
على الرغم من عدم ظهور كلمة «غير سياسية» باللائحة التنفيذية لمعظم الجمعيات العلمية فى الولايات المتحدة، يعتقد نيلسون أن تحول الجمعية إلى الجانب السياسى أكثر من الأكاديمى سوف يؤدى إلى نتائج عديدة وخيمة، وذلك ما دفعه إلى مطالبة جوردون ــ كاتب المقال ــ للتوقيع ضد ذلك الاقتراح.
يقول «جوردون» إن الفرصة لم تسمح له بلقاء نيلسون من قبل بشكل شخصى، ولكنه قد تلقى دعمه حينما تعرض لهجوم شخصى من شأنه تقييد حريته الأكاديمية من الجامعة الملتحق بها وليس هذا فحسب بل وتعرضه لهجوم من وزير التعليم الإسرائيلى عقب انتقاده لسياسات إسرائيل تجاه احتلالهم للدولة الفلسطينية.
كتب نيلسون وقتها أن الفكرة تتمثل فى أن العالم والمفكر السياسى لا يستطيع الجمع بين النقاشات الأكاديمية والنتائج التى يجب أن تؤول إليها هذه النقاشات «فدورهم النظرية وليس الدعوة إلى تنفيذها على أرض الواقع» وبذلك فهو يضرب بعرض الحائط المبدأ القائل أن الأكاديميين لديهم الحق فى تقديم المشورة والنصيحة للرأى العام والسعى للتأثير فى السياسة العامة.
فيما يتعلق بمبادئ الحرية الأكاديمية بالولايات المتحدة، فقد ذهب نيلسون للقول بأن الخطاب الجامعى فى قاعات الدراسة والأماكن العلمية بشكل عام ليست مشمولة بالحماية لمن يدلون بها، كما أنه ليس مضمونا أن نتائج هذه النقاشات ستستخدم لخدمة المجتمع بشكل كلى، وذلك يندرج أيضا على أعضاء التدريس بالجامعات والذين لا يتمتعون بالحرية فى نشر خبراتهم الأكاديمية فى المجال العام وبخاصة من قبل الحكومة التى قد تتعرض إليهم أو الجامعة التى كثيرا ما تسعى للانتقام منهم بشكل غير مباشر جراء مثل هذه الممارسات.
***
على الرغم من الصياغة الحالية للائحة الجمعية الأمريكية لأساتذة الجامعات ــ المتعلقة بعدم الانخراط فى الأمور السياسية، إلا أنها رغم ذلك أنشطتها ارتبطت فى أوقات بالسياسة وربما منذ إنشائها، والأمر ذاته ينطبق على لجنة الجمعية للحرية الأكاديمية والتى تتحدث نيابة عن الطلاب والأساتذة والعلماء فى جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأمريكا الشمالية، إضافة إلى قيامها بكتابة عشرات الرسائل على مدى الـ15 عامًا الماضية لجهات عديدة لدعم الحرية الأكاديمية بمعناها الواسع والشامل. لكن يتساءل الكاتب هل لأنها ليست سياسية من الناحية الرسمية فذلك يمنعها من اتخاذ مواقف علنية ضد الدول والحكومات والمؤسسات التى تنتهك الحرية الأكاديمية؟ وماذا عن اللجنة المنشأة حديثا المعنية بالحقوق المدنية وحقوق الإنسان، أليست هاتين اللجنتين إضافة إلى الجمعية ينخرطون ككل فى أنشطة أقل ما توصف بها أنها سياسية.
***
فى رسالة مفتوحة بخصوص دعم التغيير فى النظام الداخلى للوائح الجمعية شرح 12 من أعضاء الجمعية السابقين بأنه بدلا من حماية أوضاعهم، فما حدث أن كلمة «غير سياسية» قد جعلتهم قابلين للكسر وضعفاء حتى أكثر من المنظمات المنافسة؛ فموقفهم القانونى كان ضعيفا وبخاصة عندما يتدخلون فى نقاشات سياسية أو عندما يتفاعلون مع اعتقال أو ترهيب أحد الأكاديميين (بحريني ــ تركي ــ كردي ــ مصري ــ إيرانى.. إلخ)، فمن الناحية الرسمية هم ليسوا معنيين بالأمور السياسية.
التصويت لمحو كلمة «غير سياسية» لا يحركه سوى الرغبة فى ضمان أن اللوائح ستتفق مع الأنشطة الحالية للجمعية، وبالتالى حماية وضعها القانونى ولكن الأهم الموقف المعيارى الأخلاقى فيما يتعلق بما ينبغى أن تقوم به الجمعية.
فى السياق ذاته تقول إليس سيميردجيان من جامعة ويتمان، والتى كانت عضوا بالجمعية لأكثر من 20 عاما، أنه منذ أحداث 11 سبتمبر والعلماء فى الشرق الأوسط قد أمضوا وقتا طويلا يفكرون ويعملون على قضايا الحرية الأكاديمية والحقوق المدنية وحقوق الإنسان فى الولايات المتحدة وخارجها. ويضيف أنه امتداد للعمل الأكاديمى فلابد من حماية مساحة العمل لديهم حتى يتمكنوا من الدفاع والحديث نيابة عن زملائهم الضعفاء الذين يعيشون ويعملون فى مناطق الصراع. ذلك العمل الذى بات طبيعيا القيام به بحكم أنها جمعية للأساتذة الجامعيين فذلك دورهم وواجبهم، إلا أنه بالتأكيد لا يمكن تفسيره على أنه غير سياسى، وبما أنه واجب تقوم به المنظمة بالفعل فلابد من دعمه حتى يصبح ما يقومون به متفقا مع اللوائح والقوانين، وبخاصة أن الأكاديميين ينظرون إلى الجمعية كالمدافع عنهم ويتوقعون مساندتها لهم عند تعرضهم لأى أذى (من إطلاق نار دون وجه حق أو السجن أو أى اعتداءات يتعرضون إليها... إلخ).
لاشك أنه فى عهد الرئيس الأمريكى الجديد «دونالد ترامب» يتوقع أن تستمر التهديدات للحريات الأكاديمية، بل ومن المحتمل ازديادها، ولهذا فمن الأهمية بمكان أن تنخرط المؤسسات التعليمية والأكاديمية بشكل عام فى الساحة السياسية بشكل رسمى، فالمتوقع وقت حدوث أى تهديدات أن يقف الأكاديميون للمدافعة عن أى تهديدات يتعرض لها الأشخاص بشكل عام، فمثلا عند إصدار ترامب أمرا تنفيذيا بحظر دخول المسلمين إلى بلاده، فلم يتردد قرابة الـ48 شخصا من رؤساء الكليات والجامعات باتخاذ موقف سياسى ضد ذلك النظام العنصرى المتعسف. وإجمالا فذلك أمر ضرورى وحيوى لابد من تمتعهم به إذا أرادوا الحفاظ على الإبداع الفكرى لهذه المؤسسات، بل إنه مطلب حيوى لحماية الجامعات والمراكز المعنية بالأبحاث والأمور الأكاديمية ككل.
يختتم الكاتب متسائلا: هل نيلسون بالفعل يعتقد أن المنظمات العلمية بشكل عام يجب أن تجلس فى هدوء بعيدا عن هذه الأحداث لتكون بعيدة عن أى ضرر أو أذى؟ ولكن ذلك لن يعدو سوى أن يكون تخلى عن مسئولية مهنية وأخلاقية وإجمالا فالاستسلام فى حقيقة الأمر ما هو إلا فعل سياسى.

النص الأصلى:

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved