الأطفال يشيخون مبكرًا

داليا شمس
داليا شمس

آخر تحديث: الأحد 20 أبريل 2014 - 9:10 ص بتوقيت القاهرة

اسم يونانى مكتوب بخط النسخ على لافتة قديمة، لا يحمل شيئا من ملامح محال اللعب الأحدث، فهو لا يتماشى مع فكرة أن الألعاب مرآة للعصر وتشبه من عاشوا فيه. لم تعد السيدة اليونانية العجوز تجلس بالداخل كعادتها بشعرها القصير وقوامها الممتلئ، ربما ماتت أو سافرت، لكن تظل الأرفف قريبة من بعضها كما كانت، تتكدس فوقها الألعاب بما لا يدع مجالا للرؤية. ولا يزال هناك حصان خشبى فى المدخل، حتى ولو لم نعد نراه فى منازل الأهل والأصدقاء ممن لديهم أطفال فى سن اللعب، إذ تشير معظم الدراسات والإحصاءات أن متوسط آخر سن لشراء الألعاب انخفض من 11 سنة إلى 9 بمرور الوقت، وتحديدا خلال العشرين عاما الأخيرة. كذلك يفيد بعض مراقبين السوق العالمية بأنه بعد حوالى عام من إطلاق أى لعبة ينخفض سن مستخدميها إلى حوالى عامين ونصف العام، أى ما ستشتريه اليوم سيلعب به الأخ الأصغر فى وقت غير مسبوق، لأن تعرض الأطفال المستمر للتليفزيون و الأجهزة والألعاب الإلكترونية يجعلهم أقرب لعالم الكبار والهاى تك أو التكنولوجيا المتطورة. بل ربما ذهب البعض إلى قول إن الأطفال يشيخون مبكرا. لذا تستهويهم أكثر الألواح الإلكترونية وتطبيقاتها ــ الموجهة بالأساس للكبار ــ من عمر 7 سنوات، وقد جاء على رأس قائمة الأكثر مبيعا للعام الثانى على التوالى جهاز يحمل اسم Storio 2، وهو عبارة عن لوحة إلكترونية باللمس مخزن عليها ألعاب تربوية صممت خصيصا للأطفال.

•••

دكان اللعب القديم، ذو الاسم اليونانى، صار بالنسبة لى كمتحف الألعاب الموجود فى العديد من مدن العالم، لكن ليس لدينا ما يعادله فى القاهرة، على حد علمى، رغم أن مصر كانت من أوائل البلدان اختراعا للألعاب.. والممتع عادة فى متاحف الألعاب هو الوقوف على التطورات المختلفة، التى حلت بالمجتمع من تغير فى الموضات وأسلوب الحياة من خلال دمى الصغار: كيف كانت موديلات السيارات القديمة التى كان يستخدمها الأهل فى الخمسينيات مثلا وصنعت ألعابا على هيئتها، وكيف صار القطار من اللعب التقليدية فى كل بيت بعد ظهور السكة الحديد، وكيف تعددت الأشكال والألوان مع وجود الألعاب الكاوتشوك والبلاستيك.. ننظر إلى ملابس عروسة مثل باربى، فنرى نموذجا للفتاة بمقاييس جمال القرن العشرين، نحيفة، ممشوقة القوام، ليست كمثيلاتها فى الستينيات والسبعينيات.. لا تشبه أيضا الدمية التى تبكى وتضحك عندما نحركها أو نشد «البزازة» من فمها، وهى جالسة فى عربتها الصغيرة. لكن فى الوقت ذاته نلاحظ أيضا أن الماركات المختلفة ترسخ أكثر وأكثر لتوزيع الأدوار بشكل معين بين الأولاد والبنات، بمعنى أن هناك دوما ألعاب يفترض صانعوها أنها مناسبة لذوق وطبيعة الفتيات.. يطغى على معظمها اللون الوردى الفاتح، وتجعل البنت دائما أسيرة المطبخ والأزياء ومساحيق التجميل وأحيانا الحجاب.. أما الولد فهو يسعى إلى غزو الفضاء والهندسة ومحاربة الوحوش الضارية والأعداء. وحتى عندما يتم طرح كمبيوتر صغير للأطفال، تقوم الشركات المصنعة بعرض كمبيوتر للصبيان بألوان رصينة مثل الأبيض والرمادى والأزرق يؤدى حوالى 50 وظيفة، فى مقابل 25 وظيفة فقط لكمبيوتر الفتيات، وهو غالبا وردى اللون ومزخرف. ويلاحظ بعض الباحثين أن هذه الظاهرة آخذة فى الزيادة، بعكس التوقعات، منذ تسعينيات القرن الماضى.. ما تعكسه الصور الدعائية، فمثلا إعلان مكعبات «ليجو» حتى الثمانينيات كان يبرز بنتا صغيرة بضفيرة وبنطلون جينز، تحت شعار عن متعة البناء لدى الأطفال عامة، دون تفرقة بين الجنسين، أما الشركة نفسها فى عام 2011 فقد دفعت بمجموعة مكعبات صنعت خصيصا للفتيات وفضلت «تأنيث» اللعبة.

•••

كأننا لم نغادر عصر جدتى التى ظلت تحتفظ بأدوات مطبخها وهى طفلة، أطباق وفناجين صغيرة من الصينى كانت تزين فاترينة الصالون حتى وفاتها، لكن مع الفارق أن أطفال الزمن الحالى لا يحتفظون بألعابهم على هذا النحو، بل يلقون بها فى أول سلة مهملات إذا ما ملوا منها.. ويحدث ذلك سريعا لأن كل يوم يحمل الجديد، وهو جديد غير تقليدى، لا يحاكى الواقع كما فى السابق، بل يغرقنا ويغرقهم فى مزيد من الخيال ومن البحث عن بدائل لما هو موجود بالفعل وربما أصبح لا يرضينا أكثر مما توقعنا وتوقع آخرون قبل سنوات.. بعض ملامح النظام العالمى الجديد للألعاب، الذى يجعل اللعبة جزءا من منظومة متكاملة للهروب، وتتضح هذه الملامح أكثر عند زيارة دكان عفا عليه الزمن، فى أحد أحياء القاهرة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved