اللعب فوق تضاريس وعرة

عبد الله السناوي
عبد الله السناوي

آخر تحديث: الإثنين 20 أبريل 2015 - 9:40 ص بتوقيت القاهرة

لا التدخل البرى نزهة عسكرية ترفع رايات المنتصرين ولا التسوية السياسية مسألة ميسورة تعلن الأمن فوق التضاريس اليمنية الوعرة.
التسوية السياسية مراوغة بقدر ما التدخل البرى مغامرة.
أهم الأسئلة وأكثرها تعقيدا: من يحارب من.. ومن العدو؟
الإجابة تبدو سهلة كأنها من البديهيات غير أن شيئا من التدقيق على الخرائط اليمنية المعقدة يربك كل الحسابات.
لا الرئيس «عبدربه منصور هادى» يلخص فكرة الشرعية، فقد تقوضت بصورة شبه كاملة، ولا توجد قوة يمنية واحدة تمنحه الولاء عن اقتناع بأية شرعية منسوبة إليه أو قدرات يحوزها بقدر ما تطلب أن يكون عنوانا لمنع تغول الحوثيين أو عودة الرئيس السابق «على عبدالله صالح» للسلطة من جديد أو هيمنة الإيرانيين على النفوذ فى اليمن.
ولا المعسكر المضاد يجسد فكرة الثورة، فقد انكسرت أحلامها فى الانتقال من القبيلة إلى الدولة، والحليف الأقوى لـ«الحوثيين» هو نفسه من أطاحته الثورة المغدورة وطلبت حسابه على جرائمه لولا الحصانة التى منحتها له «المبادرة الخليجية» برعاية سعودية كاملة.
‫«‬الحوثى» فقير للغاية وشبه معدم وتعرض لحقب طويلة إلى الإقصاء والتهميش وإعلان الحروب عليه فى معاقله بجبال صعدة، وأيا كانت قوته العسكرية ومستوى تدريبه فإنه لم يكن بوسعه الإمساك بمفاصل السلطة دون دعم كامل من القوات الموالية للرئيس السابق.
هل العدو هو الحوثى الفقير أم الرئيس الذى خلعه شعبه؟
الأول قريب من إيران ويحظى بدعمها والثانى مستعد أن يلعب بكل الأوراق ويقايض الجميع.
ما مصير القوات التى تحارب «معركة صالح» وهى القوة الضاربة فى الجيش اليمنى والأكثر جاهزية وتدريبا وتسليحا؟
تفكيك الجيش كليا خيار كارثى يفضى إلى حرمان أية سلطة مقبلة سند شرعيتها وإطلاق يد الميليشيات القبلية للدخول فى تصفية حساب تالية لأية تسوية مفترضة.
السؤال الملح هنا: من يتحمل مسئولية إعادة بناء الجيش؟
الدولة الضعيفة أم القبيلة المتغولة؟
اليمنيون أم السعوديون؟
فى كل خيار مأزق وصراع على القوة.
بلغة الحقائق فالسعودية وإيران تتواجهان على الأرض اليمنية، وكل منهما يحاول أن يستقطب أنصارا ويضخ أموالا لإضعاف المعسكر الآخر.
كلاهما يدرك أن الأزمة إقليمية بقدر ما هى يمنية.
وكلاهما يتحسب من أية ترتيبات تالية لمظاهرات السلاح.
بالنسبة إلى السعودية فاليمن قضية تخص أمنها المباشر عند خاصرتها الجنوبية.
كانت «عاصفة الحزم» تعبيرا صريحا عن مستوى قلقها من ميل موازين القوى فى اليمن لصالح المعسكر الذى تدعمه إيران.
استبقت فى وقت واحد القمة العربية خشية أن تتحفظ بعض دولها علنا على العمليات العسكرية و«اتفاق لوزان»، خشية أن يفضى إلى رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران وترتيبات جديدة فى الإقليم على حسابها.
بدأت العمليات دون أدنى تنسيق جدى مع الحليفين العسكريين الكبيرين، مصر وباكستان، وقد جرى إخطارهما قبل وقت وجيز من تحرك الطائرات.
بالنسبة لإيران فإن سلم أولوياتها لا يتصدره اليمن على عكس السعودية.
الأولويات تحددها المصالح الاستراتيجية لا مساجلات الإعلام، فسوريا لها الصدارة فى أية حسابات إيرانية وخسارتها تعنى بالضبط وضع أمنها فى مرمى النيران.. وبعدها العراق بكل ثقلة وتعقيداته وسيناريوهات مستقبله الغامضة.. ثم لبنان حيث تتبدى قوة حضورها فى معادلاته من قوة حليفها «حزب الله».
الحضور الإيرانى يستهدف بالأساس «المناكفة الاستراتيجية» للسعودية بالقرب من حدودها، وهذه لها صلة وثيقة بميادين الصراع الإقليمية الأخرى فى سوريا ولبنان والعراق على الترتيب.
المعنى أن إيران لن تفرط على أى نحو بأوراقها فى اليمن دون أن تحصل على تسوية مرضية تضمن لأنصارها حضورا سياسيا مؤثرا وتسويات أخرى فى مناطق تتنازع فوقها مع اللاعب السعودى.
أى كلام آخر فهو واهم، فإذا لم يكن بوسع طرف أن يحسم عسكريا يصعب عليه أن ينال بالتفاوض ما لم يحصل عليه بالسلاح.
رغم قرار مجلس الأمن الذى وفر غطاء دوليا لكل ما طلبت به دول الخليج تبقى الحقائق على الأرض أساس كل تفاوض.
من المثير أن الأطراف اليمنية المتنازعة بالسلاح تعلن بلا استثناء واحد التزامها بمخرجات الحوار الوطنى غير أن أحدا لا يصدق الآخر، فضلا عن أن كل طرف تقف وراءه قوة إقليمية ترسم خطاه وتحدد مواقفه.
بما لا يحتمل أدنى لبس العودة إلى موائد التفاوض تعنى بالضبط حوارا سعوديا إيرانيا غير مباشر.
وقد كان من الأسباب الجوهرية لوصول الأزمة إلى ما وصلت إليه أن كل لاعب إقليمى حرك أنصاره وفق مصالحه.
دعت إيران «الحوثيين» مدعومين من قوات «صالح» إلى التمدد الميدانى وتقويض أية فرص للتوافق بظن أن بناء القوة على الأرض أهم من صياغة القرارات على الأوراق.
طلبت المناكفة الاستراتيجية إلى أقصى حد ممكن وأوسع وجع متاح للسعودية.
حسب مفاوضين يمنيين فإن الحوثيين كانوا يستمهلون البت فى القرارات المصيرية حتى استطلاع الرأى الإيرانى.
لنفس الغرض اقتربت السعودية من أعداء تاريخيين ناصبتهم العداء طويلا على المسارح اليمنية لمواجهة الخطر المشترك، استمالت قبائل وضخت أموالا وسلاحا، وتداخلت فى الملف التفاوضى قبل أن ينفجر.
لم تكن مصادفة إخفاق الحوار اليمنى، فاللاعبان الإقليميان كل لأسبابه عمل أن يصل إلى طريق مسدود.
فى المفاوضات المتنظرة السعودى حاضر بقوة والإيرانى لا يمكن تجاهله وتوازن القوة وحده هو من سيحكم النتائج.
أين الدور المصرى إذن؟
المشاركة فى مناورة عسكرية وصفت بأنها كبرى على الأراضى السعودية مناورة سياسية بالسلاح وتأكيد جديد على الالتزام المصرى بأمن دول الخليج.
أى عمل عسكرى بلا دور سياسى يفقد احترامه.
هناك حوارات مع الحوثيين وأخرى مع الإيرانيين بصورة متقطعة وغير معلنة خشية حساسية الحليف الخليجى، وهذه لا محل لها، فمصر محام مؤتمن على أمنه.
بصورة أو أخرى فإن القاهرة لا غيرها هى المكان الذى يمكن أن تتوافق عليه الأطراف المتنازعة للتفاوض على حل سياسى.
وهذا دور يستدعى انفتاحا على الحياة السياسية والاجتماعية فى اليمن بدرجة أعلى من الكفاءة وتفويضا خليجيا عبر كلام صريح وحوارا مع إيران فى القضايا الخلافية لتطويق أزمات الإقليم كله.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved