الرؤية القرآنية للكون وسكانه 9ــ القيم ب-العدل

جمال قطب
جمال قطب

آخر تحديث: الخميس 20 أبريل 2017 - 10:25 م بتوقيت القاهرة

رؤية المسلم للكون وما فيه نتيجة مباشرة من عقيدته. والمسلم يعتقد أنه مأمور بشمول «العدل» لجميع أقواله وأفعاله التزاما بقول الله: ((إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِى الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ))..هكذا أمر إلهى مطلق بالعدل المطلق فى كل شىء. ومواضع العدل أكثر من أن تحصى فى هذا المقال، فحسبنا أن نشير إلى أبرز مواطن العدل مثل: العدل الذاتى، والعدل فى دائرة معاملاته ونشاطه، والعدل بين السلطات بعضها وبعض ثم العدل بين عموم السلطة وعموم الشعب.
ــ1ــ
والمقصود بالعدل الذاتى: عدالة توزيع الوقت (عمر الإنسان) فلا يطغى جانب على جانب، فوقت الصلاة والعبادات لا يغفل ولا يستهان به، وكذلك وقت العمل والإعمار (تعليماــ تدريباــ ممارسةــ مراقبة وتصحيح)، وكذلك وقت التواصل الاجتماعى مع الأصول والفروع ثم ذوى القربى وذوى الرحم ثم الجيران والأصدقاء إلخ ووقت الراحة وتجديد القدرة على العطاء. هكذا وزع الله أوقات الصلاة، وموسم الصوم، فالصلاة نشاط قليل لكنه متكرر ومتباعد، أما الصيام فنشاط ممتد لكنه لمدة موقوتة، والحج رحلة شاقة لكنها مرة واحدة فى العمر، وعلاقة الفرد بوالديه وزوجه وأولاده تفوق وتتقدم على علاقته ببقية الأقارب والأرحام، كما أن علاقة الأقارب والأرحام تتقدم على علاقة الأصدقاء..
ــ2ــ
وأقصد بالعدل فى دائرة معاملاته ونشاطه: عدالة الإنسان فى اختيار مهنته على أساس قدرته فى التميز، وليس على أساس رغبته أو أساس ما تدره المهنة من نفع مادى أو معنوى. فالعدل يقضى أن يتخصص المرء فى المجال الذى يحقق فيه التميز والسبق حتى لا يهدر قواه من ناحية ويعطل حركة المجتمع من ناحية أخرى. فالتخصص العملى يجب أن يتوافق مع القدرة وليس الرغبة أو المنفعة، كما أن العدل يقضى بتقدير المرء لسائر المهن والحرف حيث لا غناء له عنها، ومن العدل أن يكون عائد أى مهنة أو حرفة كافيا لحاجات المشتغل بها حتى لا يتركها أو يهملها فيتأخر المجتمع ويهلك الناس.
ــ3ــ
والعدل بين السلطات بعضها ببعض يفرض تلاقى جميع السلطات: (التشريعية/ القضائية/ التنفيذية/ الرقابية إلخ) تلتقى جميعها على نفع وراحة الشعب، ومن ضوابط عدالة السلطات أن لا تتغول سلطة على أخرى، وأن لا ترضى سلطة بتجاوز سلطة أخرى لحدودها، فالفصل بين السلطات لتحديد مسئوليتها، أما تواصل السلطات بعضها ببعض فهو ضرورة لتحقيق مصالح المواطنين والوطن.
ــ4ــ
أما العدل بين مجموع السلطات من ناحية وجميع أفراد الشعب من ناحية أخرى فيبدأ من عدالة توزيع ما خلقه الله من منافع من نواتج خزائن السماوات والأرض سواء من ماء أو طعام أو دواء أو كساء أو سكن. فلا شك أن الله الغنى العادل قد خلق ما يكفى وأكثر ويتجلى عدل السلطات فى استخراج الخيرات من خزانة الله عليها أن تبادر بتحمل مسئوليتها فى تطوير عملها وإنجاز مسئوليتها حتى لا يتعرض المواطنون والوطن إلى هزات وقلاقل. وعلى المسلمين جميعا كبارا وصغارا أن يتعلموا العدل من الله العدل جل جلاله فهو سبحانه خلق ما يكفى جميع خلقه قبل أن يكلفهم لطاعته، فمن العدل أن نوفر للناس ضروراتهم قبل أن نمارس عليهم أى سلطة أو أى أمر أو نهى..

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved