الإعلام والثقافة.. وفوضى الحوار!

إيهاب الملاح
إيهاب الملاح

آخر تحديث: الجمعة 20 أكتوبر 2017 - 9:30 م بتوقيت القاهرة

كما هو منتظر، فى كل قضية تصير إلى «رأى عام» بفعل السوشيال ميديا، تحولت الحلقة التى استضافت فيها إحدى الفضائيات المؤرخ والأكاديمى الدكتور عاصم الدسوقى، وكانت تحاوره المذيعة الشابة مروج إبراهيم، وانتهت الحلقة بشكل مؤسف ومهين لكل الأطراف التى شاركت فيها.
اندلع الجدل والتهب وتحول إلى معركة حامية، ما يصلح معه أن نتخذه مثالا ونموذجا دالا على وجه «بديع» من وجوه أزمتنا الثقافية المزمنة! فنحن فى الحقيقة لا نقيم حوارا من أى نوع!
انقسمت المعركة بين مهاجم بعنف لسلوك المذيعة وإدانتها مهنيا وأخلاقيا؛ وصولا إلى التطاول على شخصها وسبها بأقذع الألفاظ! وبين آخر تعاطف معها وهاجم الضيف وتطاول عليه ووصفه بأبشع النعوت وأفحشها! وهكذا دارت عشرات المئات من المساجلات على «فيسبوك» طيلة الأيام الماضية، وهى فى الحقيقة مساجلات «عبثية»، دائما ندور فى حلقة مفرغة، ولا توجد أى قواعد للحوار، نبدأ من نقطة لنعود إليها.
وغالبا ما يكون الهدف من الحوار «غير مفهوم»، فهل نتحاور لكى أهزمك أو تهزمنى؟ أم أن الهدف هو أن أقنعك أو تقنعنى؟ لماذا لا تتطور أفكار الطرفين فى اتجاه فكرة ثالثة تأخذ من رأيى ومن رأيك؟ هذا هو الجدل الخلاّق، بينما ما لدينا هنا فى مصر، قد يصل إلى العصف المعنوى والبدنى، عاصفة هوجاء مدمرة لا تبقى ولا تذر، تبدأ فى البيت أو الشارع وتنتهى فى قسم الشرطة، أو فى مشرحة زينهم!
الموقف ببساطة يجب أن يُقرأ فى سياقه، ويُشاهد فى إطار الحلقة الكاملة للحوار، وليس فى المجتزأ الخاص الذى بسببه اندلعت الأزمة!
ليس القصد ــ هنا ــ إطلاق الأحكام أو إصدار إدانات أخلاقية، وترك الحبل على الغارب لسوق فوضوى بإساءات مرفوضة أو تنفيس لعنف مكبوت. المسألة ببساطة تتلخص ــ فى رأيى ــ فى إدارة خاطئة للحوار افتقرت إلى المهنية والإعداد اللائق، بدءا من فكرة اختيار الضيف، ومادة إعداد الحلقة، وطريقة محاورته، دون أى مراعاة لخصوصية التركيبة النفسية والذهنية له واعتبارات فارق السن والخبرة؛ ما ترتب ــ على كل ذلك ــ سلسلة مريعة من الأخطاء تورطت فيها المذيعة، للأسف، وغرقت فيها حتى النخاع، وجعلتها أيضا ــ للأسف ــ فى موقف صعب لا تُحسد عليه، فضلا على الإجراءات الصارمة التى اُتخذت إزاءَها من إدارة القناة.
ومع كل التقدير لها ولشخصها وأمنياتنا لها بتطوير تجربتها والإفادة من أخطائها، فلا بد من الاعتراف ــ فى ظنى ــ بأن اختيار الضيف من البداية هو الذى حدد الكثير من النقاط ومسارات إدارة الحوار.. ما دام ارتضينا دعوة هذا الضيف ورحبنا بظهوره على شاشتنا فلا بد أيضا أن يكون لدينا الشجاعة الكاملة لتحمل مسئولية وتبعات اختياره مع الاحتفاظ بالحدود الدنيا لاحترام السن والقيمة والمقام والتاريخ العلمى.
أتصور أن المذيع فى الأصل «ثقافة» و«وعى»، وقدرة على مواجهة المواقف الصعبة واستيعابها، ولا يمكن أبدا تبرير سوء الإدارة أو قصور الثقافة وعدم الإلمام جيدا بموضوع حلقته أو الاعتماد على الإعداد فقط من دون بذل مجهود حقيقى فى التحضير ليس فقط لموضوع الحلقة بل أيضا لشخصية الضيف وطبيعته ومجال تخصصه وما اُشتهر عنه فى أداءاته السابقة وظهوراته على الشاشة.. إلخ
كما أظن بأن انجراف المذيع إلى منطقة الانفعال الشخصى وإطلاق العنان لرأيه الذاتى والانزلاق إلى الهجوم على الضيف؛ أيا ما كان مستواه وقدراته وطبيعته النفسية والذهنية، فهذا معناه قصور بيّن وضعف يجب تداركه بشدة فى تكوينه المهنى والنفسى والإعلامى.
وأتصور أن الموقف كله كان يمكن أن يمضى على غير ما سار إليه إذا كلفت المذيعة نفسها دقائق معدودات تقرأ فيها أسطرا عن الدكتور عاصم الدسوقى نفسه الذى تجاوز الثمانين تقريبا، وهو واحد من المعدودين فى مجال تخصصه، برغم أى ملاحظات أو تحفظات على آرائه وأدائه الشخصى (مع عدم إغفال ما عرف عنه من طابع حاد وعصبية زائدة وهو مشهور فى أوساط من تعاملوا معه مباشرة).
أخيرا.. هل معنى هذا «ذبح» المذيعة و«هرسها» والقضاء على مستقبلها؟! أرفض هذا تماما.. وأقدر أن كل إنسان يكتسب خبراته ويطور أداءه من تجاوز أخطائه، بعد الوعى بها، وقبول النقد الحقيقى لها.. وأنا على أمل أن المذيعة مروج قادرة على هذا تماما.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved