أخونة الدولة أم أسلمتها؟

أحمد عبدربه
أحمد عبدربه

آخر تحديث: الثلاثاء 20 نوفمبر 2012 - 8:30 ص بتوقيت القاهرة

قبل أسابيع قليلة على انتخابات الرئاسة المصرية، كنت أتحدث فى المؤتمر السنوى لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية عن الصراع المدنى العسكرى على السلطة فى مصر وقلت فى أحد أجزاء مداخلتى أن «مصر ليست مستعدة بعد لرئيس ملتحٍ» كنت تحديدا أعلق على ترشح السيد أبوإسماعيل والذى ملأت صوره جميع أرجاء وجوانب المعمورة، قلت إننى لست فى عداء ضد اللحية، والتى أعتبرها كمسلم سنة عن الرسول (عليه الصلاة والسلام)، كما أننى سأرحب بنجاح الرئيس الملتحى طالما جاء بصناديق الانتخابات، وهذه هى الديمقراطية غير المنحازة، لكننى كنت أعبر عن تخوف من أن يحدث تحول جذرى من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار ينتج عنه عادة عدم استقرار سياسى شهدته دول عدة فى فترات انتقال مماثلة، قوبلت مداخلتى باستهجان شديد من جانب بعض الحضور وتقبلت ذلك بسعة صدر، لم يكن وقتها الرئيس مرسى قد ظهر فى الصورة كمرشح، (فى الواقع فى مساء ذات اليوم ترشح السيد خيرت الشاطر للرئاسة)، ودخلت مصر فى مرحلة جديدة من الجدل اختلطت فيها الأوراق بحيث أصبح الدفاع عن «مدنية» الدولة يعنى بالضرورة الانحياز لـ«عسكرتها»، وهو وضع لم أكن أقبله فآثرت عدم المضى قدما فى طرح رأيى السابق حتى لا أساهم فى تزييف الرأى العام والذى شاركت جهات عديدة منذ تلك اللحظة فى صناعته.

 

مرت الأيام وتزايد الجدل حول معنى مدنية الدولة وخاصة بعدما طفت قضية أخرى على السطح تمثلت فى ضباط الشرطة الملتحين والتى زادت من الصخب وتأكد لى أن ما طرحته قد يكون حاملا بعض الصحة خاصة بعدما تم استغلال تلك الأوضاع فى الجنوح نحو الانحياز للعسكر بدعوى الدفاع عن مدنية الدولة وهو وضع مغلوط فى كل الأحوال شارك فيه (للأسف) من ادعى المدنية والليبرالية.

 

مرت أيام عدة حتى جاءت لحظة الإعادة فى الانتخابات الرئاسية والتى قررت فيها الانحياز للمرشح الملتحى على حساب مرشح النظام البائد المدعوم عسكريا. كانت حساباتى ببساطة أننى لن أقبل أن يتم إفزاعى من «اللحية» فأنحاز للمعسكر الذى طالما جاهر بعدائه للثورة، وانحزت للدكتور مرسى رغم رأيى السابق لإيمانى أنه فى النهاية رجل انتمى لمعسكر الثورة حتى وإن كانت أولوياته ومنهجه فى التغيير مخالفة لما أؤمن به. فى هذه الأجواء دعيت لأكون ضيفا فى نشرة التاسعة فى التليفزيون المصرى لأحلل المشهد ولاحظت قبل دخولى استوديو الهواء بدقائق معدودة بقائد عسكرى كبير فى غرفة الاستراحة (بدا لى أنه قائد قوة التأمين على الاستوديوهات)، وقد علا صوته بحماس متحدثا إلى عدد من المذيعين والمعدين ومحاولا استعداءهم على مرسى وسمعت منه للمرة الأولى لفظة (أخونة الدولة) والتى أصبحت ذائعة الصيت بعد ذلك، حاول الرجل أن يصل برسالة إلى الجميع مفادها أن الجيش لن يقبل أن تتم أخونة الدولة أو أن يقفز عليها من لن يتركها أبدا طالما (ركبها)! هكذا كانت لهجة الرجل الواثقة والذى لم يكترث لوجودى ربما لعدم معرفته بشخصيتى. دخلت استوديو الهواء، وقلت رأيى بصراحة، وانتقدت ما كنت قد سمعته منذ ثوانٍ، وأشهد أن أحدا من فريق العمل لم يؤاخذنى بعدها أو يعاتبنى وقد دعيت بعدها مرات للحديث وهو أمر رأيته محمودا فى تليفزيون الدولة فى هذه اللحظات العصيبة على أية حال.

 

ومنذ أن نجح الرئيس مرسى ولم يمر أى قرار اتخذه الرجل مهما كانت جرأته أو ثوريته إلا وترددت لفظة صاحبنا العسكرى فى أن الدولة تتأخون! بدا الاتهام يحمل وجاهة فى بعض الأحيان ويحمل افتئات فى أحيان أخرى، فلايمكن القول مثلا بأن الحكومة أو حركة تغيرات المحافظين أو القرارات الأجرأ فى تغير القيادات العسكرية أو الجهات الرقابية والمحاسبية (متأخونة)! فنسبة من تم تعيينه من جماعة الاخوان وحزب الحرية والعدالة فى كل هذه الحالات أقل بكثير من نسبة من تم تعيينهم منتمين لتيارات وأحزاب أخرى، بل إن النسبة كانت صفرية فى تعديلات الجيش والجهات الرقابية مثلا! الحال نفسه ينطبق على معركة إقالة النائب العام، فمن اتهم الرئيس بأنه يريد أخونة القضاء لم يقدم دليلا واحدا على ما يقول، فأين أخونة الدولة إذن؟!

 

فى رأيى أن أخونة الدولة ليس لها وجود (على الأقل حتى الأن وإن وجدت بطرق غير قانونية سأقف ضدها) وإنما هناك اتجاه قوى لإظهار «الهوية الاسلامية» للدولة فى مفاصلها الرسمية وهو أمر محمود ولكن بحدود كيف؟!

 

أعنى أنه من الطبيعى بل والمحمود أيضا أن تتصالح أجهزة الدولة مع الديانة الرسمية لأغلب مواطنيها فنرى رئيس الدولة وبعض مسئوليها الرسميين ملتحين ومؤدين للفروض والسنن فى المساجد ونرى أيضا مذيعات تليفزيون الدولة ومضيفات شركة طيرانها الرسمية، وقد ارتدت بعضهن (بإرادتهن الحرة) الحجاب. هذه ليست أخونة للدولة، لكنها عودة إلى واقع وحقيقة مجتمع عمد النظام القديم بعنصرية وصلف شديدين على تجاهله وطمسه، لكن أين يجب أن تكون الحدود إذن؟

 

فى رأيى أن هناك ثلاثة حدود لا يجب تجاوزها حينما تعبر مؤسسات الدولة الرسمية عن هويتها الاسلامية وهى:

 

 ألا تطمس أو تجبر الآخر على الالتزام بهذه الهوية: فيظل من حق غير المحجبات وغير الملتحين الحصول على حق الظهور والتعبير والمشاركة فى صنع القرارات الرسمية.

 

 ألا تتجاوز الكفاءة لحساب المظهر: فعدد كبير من حركة التعيينات والتغيرات الأخيرة يعوزهم المهارة والكفاءة بغض النظر عن مظهرهم.

 

ألا تخلط السياقات: فلايعيب الرئيس ولا المسئول أن يصلى فى المسجد ولكنه لن يكون مقبولا أيضا أن توجه الخطب والتصريحات الرسمية والتوجيهات التنفيذية من على المنابر أو بالجلباب! ذلك أن هذه سياقات غير محايدة وفيها خلط للعام بالخاص (بالنسبة لعموم المواطنين) فيشعر المواطن القبطى وغير المسلم عموما بالاستبعاد والغربة داخل دولته وهو أمر خطير ويضرب المواطنة فى مقتل!

 

نعم جميل أن تعود الدولة إلى التصالح مع هوية مواطنيها ولكن حذار أن تجرنا العاطفة الدينية أو المصالح الانتخابية الضيقة إلى التضحية بباقى المواطنين أو تجاهلهم ففى ذلك عودة إلى عهود مظلمة ظننا أننا تجاوزناها بثورتنا!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved