الإنسان ذلك المعلوم 6- «فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ»

جمال قطب
جمال قطب

آخر تحديث: الجمعة 21 فبراير 2014 - 5:00 ص بتوقيت القاهرة

جمال قطب«النظر» ليس عمل العين فقط، بل النظر هو إشغال القلب والفكر مع العين. فإذا قال القرآن ((فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ)) عبس (24) أى يجب على الإنسان العاقل أن يتفكر فى طعامه من أكثر من ناحية.

(1)

أول ما يتفكر فيه من شئون الطعام: هل تستطيع أن تستغنى عنه؟

ومادمت لا تستغنى عنه، فهل دربت نفسك أن تتمكن دائما من الحصول على الطعام؟ هل تستطيع أن تزرعه؟ هل تستطيع أن تساعد الزارع؟ هل تستطيع أن تحرس الزرع حتى ينضج؟ هل وهل وهل؟!

وإذا لم يزرعه غيرك فمن أين تأكل؟ فكر جيدا حتى لا تتعرض للجوع.

وإذا قرر غيرك ــ والحمد لله ــ أن يتولى مسئولية الزرع، فهل تستطيع أن تنقله من مكان زرعه إلى مكان وجودك؟ وإذا حمله غيرك، فهل تستطيع أن تحافظ عليه سليما حتى ساعة استخدامك له؟ وإذا حافظ عليه غيرك، فهل تستطيع أن تقسمه بينك وبين الناس، وأن تعطى كل مخلوق مثلما أخذت لنفسك؟..هذه بعض الأسئلة التى يجب التفكر بها بشأن زراعة الطعام فقط، أما صناعته وتجهيزه وإعداده فتلك شئون تحتاج إلى تفكير أعمق وأبعد مدى.

(2)

وإذا أعطيت الطعام حقه من النظر والتفكير، ففكرت تفكيرا صحيحا، فهل تأملت هذا الماء الذى هو مصدر الحياة لجميع الأحياء؟ ((وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ)) الأنبياء (30)

فهلا اهتممت يوما ما فأعملت فكرك فى نعمة الماء الصالح للزراعة التى تأكلها أو الصالح لإرواء ظمئك؟ والصالح لاستخداماتك الأخرى؟

إن الماء هو «الأب» المباشر لجميع الأحياء فهل حافظ الإنسان على أصله وجذوره؟

هل تستطيع تدبيره ؟ وإذا دبره غيرك فهل تستطيع المحافظة على نظافته وصلاحيته (لونا/ طعما/ رائحة) وإذا لم تستطع أن تحافظ عليه، أليس من الواجب عليك ألا تشارك إفساده؟ ((وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ..)) القمر (28)

ولقد بالغ الجدود فى تقديرهم للماء بدافع من إحساسهم بقيمته وضرورته، فهل بعد هذا التقدم وهذه الحضارة ودعاوى العلم والثقافة يتجرأ الإنسان على إفساد الماء بنفسه؟!

إحذر أيها الإنسان العاقل المفكر أن تفسد مصدر حياتك، وإذا فسد فلا تلومن إلا نفسك

(3)

القرآن يعلمنا أن الله قد خلق الماء وخلق منه الحياة، ثم يتولى بنفسه تقسيمه بين البشر قسمة رحمة وعدل ((وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ)) القمر (28).

فمن الذى يفسد نصيبه من الماء؟ وإذا لم ترض لغيرك أن يفسد نصيبك من الماء

فكيف تتعامى وتتجاهل فتفسد نصيبك ونصيب غيرك عامدا متعمدا إما بالإهمال وإما بعدم التفكير والعمل؟

فمادمت أيها الإنسان لا تستغنى عن الطعام، ولا تنتج الطعام بغير ماء صالح نظيف، فماذا فعلت لاستخراج الماء الذى تتوقف عليه حياتك؟!

ثم ماذا فعلت للمحافظة على صلاحيته؟ ثم ماذا فعلت لتوصيله آمنا لمكان إقامتك؟ ثم كيف تتعامل مع الماء؟

هل بالإسراف والتبذير؟! ألا تخاف أن تحتاج الماء فلا تجده؟! فليتق الإنسان ربه فى نفسه وفى مصدر حياته.

(4)

مازلنا ننظر ونتفكر فى طعامنا والماء الذى يسقيه ويسقينا، وأتصورك أيها الإنسان الآن لست بحاجة إلى تكرار نفس الأسئلة بخصوص الحيوان الذى تشتهى أن تأكل لحمه، ذلك الحيوان الذى تذبحه بيدك لتأكله.. هل فكرت من الذى خلقه؟ ومن الذى سخره ليطيعك وتتمكن من تربيته ثم ذبحه؟

أخشى أن يتصور البعض أن الإنسان بعقله وقدراته هو الذى يسخر الحيوان ويذبحه. فأمامك أيها الإنسان حيوانات كثيرة تخيفك، وحيوانات أخرى أنت تفر منها وحيوانات لو تمكنت منك لأكلتك.. كل هذه الحيوانات تعلمنا أن الذى سخر الأنعام والطيور هو الذى سخر السماوات والأرض، هو الله الخلاق العليم.

فها أنا وأنت أيها الإنسان نأكل يوما مرتين أو ثلاث، ونشرب أكثر من ذلك، فهل فكر كل إنسان منا أن يكون له دور فى إنتاج الطعام أو توصيله أو إعداده؟ وإذا لم يكن له دور مباشر فى طعامه فكيف يحصل على الطعام؟

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved