الجبهة الغائبة

عمرو حمزاوي
عمرو حمزاوي

آخر تحديث: السبت 21 مايو 2016 - 10:00 م بتوقيت القاهرة

منذ صيف ٢٠١٣، والمصرى المتمسك بالدفاع عن حقوق الإنسان والحريات وبرفض السلطوية الجديدة ينتظر تكون جبهة مجتمعية وسياسية واسعة تعارض الحكم الراهن سلميا وتطرح رؤية بديلة مقنعة ذات مرتكزات ديمقراطية وتضغط بفاعلية لإيقاف المظالم والانتهاكات.

اليوم، ومع قرب إتمام السلطوية الجديدة لعامها الثالث، مازال هذا المصرى فى وضعية انتظار لم يتغير بشأنها سوى التراجع الحاد فى مناسيب الأمل وغلبة الشعور بالإحباط واليأس على كل ما عداه. فى بدايات صيف ٢٠١٦؛ يتواصل تفتت الأصوات والحركات المنتسبة للفكرة الديمقراطية دون تغيير، ويتعمق عجزها عن التواصل الفعال مع عموم المواطنات والمواطنين على نحو يقنعهم بالارتباط المؤكد بين رفع الظلم وسيادة القانون وتداول السلطة وعدل الدولة وبين تحسين ظروفهم المعيشية وإنجاز استقرار حقيقى وتنمية مستدامة، ويتصاعد الإخفاق فى إيقاف المظالم والانتهاكات التى استحالت بين ٢٠١٣ و٢٠١٦ إلى الحقيقة الكبرى فى بر مصر.

فى المقابل، تطلق السلطوية الجديدة اليد القمعية لأجهزتها الأمنية لتلتهم الفضاء العام الذى تغتال راهنا تعدديته، مثلما اغتيلت من قبل السياسة وجردت من مضامين العدل والحرية والتوافق. فى المقابل، تقضى السلطوية على حضور المواطن صاحب العقل المستقل والرأى الحر فى الفضاء العام تعقبا وتهديدا وسلبا للحرية وظلما، مثلما تحاصر منظمات المجتمع المدنى بأدوات قانونية وإدارية ذات جوهر استبدادى صريح ومثلما تخضع مؤسسات متعددة للسطوة الأمنية. فى المقابل، تمعن السلطوية فى تزييف وعى الناس بالترويج للمقايضة الفاسدة «إما الأمن والاستقرار ومواجهة الإرهاب وإما الحقوق والحريات»، مثلما تمكن طيور الظلام من الترويج المتهافت لحكم الفرد كفعل «إنقاذ وخلاص وطنيين» عبر توظيف مساحات إعلامية شوهها امتهان العقل وغياب الحرية وتكالب رأس المال الخاص على خدمة أصحاب السلطة والنفوذ.

بل إن الكلفة المجتمعية التى يفترض أن تتحملها السلطوية الجديدة، جراء إطلاقها لليد القمعية أو جراء محدودية نجاحاتها فى مواجهة الأزمات الاقتصادية والأمنية التى تحاصر البلاد، مازالت فى حدودها الدنيا قياسا على ما عرفناه احتجاجات شعبية واسعة النطاق بين ٢٠١١ و٢٠١٣ وبالنظر إلى خبرة السنوات بين ٢٠٠٤ و٢٠١١ التى ارتفعت خلالها كلفة المظالم والانتهاكات التى تورط بها نظام الرئيس الأسبق مبارك (خالد سعيد نموذجا) على الرغم من الاستقرار النسبى فى الأوضاع الاقتصادية والأمنية.

لا شك لدى فى أن وضعية «الخوف من الاحتجاج والمعارضة»، والتى يصطنعها إطلاق السلطوية لليد القمعية ويرتب شيوعها بين الناس من جهة تكرر مظالم وانتهاكات كسلب الحرية والاختفاء القسرى وجرائم التعذيب (وهى حضرت بعنف صادم فى أعقاب ٢٥ ابريل ٢٠١٦) ومن جهة أخرى ما يبدو كعدم اكتراث الحكم والدوائر الرسمية بردود الأفعال الداخلية والخارجية على أفعاله وممارساته، تحد كثيرا من الكلفة المجتمعية التى تتحملها السلطوية وتقرب لأغلبية المصريات والمصريين خليط العزوف والإحباط واليأس على حساب مشاركة محفوفة بالمخاطر فى الاحتجاج السلمى. غير أن المؤكد أيضا هو أن حضور عوامل مثل تفتت الأصوات والحركات المنتسبة للفكرة الديمقراطية، وعجزها عن طرح رؤية بديلة للسلطوية الجديدة، ومن ثم تواصل الإخفاق فى تعبئة قطاعات شعبية مؤثرة تستطيع الضغط على الحكم الراهن بمطالبات وجهتها سيادة القانون والعدل والحرية دون تورط فى مقولات غوغائية وادعاءات وطنية زائفة؛ المؤكد هو أن حضور هذه العوامل يعفى السلطوية الجديدة من تحمل الشق الأكبر لمظالمها وانتهاكاتها وإخفاقاتها.

لا أمل حقيقيا لنا فى تغيير معادلات القوة الراهنة، وهى تمكن من سلب حرية الآلاف وحصار منظمات المجتمع المدنى والنقابات المستقلة وتعميم وضعية الخوف، دون العمل الجاد والمستدام باتجاه تكوين جبهة واسعة تتبنى التحول الديمقراطى وجهة للتغيير المجتمعى والسياسى طويل المدى، جبهة تقترب يوميا من المواطن وتبتعد بوعى عن الانزلاق إلى مساومات غوغائية مع من يعارضون السلطوية فقط بهدف الآتيان بسلطوية بديلة (بطل جديد أو الجماعة السماوية) كما تمتنع عن التورط فى الترويج لمقولات وطنية زائفة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved