الماراثون الآخر

عبد الله السناوي
عبد الله السناوي

آخر تحديث: السبت 21 يونيو 2014 - 5:55 ص بتوقيت القاهرة

بعبارة سفير أوروبى التقى الرئيس الجديد: «وجهه يشبه عامة المصريين وخلف ابتسامته رجل حازم».

الانطباع ذاته متواتر فى الأوساط الدبلوماسية الغربية التى تحاول قراءة حركة الأحداث المتوقعة من أبسط الإشارات إلى أخطر المعلومات ومن حركة الشوارع إلى السياسات العليا.

فى الجو العام بدت العاصمة المصرية أمام زوارها كأنها وضعت كمادة ثلج على رأس أثقله الصداع وأنها توشك أن تعود إلى أوضاعها الطبيعية.

الكلام عن وضع شبه طبيعى هو أفضل ما يتوقعه الرئيس فى بداية عهده غير أن التركة الثقيلة تستدعى مشروع إنقاذ وطنى تأخر الحوار حوله.

فى ثلاث مجموعات من الصور تلخيص للجو العام وتعقيداته مما هو غير طبيعى إلى ما هو شبه طبيعى ومن الفوضى الضاربة إلى الإنقاذ المؤجل.

المجموعة الأولى، صور التنصيب أمام المحكمة الدستورية العليا وما تلاه من مراسم واحتفالات فى قصرى «الاتحادية» و«القبة» حيث تبدت عراقة الدولة المصرية وقوة تقاليدها.

أن يكون هناك رئيس تدين له مؤسسات القوة بالولاء ويتمتع بشعبية واسعة وفر شعورا عاما بأننا بصدد وضع مستقر انتقل من المواطن العادى إلى الدبلوماسى المتابع.

العوائد السياسية فاقت تكاليف الاحتفالات وبالنسبة لأية دولة عريقة تعرضت للتحطيم فإن استعادة ثقتها فى تاريخها وتقاليدها لا يجوز الاستهانة بها.

قيمة الاستثمار فى عراقة التقاليد أنه يضفى احتراما ومهابة على الدولة عند تطلعها لمشروع دور جديد فى المستقبل.

لا أحد يستثمر فى التقاليد وعراقتها ليكتب موضوعا فى الإنشاء السياسى، فإن لم يكن هناك تصور يحكم الحركة إلى المستقبل فإنه الاستغراق فى الماضى وزخارفه وفلكلورياته.

فى التجربة الفرنسية الحديثة فإن الجنرال «شارل ديجول» تصرف على نحو يزاوج بين عراقة التقاليد ومشروع الدور.

فور دخوله باريس منتصرا أصدر قرارا بإعادة بناء إدارة المراسم فى الخارجية الفرنسية.

كانت بلاده محطمة تماما بعد الحرب العالمية الثانية لكنه رأى فى عراقتها ما يحفز على بناء مشروع مستقبل ينتج القوة بمعناها الشامل ويثبت الحضور على المسارح الدولية.

المعنى أن عراقة التقاليد إن لم تستثمرها سياسات جديدة حيوية وكفؤة فإنها سوف تتحول إلى ذكريات داخل ألبومات صور.

والمجموعة الثانية، صور إزالة إشغالات الطرق العامة وفيها رسائل مباشرة بعودة الدولة غير أنها لا تعكس مقاربة طويلة النفس لأزمات عميقة فى بنية مجتمع ضاقت فيه فرص العمل واتسعت معدلات البطالة إلى حد أن (٣٧٪) من شبابه عاطلون.

إزالة الإشغالات لا تعنى إزالة الأزمة والحلول المؤقتة لا تغنى عن تفكير جديد أكثر اتساعا يضمن عودة الدولة وأن تكون عادلة فى الوقت نفسه.

إن لم تكن هناك بدائل مقنعة ضمن خطة تشغيل أوسع فعودة الباعة الجائلين مرجحة فالأمن وحده لا يحفظ القانون.

قضية الاعتداء على الأراضى الزراعية فى السنوات الثلاث الأخيرة تفوق إشغالات الطرق فى فداحتها وخطورتها وتحتاج إلى حسم الدولة وفق قواعد قانونية معلنة قبل الإقدام على أية خطوة عملية.

ما هو مطلوب أن تكون هناك دولة قوية تدرك أين تضع أقدامها وعندما تتخذ قرارا لا تتراجع فيه طالما أنه صدر عن دراسة مستفيضة.

فكرة «الحكومة المقاتلة» إيجابية بقدر ما تكون هناك سياسات تعمل وفقها وخطط تسعى لتنفيذها وأن يكون ذلك كله تحت رقابة الرأى العام ودعمه، أما أن تتلخص مفاهيم القتال فى مواقيت الحضور المبكر دون أن يكون لدى الوزراء ما يؤدونه أو مداهمة مواقع العمل وحساب الموظفين المقصرين دون أن تتسع الرؤية لأداء مؤسسى فهذه مسألة أخرى.

صحيح أن الدولة ترهلت والمؤسسات العامة أصابها العطب وأن هناك حاجة ماسة إلى الانضباط الحكومى غير أن التوسع فى هذا التوجه بأكثر مما هو طبيعى يفضى إلى غلبة الشكلية على الإنجاز ومواعيد الحضور والانصراف على معدلات الكفاءة والإنتاج.

هناك أهمية لتواجد الوزراء من حين إلى آخر أو عند الضرورات فى مواقع الإنتاج والعمل لكن كأى شىء إن زاد عن حده انقلب إلى ضده، فالوزير معرض أن يفقد مهامه الحقيقية فى التخطيط والإشراف على مستويات الأداء ويتحول إلى إنسان منهك تقاس معدلات نجاحه بتواجده فى مكتبه عند تمام الساعة السابعة صباحا دون أن ينظر فى حسن أدائه لمهامه الوزارية.

المشكلة ليست فى مواقيت بدء العمل بل فى طبيعة العمل نفسه.. ما المهام التى يؤدونها ومدى الانسجام بين الوزارات المختلفة؟

إنها مسألة رؤية قبل أى شىء آخر والاستغراق فى النشاط البدنى بأكثر مما هو مطلوب وطبيعى يفضى إلى تكريس غياب المؤسسات والعمل الجماعى وفق خطة عمل مقررة وقواعد لا خروج عليها.

هناك فارق بين النشاط الوزارى والنشاط المدرسى.

المجموعة الثالثة، صور ماراثون الدراجات وبدت رسالتها أن هناك رئيسا حديثا منفتحا على المثقفين والفنانين ورياضيا ماهرا يقود دراجته.. ولعلها مقصودة فى مواجهة صور أخرى تحاول أن تكرسها أغلبية الميديا الغربية.

ولم تنل صور الماراثون ما نالته صور التقاليد من عناية فى الإقليم والعالم وعمق أثرها.

ما تحتاجه مصر أن تنهض على سياسات لها أساس على الأرض قبل فلاشات الكاميرات أو أن تدخل إلى ماراثون آخر للإنقاذ الوطنى.

أمام وضع جديد فإن الفرص مفتوحة والكمائن منصوبة. من أهم ما يتمتع به الرئيس أن معدلات الثقة العامة به عالية وأن الناس مستعدة أن تمنحه فرصة تلو أخرى أملا أن تكسب رهانها عليه.

وهذه ميزة استثنائية قد تتعرض للتآكل باستنزاف الوقت دون اتخاذ إجراءات اجتماعية تطمئن مؤيديه أنه منحاز إليها وأنه لا يمكن أن يكرر تجارب أسلافه فى التنكيل بالطبقة الوسطى والفئات الأكثر فقرا وعوزا. وقد تتعرض للتآكل ذاته بإغلاق القنوات السياسية مع الأحزاب والقوى المختلفة ومن بينها جماعات الشباب.

قضية الشباب لا يلخصها إعادة النظر فى قانون التظاهر أو عفو رئاسى عن المحكومين بموجبه لكنها إشارة إيجابية لاختراق الملفات الأخرى والرغبة فى الاستماع إلى الأجيال الجديدة.

فى الملفين الاجتماعى والشبابى فإنه فكر جديا أن يضمن خطابه فى قصر القبة إجراءات محددة غير أنه أجل الحسم إلى وقت لاحق.

يصعب على الذين راهنوا عليه تقبل أن يخلو أى خطاب جديد مرتقب فى يونيو أو بعده من إجراءات عملية على الأرض تأخر وقتها وهى ضرورية لبدء ماراثون آخر للإنقاذ الوطنى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved