الفرافرة الثانية

عبد الله السناوي
عبد الله السناوي

آخر تحديث: الإثنين 21 يوليه 2014 - 9:45 ص بتوقيت القاهرة

فى وقت واحد انكشفت الحدود المصرية على أوضاع متفجرة، فمن الشرق حرب إسرائيلية على غزة واستنفار فى سيناء، تحسبا لعمليات تتولاها منظمات تكفيرية ضد مواقع عسكرية واقتصادية، ومن الغرب حرب ميليشيات فى ليبيا شلت العاصمة طرابلس ودمرت مطارها وآثارها ممتدة بالضرورة إلى هنا ومن الجنوب عمليات إرباك عبر الحدود السودانية المفتوحة على تهريب السلاح والمسلحين.

الانكشاف الحدودى وصل ذرtوته بالقرب من واحة الفرافرة فى واحدة من أكثر المذابح دموية وبشاعة نالت من (٢١) جنديا قبل ساعة واحدة من الإفطار.

نفس الوحدة تعرضت لهجوم مماثل قبل نحو شهرين قيل وقتها إن عصابات تهريب ارتكبته وهو ما ثبت الآن أنه لم يكن صحيحا، فالحادثان لهما صفة العمل الإرهابى المنظم، والمعلومات الأولية تشير إلى أن أعلام القاعدة رفعت فوق سيارات الدفع الرباعى التى حملت المهاجمين وأسلحتهم الثقيلة.

المعنى أن إخفاء طبيعة الهجوم الأول سهل من مهمة الثانى وأن المذبحة الأولى مهدت للثانية.

فى المرة الأولى بدا الهجوم على وحدة الفرافرة، بغموض أصحابه وأهدافه، حدثا عارضا سرعان ما غادر الذاكرة واستقر فى الأرشيف.. غير أنه فى المرة الثانية يطرح تساؤلات جوهرية عن أوجه الخلل فى استراتيجية مكافحة الإرهاب التى تتجاوز بطبيعتها ما هو أمنى إلى ما هو سياسى، فلا أمن بلا أفق سياسى يتحرك تحته ويقود إجراءاته.

الأكثر لفتا للانتباه أن سيناريو مذبحة رفح الأولى تكرر بحذافيره فى مذبحة الفرافرة الثانية وأن أعداد الشهداء والضحايا متقارب.

فى المرتين جرى اقتحام مفاجئ على درجة عالية من التدريب والتسليح لوحدة حدودية قبل تناول إفطار رمضان مباشرة وارتكاب الحد الأقصى من العنف والتنكيل دون أن يكون هناك تأمين كاف.

بحسب ما هو معلن فإن بطولة المقاومة فى الفرافرة لم تمنع ارتفاع أعداد الشهداء فقد انفجرت مخازن الذخيرة بقذائف «آر بى جي» أطلقها المهاجمون والقصة بعد ذلك غامضة فى كل تفاصيلها.

لا إجابات مقنعة تفسر أسباب الاسترخاء فى موضع تعرض للهجوم المسلح سابقا أو تكشف الطريقة التى هرب بها المهاجمون.

ولا إجابات تشير إلى الأسباب التى دعت المهاجمين لترك عربتين مسلحتين فى المكان وقد كان لديهم الوقت للعودة بهما إن لم تكن هناك ضرورة لتفجير موقع قد تفجر.. ثم بعد ذلك كله:

من أين قدموا وإلى أين ذهبوا؟

فى السؤال الأخير هناك أكثر من فرضية.

الأولى تشير إلى تموضع ما قرب الحدود السودانية والثانية تشير باتجاه الحدود الليبية وفى الاثنتين انكشاف حدودى أمنى وسياسى واستراتيجى معا، فالقضية تتجاوز الحدود إلى ما ورائها.

ومن هذه الزاوية فإن ما يجرى فى السودان وليبيا شأن مصرى بمعنى أن آثاره تدخل فى صلب الحياة ومستقبلها والأمن وضروراته.

بذات القدر فإن مصير غزة هو مصير مصرى.

فى الفرضية الليبية يصعب استبعاد دور بمذبحة الفرافرة لميليشيات تكفيرية متمركزة بالقرب من الحدود. الهدف إرباك الدور المصرى فى لحظة تندفع فيها شلالات النار بغزة، ورغم أنه لم يرتفع إلى مستوى الأزمة إلا أن الهدف تقويضه ماديا ومعنويا وإبعاده فى الوقت نفسه لأطول ما يمكن عن النظر فى المستقبل الليبى والمساعدة فى محاربة الإرهاب الذى يعطله.

فى الفرضية السودانية الاكثر ترجيحا فإن حصر العلاقات مع الخرطوم فى أزمتى الأمن والمياه خطأ فادح وبذات القدر فهو خطأ لا يغتفر فى النظر إلى قضايا الحدود الأخرى.

هناك فرضيات اضافية لتمركز إرهابى غير معلوم يوجه ضرباته الموجعة ويختفى فى الصحارى الممتدة ويصعب استبعاد احتمال أن تكون عملية الفرافرة منسقة بين أكثر من جماعة مسلحة.

المعنى أن هناك تلازما فى التوقيت والأهداف بين ما يجرى عند الحدود الشرقية وما يجرى على الحدود الأخرى.

هناك سعى من قوى إقليمية مثل تركيا وقطر لقنص الدور المصرى وإنهاء أى مراهنات عربية مستقبلية عليه وصلت إلى المكايدة السياسية التى لا تعنيها غزة ولا قضيتها.. وهناك توظيف بوسائل أخرى للعدوان على غزة لإرباك المشهد المصرى من داخله بعمليات من نوع «مذبحة الفرافرة».. والأخطر فى مدى النظر أن الحرب مع الإرهاب مرشحة لنقلات نوعية جديدة ما لم تكن هناك استراتيجية مختلفة فى مواجهته.

فالجماعات التكفيرية تستشعر الآن ارتفاعا فى مستوى رهاناتها بعد التقدم الكبير الذى أحرزته «داعش» فى سوريا والعراق حيث تمكنت من الاستيلاء الميدانى على ثلث الأولى وتمركزت فى محافظات كبرى بالثانية تولت بعدها بناء دولتها المتخيلة والتهجير القسرى الجماعى للمسيحيين من الموصل بإنذار مدته ساعات، وهو عمل عنصرى ترفضه القوانين الدولية والقيم الإنسانية ويتماهى بصورة مذهلة مع ما ترتكبه القوات الإسرائيلية فى غزة من جرائم حرب تكتفى فى بعضها بإنذار مماثل مدته خمس دقائق لإخلاء البنايات من سكانها قبل قصفها بالصواريخ.

ما يحدث فى الموصل وجه آخر لما يحدث فى غزة.. وهناك مفارقتان أولاهما أنه فى الموصل يفضى الإجلاء القسرى فى أجواء المنطقة وتحولاتها واحتمالات تشقق دولها إلى تبرير الاغتصاب الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية وتهويد القدس والعدوان المتكرر على غزة وحصار أهلها وإنكار حق العودة للذين غادروا بيوتهم تحت ترويع السلاح منذ عام (١٩٤٨) فطالما أنه يمكن الصمت على الطرد الجماعى لمسيحيين عراقيين يتمتعون بحقوق المواطنة الكاملة من بيوتهم لأسباب تتعلق بعقيدتهم الدينية فإن احتمال الترحيل الجماعى للفلسطينيين من مسلمين ومسيحيين معا لم يعد ممكنا استبعاده فى أى مدى منظور أو متوسط بذرائع مشابهة.

وثانيتهما أن الجماعة التكفيرية التى ترجح معلومات أولية مسئوليتها عن مذبحة الفرافرة تحمل اسم «أنصار بيت المقدس» وهو يشير إلى القدس ونصرتها فى مواجهة التهويد، بينما عملياتها المسلحة فى الداخل المصرى تفضى إلى إرباك دوره.

فى المفارقتين إشارات إلى كمائن جديدة فى حرب قد تطول مع الإرهاب.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved