غرام الشيوخ
محمود قاسم
آخر تحديث:
الجمعة 21 أغسطس 2020 - 11:00 م
بتوقيت القاهرة
بودى لو أعددت لوحة شرف للسادة كتاب السيناريو الذين عودونا على عدم كتابة أسماء الأفلام، أو الروايات التى رجعوا إليها وهم يكتبون أفلامهم، فهذا شرف لهم أن نتعامل معهم على أنهم أصحاب الأفكار العظيمة التى كتبوها، ولاشك أن القائمة تضم أغلب كتاب السيناريو طوال تاريخ السينما، لكن الأمر قد يصير جسيما بالنسبة للمخرجين الذين يكتبون، ويقتبسون، ومنهم من الجيل القديم حسن الأمام، وعز الدين ذو الفقار الذى كان مساعدا للمخرج محمد عبدالجواد، الذى سار على نهج أستاذه، فلم يذكر أبدا اسم أى من الأفلام التى كتبها وأخرجها، محمد عبدالجواد كتب فى عناوين فيلمه «غرام الشيوخ 1946» أنه اقتبس الفيلم، مجرد ذكر، لكنه لم يكتب المصدر قط، والأمر مهم بالنسبة للكاتب الذى يميل لمقارنة النصوص، وقد وقعنا فى هذا الفخ مرات عديدة، وكررنا الحديث عنه وصار الهاجس، فالأفلام التى اقتبسها الرجل مأخوذة من روايات لمارك توين، وأوسكار وايلد، لكننا لم نتوصل بعد إلى أفلامه الأخرى ومنها فيلم اليوم، و«قبلنى فى الظلام».
لكن أبرز ما يمكن الوقوف عنده فى فيلمه «غرام الشيوخ» أن البطولة المطلقة للممثل البارع منسى فهمى الذى يتم نسيانه تماما عند ذكر أسماء الممثلين الكبار الذين اشتهروا بالاندماح داخل الشخصيات التى يقدمونها، وكان زكى رستم من جيله، ورغم أنه عمل فى السينما بعد أن تجاوز سن الشباب، فإنه لا ينسى فى أفلام مثل «ليلى»، و«أحب الغلط»، و«ليلة القدر»، فى فيلم «غرام الشيوخ»، كانت أمامه فاطمة رشدى، ثم جاء يحيى شاهين الشاب بعده فى الترتيب.
هناك عدة مداخل لمشاهدة الفيلم، فالبطولة المطلقة لرجل عجوز عمل كاتبا، وله مكانة شعبية أسوة بالأدباء المصريين الكبار فى السن فى تلك المرحلة، ومنهم طه حسين وتوفيق الحكيم، ولاشك أن فى اسم الفيلم لون من السخرية من الشيوخ حين يقعون فى الغرام، خاصة أن يكون الهوى بين رجل خطه المشيب بشكل ملحوظ وامرأة فى قمة فتنتها، متباهية بأنوثتها، فلابد أن هذا الغرام ممزوج بالفشل، وعدم قدرة الرجل على إشباع المرأة، لكن العجوز هنا كاتب مفكر، يقوم التنظير، ويعيش أعزب حتى يأتى بالفتاة إلى البيت وينقذها من الرجل الجشع الذى رباها، ثم باعها إلى الكاتب كأنها صفقة، وبالنسبة لهذه النقطة فقد رأينا أفلاما مماثلة أيرزها «الرباط المقدس»، إخراج محمود ذو الفقار 1960، ثم «امرأة سيئة السمعة» إخراج بركات عام 1973، وهنا ترك الرجل زوجته الشابة بين أحضان رجل صغير السن، أما فى «غرام الشيوخ» فكان لابد للعجوز أن يعرف أن المرأة الصغيرة التى تزوجها وذهب معها فى رحلة شهر عسل سوف يتتبعها حبيبها إلى حيث يذهبان،
النقطة الثانية بعيدا عن القصة، هى بطلة الفيلم فاطمة رشدى التى لم ينجح أى من المخرجين الذين عملوا معها فى رحلتها السينمائية القصيرة أن يسندوا إليها أدوارا متباينة، فهى دوما المرأة الملحمة، الحسية، زاعقة الصوت، الخائنة، الشريرة، ولذا كانت رحلتها السينمائية قصيرة، ويبدو أن السيدة البالغة الثقافة كما يبدو من مذكراتها، كانت تعرف قيمة نفسها وعاشت سنوات طويلة على مجدها المسرحى، وأنها بطلة فيلم «العزيمة»، لذا فإنها لم تطور أدائها المسرحى فى هذا الفيلم، تشعر أنها تحفظ الحوار وتردده حين يأتى دورها؛ حيث يعتبر محمد عبدالجواد المخرج الأكثر تعاونا معها،
لم يستطع المخرج السيطرة على الممثلة، وتركها تتصرف على أنها سارة برنار الشرق، وكل المطلوب من المشاهد فقط التصرف على أساس أنه فى مسرحية بلا جمهور، وقد تجلى ذلك بقوة فى المشهد الذى تعود فيه أحلام إلى غرفتها بالفندق بعد منتصف الليل، ويدور حوار بينها وبين زوجها العجوز، تصف فيه كل مشاعرها نحو رءوف، تتجرأ عليه وتزعق وتنسى تماما أنها فى استوديو سينما به أجهزة صوت حساسة، وأنها ليست على خشبة مسرح ترفع صوتها فى انفعال شديد حتى يسمعها من هم فى آخر الصالة، ولعل هذا هو السبب أن قل الإقبال على الممثلة، وكان فى إمكانها مشاركة زميلتها أمينة رزق مجدها السينمائى، وهذا أمر مهم جدا، يذكرنا بالأداء المسرحى الذى قضى سنمائيا على أسماء بعينها.
هذا الكلام يقال للمرة الأولى؛ حيث إن فاطمة رشدى لم تنل من التكرم ما تستحق، ولم يتابعها النقاد، فى السينما، وأعتقد أن مذكراتها العظيمة لم يقرأها الكثيرون بما تليق أنها أكثر أهمية من مذكرات الفنانة ايزادورا دنكان، التى تم رصد مذكراتها عام 1968 بعمل فيلم بالغ الأهمية من إخراج كارل رايز، بطولة فانيسا ردجراف. ما نقصده هنا أن المخرج محمد عبدالجواد لم يستطع السيطرة على أداء فاطمة رشدى فى الفيلمين اللذين أخرجهما، وتركها تمثل على سجيتها تملأ المشاهد بالانفعال المصطنع، عكس منسى فهمى الذى أدى دور الحكيم العاشق الحزين الذى تركته امرأته، وهربت مع تلميذه الشاب، وظلت تتنقل بينهما خاصة بعد أن فقد العجوز البصر، وانتهى الأمر بانتصار الشباب فى مشهد بالغ القسوة، لا يرضى جميع المشاهدين.