«مسئولية الحماية».. حالتا ليبيا وسوريا

جيهان العلايلي
جيهان العلايلي

آخر تحديث: الجمعة 21 سبتمبر 2012 - 8:40 ص بتوقيت القاهرة

صرح السكرتير العام للأمم المتحدة بان كى مون فى بداية هذه الشهر خلال تقديم تقريره الأخير للجمعية العامة حول مفهوم «مسئولية الحماية»، الذى يستند إلى مبادئ فى القانون الدولى لحماية المدنيين من الانتهاكات الجسمية، بأنه مبدأ «قد حان وقته».

 

هذا المفهوم اكتسب شرعيته بتبنى قمة العالم فى 2005 لبعض جوانبه ومنها مسئولية المجتمع الدولى فى التدخل العسكرى إن اقتضى الأمر وبتفويض من مجلس الأمن حين تفشل الدول فى توفير الحماية لشعوبها.

 

يقول المتشككون فى «مسئولية الحماية» أن مفاهيم التدخل العسكرى الخارجى لأغراض إنسانية لها إرث تاريخى إمبريالى. قديما كانت تساق دواعى «نشر الحضارة» كمبرر من الدول الاستعمارية لغزو الشعوب «الهمجية» والسيطرة على مواردهم الطبيعة. وفى استخداماته الحديثة تتم الاطاحة بالأنظمة المستبدة بشعوبها، تحت غطاء من القانون الإنسانى والقانون الدولى لحقوق الإنسان، لفتح الاسواق بالأساس وإضعاف سيادة الأنظمة الجديدة على أراضيها ومواردها الطبيعية. هذا المفهوم سلط عليه الضوء فى الأزمتين الليبية والسورية ولكن بنتائج تكاد تكون معاكسة تماما.

 

●●●

 

والسؤال هو لماذا فشل مجلس الأمن حتى الآن فى التعامل مع الأزمة السورية بينما تحرك بشكل سريع لحسم الأزمة الليبية؟ وإذا كانت «مسئولية الحماية» قد ورد ذكرها فى القرارات الأممية الخاصة بليبيا وصولا إلى مجلس الأمن، فلماذا لا يتم الاستناد اليها الآن فى الأزمة السورية، بالرغم من أن الانتهاكات الجسيمة بحق المدنيين قد تجاوزت بكثير ما كان يحدث فى ليبيا؟ بل إن المفوض السامى لحقوق الإنسان نافى بيلاى صرحت مؤخرا بأن جرائم القتل الجماعى فى سورية والإعدام خارج القانون والتعذيب أصبحت جرائم معتادة.

 

حث السكرتير العام أعضاء الجمعية العامة أن يتذكروا الحالة السورية وهم يناقشون الركيزة الثالثة لهذا المفهوم وهى الأكثر خلافية بين ركائز المفهوم لأنها تختص بالتدابير القسرية ومنها التدخل العسكرى. وقد حذر بان كى مون من أن الشلل الحادث داخل مجلس الأمن فى التعامل مع الأزمة السورية يضر الشعب السورى ويُفقد المجلس مصداقيته ويُضعف مفهوم «مسئولية الحماية».

 

إن مجلس الأمن، بعكس الهيئات الأممية الأخرى كالجمعية العامة ومجلس حقوق الإنسان لم يتعامل مع الأزمة السورية إلا فى أضيق الحدود. وجاء تكليف المبعوث الخاص المشترك للأمم المتحدة والجامعة العربية السيد/ الأخضر الابراهيمى كآخر إجراء متوافق عليه بين أعضاء المجلس بعد إخفاق مهمة سلفه الدبلوماسى كوفى انان الذى أرجع ذلك إلى اختلاف وجهات النظر بين أعضاء المجلس وفشل المجلس فى دعم مقترحات جنيف التى كانت تحمل حدا أدنى من الأفكار لحل الأزمة سياسيا.

 

هنا تجدر الإشارة إلى أن دور الجامعة العربية فى التعامل مع الأزمة السورية أظهر فاعلية واضحة تقارن بالشلل الذى أصاب مجلس الأمن. فقد اتخذت الجامعة إجراءات متعددة منها تعليق عضوية سورية فى الجامعة وعقوبات متنوعة وصولا إلى تعيين المبعوث الخاص المشترك للجامعة العربية والامم المتحدة السيد/ الأخضر الإبراهيمى وكلها قرارات تتوافق مع روح مفهوم «مسئولية الحماية» على الأقل من زاوية الاستجابة العاجلة والتدرج فى التدابير القسرية خلال التعامل مع أزمه إنسانية كالأزمة السورية.

 

وفى محاولة للإجابة عن السؤالين المذكورين لابد من التوقف عند عدد من الأقاويل المرسلة التى يجرى الترويج لها فى العواصم الغربية الكبرى بشأن الأزمتين الليبية والسورية.

 

1- إن تدخل حلف الناتو فى ليبيا كان ضروريا وأخلاقيا وقانونيا.

 

2- إن دور حلف الناتو فى ليبيا هو النموذج الناجع لتطبيق مفهوم «مسئولية الحماية».

 

3- إن الدم السورى يتحمله كل من روسيا والصين لرفضهما إصدار قرارات من مجلس الأمن تحمل تهديدا باتخاذ إجراءات قسرية ضد نظام الحكم فى سوريا.

 

نحن هنا فى هذا المقال معنيون بشكل خاص بانعكاسات الأزمة الليبية على الأزمة السورية والدور المنوط بالمجتمع الدولى لحماية المدنيين من الانتهاكات الجسيمة وفقا لمفهوم «مسئولية الحماية».

 

قرار مجلس الأمن 1973 وعمليات حلف الناتو

 

أصدر مجلس الأمن قرارين مهمين فى شأن الأزمة الليبية فى عام 2011: هما القرار رقم (1970) والقرار رفم (1973) الذى فتح الباب أمام التدخل العسكرى فى ليبيا بقيادة حلف الناتو وقد اتخذ بموافقة عشرة أعضاء بالمجلس وامتناع خمسة آخرين من بينهم روسيا ووالصين والهند.

 

وبالرغم من أن القرار لم يكن متوافقا عليه إلا أنه أعطى الدول الغربية الكبرى ذريعة للادعاء بأن وحدة المجلس قد أتاحت القيام بعمل جماعى تحت الفصل السابع للميثاق مما مكن من حماية أرواح عشرات الآلاف من المدنيين فى بنغازى وسائر أنحاء ليبيا. بينما ترى الدول التى امتنعت عن التصويت على القرار، أولا: أن هذه صورة مغلوطة لما حدث. وتقول إن الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا قد تخطوا التفويض الممنوح للتدخل العسكرى لحماية المدنيين واستخدموا حلف الناتو لتحقيق هدفهم المتمثل فى تغيير النظام فى ليبيا، وهو الأمر الذى لا يستند إلى أى مبدأ فى القانون الدولى.

 

ثانيا: ترى هذه الدول أن تغيير النظام عن طريق التدخل العسكرى الخارجى قد فتح باب المجهول أمام ليبيا إنسانيا وسياسيا وأمنيا واجتماعيا. وقد جاء مقتل السفير الأمريكى فى ليبيا كريس ستيفنز خلال الهجوم على القنصلية فى بنغازى ليكشف أكذوبة أن ليبيا مستقرة وحرة وتخطو بثبات نحو بناء الديمقراطية الحديثة.

 

ثالثا: ترى هذه الدول أن حجم وحدة وطول مدة العمليات العسكرية التى قام بها حلف الناتو فى ليبيا قد أدى إلى خسائر بشرية هائلة ـ ثلاثين ألف قتيل على الأقل حسب تقديرات المجلس الانتقالى الليبى (فى أكتوبر 2011). كما لحق دمارا واسعا بمدن ليبيا بأكملها مثل سرت ومصراته، وهى جرائم حرب إن صحت لابد من محاسبة الناتو عليها.

 

رابعا: يرى فريق المعترضين على دور حلف الناتو فى ليبيا أن الدول الغربية الكبرى قد عرقلت عمل مجلس الأمن برفض إعمال أى مراقبة من المجلس على سير العمليات العسكرية لحلف الناتو ورفضت كذلك الالتفات إلى طلب وقف إطلاق النار بعد بدء العمليات، ورفضت أى دور حقيقى للاتحاد الأفريقى كآلية إقليمية لحل الأزمة الليبية سياسيا.

 

ومن هنا يقول المتشككون إن المقاصد الحقيقية لمفهوم «مسئولية الحماية» الذى جرى تسويقه بنجاح باهر فى الحالة الليبية تحددها مصالح الدول التى تدفع للتدخل العسكرى وليس حقوق الإنسان للضحايا المدنيين المستهدفين بالتدخل.

 

 

هل ضَعُفَ مفهوم «مسئولية الحماية»  بعد أزمة ليبيا؟

 

الغرض الذى يقوم عليه المفهوم كما جاء فى قمة العالم فى 2005 هو استعداد المجتمع الدولى للتدخل بأدوات مختلفة سلمية وقسرية تتضمن التدخل العسكرى بتفويض من مجلس الأمن «إذا فشلت الإجراءات السلمية وأظهرت السلطات الوطنية إخفاقا ذريعا فى حماية شعوبها من الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والتطهير العرقى والجرائم ضد الإنسانية».

 

أعتقد أن الإجابة عن السؤال المطروح هى بنعم وليس أدل على ذلك من الخلافات التى ظهرت خلال مناقشات أعضاء الجمعية العامة فى الخامس من سبتمبر للتقرير الأخير عن المفهوم. فقد وصف المندوب الروسى التدخل فى ليبيا بأنه أضر بمفهوم «مسئولية الحماية» لأنه أظهر إمكانية استخدامه لخدمة أغراض غير التى قام من أجلها. على النقيض من ذلك اعتبر مندوبا بريطانيا والولايات المتحدة أن تطبيق المفهوم قد نجح بالكامل فى الحالة الليبية. وقد اعتبر السكرتير العام نفسه أن حالة ليبيا وساحل العاج تقدمان نماذج ناجحة لتطبيق مفهوم «مسئولية الحماية».

 

وقد عكست رغبة بعض الأعضاء فى التضييق على حدود وضوابط وترتيب التدابير القسرية ضمن الأدوات المتاحة للعمل فى مواجهة أزمات تستدعى التدخل، موقفا يكاد يتطابق مع رفضهم استخدام هذه التدابير فى الأزمة السورية. وقد علق ممثل الهند على التقرير بقوله لا يمكن لمفهوم «مسئولية الحماية» أن يقنن «نظاما للقهر ويضع أداة فى يد الدول الكبرى للحكم على الدول الضعيفة ويشجع على تغيير الأنظمة». وقد شهدت النقاشات توافقا حول أهمية المقترح البرازيلى «المسئولية اثناء توفير الحماية» الذى يرتكز على وضع آليات للمراقبة والمراجعة قبل وأثناء مرحلة التنفيذ للتدخل العسكرى.

 

وبصفة عامة يرى المتشككون أن مفهوم «مسئولية الحماية» ما هو إلا إعادة إنتاج محسن لمفهوم «التدخل الإنسانى» سيئ السمعة الذى ارتكز عليه جورج بوش وتونى بلير فى غزو العراق فى عام 2003 بعدما اتضح كذب حجة وجود أسلحة دمار شامل فى العراق. وهل يمكن أن ننسى قول غير المأسوف علية تونى بلير فى 2007 أن النقطة الاساسية بشأن هذة التدخلات أنها ليست لتغيير الأنظمة فقط ولكن لتغيير المفاهيم الحاكمة فى هذة البلدان.

 

ولكن المدافعين عن مفهوم «مسئولية الحماية» يقولون إنه يختلف عن مبدأ «التدخل الإنسانى» فى عدة أمور، منها أن الأول ينطوى بالأساس على تدابير وقائية هدفها منع وقوع الانتهاكات الجسيمة، ولكن «التدخل الإنسانى» يأتى كرد فعل لهذه الانتهاكات ويتمحور فقط حول التدخل العسكرى ويعتمد على تلك الدول المستعدة والقادرة على إدارة هذا التدخل العسكرى.

 

هذه الصورة تعكس حقيقة ان مفهوم «مسئولية الحماية» لم يحن وقته بعد كما يعتقد السكرتير العام بان كى مون. وعلى هذا الأساس لا أرى إمكانية الاستناد إلى هذا المفهوم لاتخاذ إجراءات قسرية من قبل مجلس الأمن فى المنظور القريب كما يدفع المطالبون بذلك من داخل وخارج سوريا.

 

وإلى أن يأتى الفرج فليس امام الشعب السورى سوى كفاحهم ودمائهم الزكية وهم يصدحون بحناجرهم طلبا للخلاص «مالنا غيرك يا الله».

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved