أزهى عصور الانفلات

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الأربعاء 21 نوفمبر 2012 - 8:20 ص بتوقيت القاهرة

فى أشد البلدان تخلفا وانفلاتا يندر أن تسمع أن قوة من الجيش قد هاجمت بالأسلحة شرطة بلدها أو العكس.

 

وإذا حدث ذلك فاعلم أننا نعيش أزهى عصور الانفلات وغياب هيبة الدولة فى معناها الحقيقى.

 

أكتب هذه الكلمات فى السابعة مساء الاثنين بعد ورود معلومات عن اشتباكات بين كتيبة مشاة من الجيش وقوة شرطة قسم القاهرة الجديدة بالتجمع الخامس تطور إلى هجوم على قسم الشرطة وإطلاق نار وإصابة البعض.

 

سبب الخلاف ــ كما قيل ــ أن كمين شرطة استوقف فى الليلة التى سبقتها ضابط جيش من معهد المشاة لم تكن معه رخصة قيادة.

 

لست معنيا فى هذه اللحظة بمن هو المصيب ومن هو المخطئ، ولا كيف بدأت الأحداث.. كل تلك تفاصيل.. المهم أننا وصلنا إلى مرحلة تشتبك فيها الشرطة والجيش معا وبالأسلحة.

 

لست مع التعريف الذى يقول إن هيبة الدولة تعنى أن نقهر كل من يعترض أو يتظاهر أو يحتج.. هيبة الدولة الحقيقية هى أن يكون للمواطن كرامة وحرية وعدالة اجتماعية.

 

وهيبة الدولة أيضا أن تكون كل أجهزتها على مستوى المسئولية فى كل شىء وأن تكون قدوة للآخرين.

 

يفترض أن الشرطة والجيش هما الهيئتان الوحيدتان اللتان يحتكران استخدام العنف باسم القانون. الشرطة تستخدم العنف محليا فى إطار القانون لحفظ الأمن والاستقرار ومكافحة الجريمة، والجيش يستخدم العنف ضد أعداء الوطن فى حالات الحروب. أما أن يشتبك الطرفان معا وبالأسلحة أو حتى بالحجارة فعلينا أن نبدأ فعليا فى القلق على مستقبل هذا الوطن.

 

عندما يتشاجر الباعة الجائلون فى أحد الأسواق نصفهم بالبلطجية ونطالب الشرطة بأن تستخدم القانون ضدهم لردعهم. أما أن يتشاجر الجيش والشرطة معا، فلا أعرف ما هو التوصيف الذى يمكن أن نطلقه على هذا الأمر؟!.

 

مرة أخرى ليس مهما تفاصيل الخناقة، لكن علينا أن نهتم بسؤال جوهرى خلاصته:

 

كيف وصل الأمر إلى ما وصل إليه؟!، ويتفرع من هذا السؤال الرئيسى عشرات بل مئات الأسئلة الفرعية من عينة: ماذا قال الضابط لزملائه وهو يقنعهم بالذهاب معه لاقتحام أو مهاجمة القسم، وكيف كان ردهم، ألم يفكروا أنهم يرتكبون جريمة وهم يتحركون لمهاجمة القسم، وهل استأذنوا قادتهم قبل التحرك لتنفيذ العملية ،أم تصرفوا من تلقاء أنفسهم، ألم يفكروا فى العقوبات التى يمكن أن تلحق بهم أو الإساءة التى سيلحقونها بصورة القوات المسلحة؟.

 

وفى الجهة الأخرى ماذا قال ضابط الشرطة فى الكمين لضابط الجيش وهل استفزه، ثم عندما حدث الهجوم هل تطوع بعض رجال الشرطة للتصدى للهجوم على قسمهم، وكيف كان كلامهم عن المهاجمين؟!.

 

نعلم أن هناك حساسيات أحيانا بين بعض رجال الشرطة وبعض رجال الجيش فى المعاملات والاحتكاكات اليومية، ونعلم أيضا أن هذه الحساسيات تزايدت بعد ثورة 25 يناير وانحياز الجيش إلى الشعب فى كسر قمع وعنف الشرطة.

 

وهذه الحساسية موجودة فى مجتمعات كثيرة لكنها فى حدود بسيطة، أما أن يصل الأمر إلى الاشتباك فتلك هى الطامة الكبرى.

 

ما حدث كارثة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، عدم التصدى لها وللحوادث المماثلة يعنى أننا مقبلون على وضع أكثر كارثية، لا ينفع معه تصريح رسمى ــ بلا معنى ــ بأن الأمور تمام وأن علاقات الشرطة والجيش«سمن على عسل».

 

والسؤال الأخير: ترى ما هو رد فعل المواطن البسيط عندما يعرف تفاصيل ما جرى.. ألن يصل إلى قناعة أساسية بأن هذا البلد لم يعد فيه كبير.. وأن البقاء للأقوى فقط؟!

 

مطلوب تحقيق شامل وأن يعرف الشعب تفاصيل كل ما حدث ومعاقبة المخطئ عقابا صارما.. وإلا فالقادم أسوأ.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved