شريعة لا تُخيف ولا تهدد

جمال قطب
جمال قطب

آخر تحديث: الجمعة 21 ديسمبر 2012 - 8:45 ص بتوقيت القاهرة

إذا وجد على الأرض عاقل يرفض ما ثبت نزوله من عند الله لخير الناس، فلن يوجد مسلم أو غير مسلم يرفض أو يصد ما يحقق المنفعة العامة، ولكن أزمة الأمة تكمن فى أن حقيقة الشريعة قد غابت بين اتهام المتخوفين، وبين دفاع المتعجلين، فلغتنا العربية تعرف لفظ الشريعة قبل بعث الأنبياء وإنزال الكتب، ففى المعاجم اللغوية لفظ الشريعة يعنى «مجرى الماء الصالح للشرب والقريب من أفواه الجميع»، فلما أنزل الله الدين سماه باسم يفهمه الناس، فسماه شريعة ليفهم الجميع أن الشريعة للعقول والقلوب مثل المياه للأجسام والأرض، وحيث لا حياة للأرض والأجسام بغير ماء فلا حياة للنفوس والعقول والقلوب بغير الشريعة.

 

(2)

 

هكذا توافق العقلاء على أن الشريعة هى «النفع الذى لا ضرر فيه» و«الصلاح الذى لا فساد فيه» و«الخير الذى لا شر فيه»، فإذا وجدنا ضررا أو فسادا أو شرا فليس ذلك من الشريعة فى شىء، وإذا وجدت المنفعة والمصلحة العامة والخير المطلق فلاشك أنها الشريعة وهى محل رضا الله، فهل بذلك الاستطراد غير الممل نكون قد أدركنا ما عناه ابن القيم، عندما كتب تحت عنوان «بناء الشريعة على مصالح العباد فى المعاش والعباد»، فقال: «هذا فصل عظيم جدا، وقع بسبب الجهل به غلط عظيم على الشريعة أوجب من الحرج والمشقة وتكليف ما لا سبيل إليه ما يعلم أن الشريعة الباهرة التى هى فى أعلى رتب المصالح لا تأتى به، «يقصد أن الشريعة لايمكن أن تسبب ذلك الغلط الذى يظهر فى دعاوى بعض المتدينين»، فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحِكم ومصالح العباد فى المعاش والمعاد، وهى عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة وإن أُدخلت فيها بالتأويل. هذا ما قرره الفقيه الحنبلى السلفى ابن القيم وذلك مما فهمه من مُحكم القرآن ومن صحيح الحديث النبوى ومما تعلمه من إمام الحنابلة فى ذلك القرن الإمام ابن تيمية.

 

(3)

 

وقد أنزل الله دينه بمقوماته الثلاثة ــ العقيدة والشريعة والأخلاق دينا عاما يصلح لتجميع كل البشر حوله ــ إذا أرادوا ــ فالعقيدة شأن فردى خاص، وعلاقة مباشرة بين العبد وربه لذلك جعل الله العقيدة لا تفرض ولا تختبر، بل تبقى سرا خاصا بين العبد وربه، ونعى القرآن على النفاق والمنافقين لأنهم يظهرون غير ما يبطنون، بغير داع حيث إن الإسلام لا يفرض عقيدته على أحد، فلا سبب ولا معنى للنفاق، حيث لا توجد سلطة تكره الناس على عقيدة بعينها وهكذا نرى العقيدة سببا من أسباب استقرار المجتمع، حيث إن احترام كل إنسان لعقيدته الخاصة يفرض عليه احترام عقائد الآخرين يقول تعالى (وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، فالعقيدة مهما كانت هى سببا من أسباب الاستقرار.

 

أما الشريعة فهى مجموعة القواعد التى تيسر تقارب البشر وتعاونهم على تيسير الحياة وتحسينها، وتحفظ لكل فرد حقوقه، كما أنها تكيل بمكيال واحد للمؤمنين بها وغير المؤمنين بها، فهى شريعة لا تخيف ولا تعطى لفئة حق الاستعلاء على غيرها، وخلاصة الشريعة أنها إنجاز ضرورات الناس والحفاظ على مصالحهم وتحصين حقوقهم من العدوان، فلا بد وأن يعرضها أهلها للغير كما أنزلها الله: شريعة عدل ومساواة شريعة دافعة للتقدم والخير، مانعة للخراب والشر.

 

وأما الأخلاق وهى الركن الأخير فى منظومة الإسلام فإنها القيم الفارقة بين المؤمنين وغيرهم، وهى مسئولية شديدة الثقل، حيث يعيش المسلم حياته مسئولا عن ضرب المثل وإظهار حقيقة أخلاق الإسلام مهما تحمل فى سبيل ذلك من الأهوال، فإذا وجدت أمامك مشروعا حياتيا ينتسب للشريعة فدليل انتسابه للشريعة هو اعتماده على العدل والمساواة والمصلحة والنمو والسعى نحو الكمال، فإذا رأيت المشروع بغير هذه الصفات فأنت أمام أحد احتمالين إما أن المشروع مغلوط أو شابه التقصير أو التحريف أو الاندفاع، وإما أن نوعا من الموانع والعقبات حالت بينك وبين حسن التقدير فابحث واجتهد عن الحق أينما كان.

 

 

 

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved