فى مواجهة المهيمنين!

عمرو حمزاوي
عمرو حمزاوي

آخر تحديث: الخميس 22 يناير 2015 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

يصعب أن تخطئ العين رؤية صراع الأفكار الدائر اليوم فى مصر، ويستحيل أن يتجاهل العقل التنازع المستمر تحت لافتات كالدولة الوطنية والاستقرار وحقوق الإنسان والحريات والتحول الديمقراطى والمواطنة والإصلاح الدينى والعدالة الاجتماعية.

وفى كل هذا، يظهر بجلاء شديد حضور أصوات وأقلام ونخب اقتصادية ومالية وإعلامية وحزبية ذات خلفيات يمينية ويسارية متنوعة، ويجمعها تأييد/ موالاة منظومة الحكم/ السلطة الراهنة ومساندة الخروج على مسارات التحول الديمقراطى، وتكثر من استدعاء الدولة الوطنية ومقتضيات الدفاع عنها وتسعى بذلك للترويج بين قطاعات الرأى العام للارتباط العضوى بينها وبين بقاء الدولة وتماسك مؤسساتها وأجهزتها وتنزع عن الأصوات والأقلام الأخرى شرف المزج بين الانتصار للدولة الوطنية وبين رفض الخروج على الديمقراطية، وقد يهتم بعضها بالمظالم والانتهاكات المتراكمة ويطالب بإيقافها واستعادة سيادة القانون أو يتخوف من طغيان الأمنى على السياسى والمجتمعى ويدعو إلى تنشيط الحياة السياسية والتنافس الحزبى عبر بوابتى الانتخابات البرلمانية ثم الانتخابات المحلية.

بجانب الاستدعاء الممنهج للدولة الوطنية، تحاول هذه الأصوات والأقلام والنخب جاهدة احتكار حق الحديث العام باسم لافتات ومفاهيم إضافية كالاستقرار والمواطنة والعدالة الاجتماعية والتقدم، وتوظف هيمنتها على الكثير من المساحات الإعلامية عبر التحالف مع منظومة الحكم/ السلطة وعبر قدراتها الاقتصادية والمالية لتثبيت صورة ذهنية لها بين الناس مفادها أنها الوحيدة القادرة على دفع مصر باتجاه «بناء ديمقراطى تدريجى» تراه هى «مشروعا للمستقبل» غير القريب بالضرورة.

كما أن هذه الأصوات والأقلام والنخب توظف ذات الهيمنة لتمحو من ذاكرة الرأى العام كونها صمتت طويلا على المظالم والانتهاكات، وكونها مازالت تتعامل معها بالعديد من المعايير المزدوجة وتتجاهل النقاش المنظم لقضايا العدالة الانتقالية، وكونها تقبل هيمنة المكون العسكرى ــ الأمنى على شئون المجتمع والدولة دون بحث عن صيغة ديمقراطية حقيقية، وكونها تنزع عن السياسة مضمونها الأصيل كنشاط سلمى وحر وتعددى يستهدف تداول السلطة وتكتفى بمشاهد المنافسات الحزبية والانتخابية، وكونها لا تمانع فى أن يتواجد بين صفوفها من يمتهنون سيادة القانون والحقوق والحريات بالترويج لهستيريا العقاب الجماعى ومن يختزلون المواطنة فى طائفية معكوسة ومن يبتذلون الإصلاح الدينى فى جزئيات تعجز عن إقرار حتمية الفصل بين الدين والدولة وبين الدين والحكم/ السلطة بتواكب مع فصل بين الدين والسياسة ومن يقضون على المصداقية الأخلاقية والمجتمعية لمفاهيم كالديمقراطية والليبرالية «بخدمتهم» ﻷهداف الحكام وتبريرهم للسياسات الرسمية واستتباعهم من قبل أصحاب الأموال والثروات.

فى مواجهة هذه الأصوات والأقلام والنخب ذات الهيمنة الراهنة على المجال العام والمساحات الإعلامية، يبدو البديل الوحيد أمام الأصوات والمجموعات المدافعة عن مزج آخر بين بقاء الدولة الوطنية وبين الديمقراطية عماده حقوق وحريات المواطن دون تمييز ودون خوف من قمع أو تعقب، وتسامح المجتمع وسلمه الأهلى وحيوية تنظيماته الوسيطة، وعدل مؤسسات وأجهزة الدولة، ومجال سياسى حقيقى ينجز الالتزام بسيادة القانون وتداول السلطة والفصل بين الدين وبين الدولة والحكم/ السلطة والممارسة السلمية الفردية والجماعية للسياسة متمثلا فى تفكيك لافتات ومفاهيم ومضامين «المهيمنين»، وفى الاقتراب اليومى من الناس لإقناعهم بفساد تبرير الخروج على الديمقراطية وبإمكانية الدمج بين استعادة مسارات التحول باتجاهها وبين الدفاع عن الدولة الوطنية العادلة والقوية، وفى الاستدعاء المنظم ــ دون استعلاء أو احتكار مضاد ــ للروابط الإيجابية بين مفاهيم الدولة والعدل والحقوق والحريات والمواطنة والتسامح والتنمية والتقدم والليبرالية المساندة لبناء الديمقراطية، وفى صياغة رؤية متكاملة لمصر المواطن والمجتمع والدولة فى الحاضر والمستقبل.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved