أخطر من موضوع الغاز الإسرائيلى

محمد المنشاوي
محمد المنشاوي

آخر تحديث: الخميس 22 فبراير 2018 - 10:45 م بتوقيت القاهرة

على إثر خروج أخبار تناقلتها كبرى وكالات الأنباء العالمية مثل رويترز وبلومبرج أكدت على توقيع اتفاقات مدتها عشر سنوات لتصدير ما قيمته 15 ‏‏مليار دولار من الغاز الطبيعى الإسرائيلى إلى شركة دولفينوس المصرية، من القاهرة خرجت بيانات رسمية فى اتجاهين. أولها يقلل من أهمية الاتفاق وتنفى موافقة مصر على استيراد الغاز الإسرائيلى، مؤكدة أن مصر ستحقق الاكتفاء الذاتى من الغاز الطبيعى قبل نهاية هذا العام. وثانيها يذكر أنه فى حال توقيع أية شركة خاصة اتفاقية لتصدير أو استيراد الغاز، عليها أن تأخذ موافقة من جهاز تنظيم سوق الغاز، وهو ما لم يحدث، مشيرا إلى أنه يمكن لأى ‏شركة أن تستورد الغاز، وتصديره لأى دولة أخرى.‏ ومن القدس المحتلة خرج رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو فى كلمة متلفزة محتفيا باتفاقية تصدير الغاز لمصر، وقال نصا «إنه يوم عيد» وأضاف «أرحب بهذه الاتفاقية التاريخية المعلن عنها توا لتصدير غاز طبيعى إسرائيلى إلى مصر». ولم ينس نتنياهو أن يؤكد لشعبه الإسرائيلى أن الاتفاقية ستدخل المليارات إلى خزينة الدولة الإسرائيلية، وستصرف هذه الأموال لاحقا على التعليم والخدمات الصحية والرفاهية لمصلحة المواطنين الإسرائيليين. كذلك خرج بيان من سفارة إسرائيل بالقاهرة رحبت فيه بتوقيع اتفاقية تصدير الغاز الإسرائيلى إلى مصر. وقالت السفارة إن «الاتفاقية التاريخية التى وقعت يوم الاثنين سوف تدعم العلاقات الاستراتيجية بين مصر وإسرائيل».

***

وبعيدا عن فنيات الموضوع والأبعاد المالية والاقتصادية المتعلقة به، لم يتطرق كثيرون لما هو أكثر خطورة ويرتبط بالبعد السياسى لهذه الصفقة التى لم تتم فى فراغ، بل تمت فى ظروف محيطة يعتبرها الكثيرون بدايات تمهد لمخاطر عاجلا أو آجلا فيما يتعلق بعلاقات مصر مع عدوها التاريخى إسرائيل. وبصورة عامة لا يكاد يمر أسبوع إلا وتخرج علينا صحف إسرائيلية، أو يخرج مسئولون إسرائيليون بصور مباشرة أو من خلال تلميحات وتسريبات متنوعة لتذكرنا جميعا بعمق التعاون الأمنى بين القاهرة وتل أبيب خاصة فيما يتعلق بسيناء، وهو ما يقابله صمت رسمى مصرى لا ينكر ما يُكتب فى أغلب الأحيان. وتهدف إسرائيل من جانبها لتعويد وتطبيع الرأى العام المصرى على جديد وحميمية العلاقات الثنائية المصرية الإسرائيلية. وبعدما شهدت مصر خلال السنوات الأخيرة أنماطا غريبة دخيلة على علاقتها بإسرائيل التى ارتضى أغلبية الشعب المصرى ألا تتخطى حالة «السلام البارد»، أصبحت دوائر صنع القرار الأمريكى تمتدح أحيانا عمق التعاون الأمنى غير المسبوق بين القاهرة وتل أبيب، وتنتقد فى أحيان أخرى عدم مشاركتها وتهميشها فى ملفات التعاون الاستراتيجى بين مصر وإسرائيل. ومن الواضح أن مسار العلاقات المصرية يأخذ مسارا تصاعديا لم يحلم به أكثر الإسرائيليين تفاؤلا وبدا ذلك بوضوح فى خطوات مصرية غير مسبوقة منها على سبيل المثال لا الحصر عدم اتخاذ مواقف متشددة سواء من واشنطن أو تل أبيب بعد قرار ترامب نقل سفارة بلاده للقدس، وقبل ذلك كان هناك خطوة سحب مشروع القرار المصرى فى مجلس الأمن الدولى الذى يدين سياسات الاستيطان الإسرائيلية فى الضفة الغربية، ومن قبل ذلك محاولات مصرية مستمرة لتوسيع إطار اتفاقية الكويز، وهى التى تشترط دخول مكون إسرائيلى نسبته 10.5% فى الصادرات المصرية للولايات المتحدة كى تتمتع بإعفاءات جمركية واسعة، وهناك جهود لتشمل تصنيع وتصدير المنتجات الغذائية بعدما سيطرت على صناعة المنسوجات والملابس. وقبل هذا وذاك كانت هناك زيارة غير مسبوقة قام بها البابا تواضروس للقدس لتقديم واجب عزاء!

وتعكس كل هذه التطورات الجديدة واقعا جديدا لم تعد معه إسرائيل تتربع، أو تتواجد فى بعض الأحيان حتى، على سلم تهديدات الأمن القومى المصرى.

***

على مدى العقود الأربعة الماضية ومنذ زيارة الرئيس السابق أنور السادات للقدس، وكذلك خلال عهد الرئيس حسنى مبارك، شهدت العلاقات الإسرائيلية ــ المصرية مدا وجزرا، واليوم لا تشهد هذه العلاقات إلا المد. لقد أثبتت تجربة أكثر من أربعين عاما من السلام بين مصر وإسرائيل رفضا كبيرا على المستوى الشعبى أو الفنى أو الثقافى. وعلى الرغم من ذلك لا تتوقف الجهود والضغوط من تحالف «أصحاب السلطة» و«أصحاب المال» لإرغام الشعب المصرى على قبول واقع جديد لا يكترث بأى حقوق أصلية لشعب اغتصبت أراضيه من استعمار استيطانى، وقتلت آماله فى التمتع بما ينعم به كل شعوب العالم من الحق فى دولة.

تاريخيا وعلى الرغم من هزائمها العسكرية المدوية أمام إسرائيل، التزمت الدول العربية، ولو شكليا، بشروط الحقوق الفلسطينية والدولة الفلسطينية على حدود ما قبل 1967، قبل دخولها فى أى مفاوضات سلام مع إسرائيل. إلا أن ربط النخب السياسية المصرية العربية الجديدة بمراكز القوة التقليدية فى عالم المال والأعمال فى واشنطن وما ورائها بما يمهد لواقع جديد يتجاهل شروط الانسحاب الكامل من الأراضى العربية المحتلة عام 1967، والتوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين يُتفق عليه وفقا لقرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة رقم 194 مقابل تطبيع الدول العربية علاقاتها مع إسرائيل. من خلال أخبار كصفقة الغاز الأخيرة وغيرها، يحاول المطبعون الجدد استغلال حالة الضعف العربى غير المسبوق من أجل فرض واقع جديد لا يعرف فيه الأطفال والشباب المصرى والعربى أى ثوابت أو حقوق يجب الحصول عليها كشروط تمثل الحد الأدنى الذى لا يجب التنازل بشأنها قبل التأسيس لعلاقات مع إسرائيل.

***

وهكذا نشهد اليوم أخطر مراحل الدفع المتعدد المنصات تجاه تبنى خطوات وسياسات تطبيعية تتجاوز كل ما سبق. ويمكن بسهولة رصد منصة واشنطن وما يجرى فيها وما يخرج منها فى هذا الاتجاه خاصة ما يتعلق بجهود اللوبى الإسرائيلى الداعم لبعض النظم العربية التطبيعية، وهناك منصة الهرولة التى يهرع إليها بعض الحكام العرب الجدد مستغلين حالة رسم خريطة تحالفات جديدة بالمنطقة والتى لا تعنيهم فى شىء طالما لا تقترب من كراسى حكمهم، إلا أن الخطر الأكبر على الذاكرة الجمعية العربية هو ما تقوم به نظم حاكمة من خلال منصة التعليم العربى، إذ تشهد مناهج تعليمية عربية مختلفة جهود لا تتوقف من أجل فرض واقع مزيف جديد يحجب عن الأجيال الجديدة من أطفال وشباب العرب حقائق بديهية تاريخية وينقل الأعداء لخانة الحلفاء والأصدقاء.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved