موقعة عرب شركس.. أسئلة ضرورية

عبد الله السناوي
عبد الله السناوي

آخر تحديث: السبت 22 مارس 2014 - 6:35 ص بتوقيت القاهرة

موقعة «عرب شركس» تومئ إلى حرب طويلة ومنهكة مع الإرهاب مرشحة أن تمتد إلى مواجهات أخرى وتضحيات جديدة.

سقطت خلية لكن هناك خلايا أخرى تتوافر لديها ذات مستويات التسليح والتدريب والخطط التى تستهدف حياة ضباط وجنود ومواقع أمنية وعسكرية ومنشآت حيوية.

سقوط خلية مهما بلغت خطورتها لا يعنى أن كل الخلايا سقطت وأن الحرب مع الإرهاب توشك أن تعلن نهايتها.

الموقعة شهادة للأمن بأنه قد تعافى نسبيا واتسعت قدرته على الملاحقة والتعقب والمبادرة لكنها مجرد جولة فى حرب مفتوحة.

صورة وكر «عرب شركس» أقرب إلى معسكر بدائى كدست فيه أطنان المتفجرات والسيارات المفخخة والأحزمة الناسفة والأسلحة الآلية. الصورة نفسها تنبئ عن عنف كامن فى أماكن مجهولة مرشح للانفجار فى أية لحظة.

المواجهة مع تنظيم لا خلية.. مع عقل يفكر ويدبر لا مع يد تضرب وتدمر.

السؤال الأول فى ملف السلاح الذى تدفق على مصر بلا توقف أو حد على مدى فترة طويلة نسبيا: ما حقيقة ما جرى من تهريب وكيف تزاوجت حسابات تجارة السلاح وحسابات أخرى هدفت إلى تقويض الدولة فى مصر.. من وفر التمويل المالى والدعم اللوجيستى وأجرى تفاهماته مع منظمات العنف والإرهاب؟

السؤال فى السياسة قبل الأمن والإجابة فى المعلومات لا التكهنات، فتهريب السلاح من ليبيا قصة ومن السودان قصة ثانية ومن غزة قصة ثالثة، فى كل قصة أسرار وصراعات خلف الحدود.

أية دولة تدخل حربا ضارية مع الإرهاب على النحو الذى يجرى فى مصر الآن تحتاج أن تبنى خططها فى المواجهة على معلومات متيقن منها لا استنتاجات تطلق فى الهواء بعصبية رد الفعل.

والسؤال الثانى: من يتحمل مسئولية استباحة الحدود أو أن تكون «اوتوسترادات دولية مفتوحة» لتهريب السلاح؟

قبل أن نحاسب أية أطراف إقليمية ودولية فإن هناك من يستحق أن نحاسبه هنا لنعرف عن يقين أوجه الثغرات السياسية والأمنية التى مكنت الإرهاب من أن يتسلح ويتقوى ويتمركز ويضرب.

الإجابات العامة لا تؤسس لمواجهة جدية مع الإرهاب ومصادر سلاحه وتمويله وقد تعفى إهمالا فادحا لمسئول أو تورطا مقصودا من مسئول آخر.

الحرب فى أولها ومعاركها قد تتصل لفترة طويلة نسبيا. لا حرب بلا شهداء وضحايا ولا حسم بلا مواجهة مع النفس قبل الآخرين لاكتشاف الثغرات وأوجه الخلل ومن بينها الاستهتار بوحدة الجبهة الداخلية أو أن يظل الظهير الشعبى موحدا ومتماسكا وأن تكون هناك قواعد قانونية تحترم فى التحولات الجارية.

والسؤال الثالث: ما حقيقة التنظيم الذى تنسب إليه العمليات الإرهابية فى الداخل المصرى؟

التنظيم تقنياته تنتسب إلى مدرسة «القاعدة» فى استخدام السيارات المفخخة والأحزمة الناسفة ومستويات تدريبه أعلى مما يمكن أن ينسب لجماعة الإخوان. تمركزه الأصلى فى سيناء لكنه وجد فى المناخ السياسى ما يساعده على تمركز جديد فى الداخل المصرى ومن يدعمه ماليا ولوجستيا وتسليحيا.

فى سيناء وجد التنظيم نفسه مضغوطا تحت تأثير الملاحقات العسكرية لقياداته وعناصره وفى الداخل تبدت فرصته فى إلحاق ضربات انتقامية لمؤسسات القوة فى محاولة لهز الثقة العامة فيها.

ما طبيعة العلاقة إذن ما بين تنظيم «أنصار بيت المقدس» وجماعة الإخوان المسلمين؟

الجماعة نفت لعقود طويلة أية صلة لها بعنف أو إرهاب والتطور الأسوأ فى تاريخها كله أن تنخرط فى تحالف ضمنى مع جماعة تكفيرية وأن تدمغ نفسها قبل أن يدمغها الآخرون بالإرهاب.

السؤال هنا: ما حدود التحالف؟.. وماذا يريد كل منهما من الآخر؟

الجماعة والتنظيم يطلبان تقويض الدولة أو إرهاقها بالعنف والإرهاب ومنع استكمال مؤسساتها الدستورية وتعافى اقتصادها لكن لأسباب مختلفة. الأولى لاستعادة حكم أضاعته بحماقات لا مثيل لها فى التاريخ والثانى من أجل بناء إمارة إسلامية على النمط الأفغانى.

معنى أن تكون هناك صلة تحالف بأية درجة كانت هو التطور الأخطر فى قصة الحرب مع الإرهاب، فالتحالف يوفر غطاء سياسيا للقتل المنهجى للضباط والجنود.

فى التداخل ما بين عمليات الإرهاب والاحتجاجات التى دأبت عليها الجماعة من حيث الأهداف والشعارات ما يدمغ الأخيرة بالإرهاب.

فى توقيت موقعة «عرب شركس» إشارة إلى هذا التداخل، فالعمليات التى قالت وزارة الداخلية إنها أجهضتها كان موعدها يوم (١٩) مارس، وهو يوافق اليوم الذى استفتى فيه المصريون على التعديلات الدستورية قبل ثلاث سنوات. أنصار الجماعة دعوا للتظاهر والتمرد فى هذا اليوم ولوحوا بشل الحياة. المظاهرات بدت محدودة لكنها عنيفة ورفع لأول مرة علم القاعدة فى جامعة القاهرة.

رمزية علم القاعدة تنطوى على دعم للعنف والإرهاب وتأييد لعملياته.. ورمزية اليوم نفسه (١٩) مارس تنطوى على استدعاء ذكرى استفتاء وصفت نتائجه بـ«غزوة الصناديق».

ربما نحتاج إلى الطب النفسى لمعرفة الأسباب التى استدعت هذا اليوم من ذاكرة التاريخ القريب إلى «عرب شركس»، أو أن يرتبط فعل الاستفتاء بفعل التفجير مع رفع علم القاعدة فى أعرق الجامعات المصرية. لم يكن الهدف هو التأكيد على شرعية التعديلات الدستورية فقد نسخت باستفتاء آخر على دستور وضعه الإخوان المسلمين أنفسهم بقدر ما كان محاولة إقناع الذات بأن أغلبيتها مازالت كاسحة على النحو الذى بدت عليه فى نتائج الاستفتاء وأن الجماعة رغم كل الشواهد تحافظ على ظهيرها الشعبى كما هو.

هذه أزمة جماعة لم تدرك أسباب تراجعها ولا كيف خسرت السلطة ومجتمعها وتورطت فى تحالف شبه معلن مع جماعات تكفيرية.

كيف بدأ التحالف وما تفاهماته الرئيسية؟

الإجابة ليست بالسهولة التى تطرح بها الأسئلة، فما هو غاطس تحت الأرض أكبر مما هو ظاهر. الاسئلة تجلو وتنير: هل هناك الآن تنظيما خاصا جديدا داخل الجماعة؟.. متى نشأ بالضبط؟.. وهل معرفته تقتصر على المجموعة القطبية التى تمسك بزمام الجماعة؟

التحالف بدأ قبل خروج جماعة الإخوان المسلمين من السلطة.. لكن متى بالضبط؟

ما مدى تورط الرئيس السابق فى تسهيل تمركز تنظيم «أنصار بيت المقدس»؟

ربما راهنت قيادة الجماعة على ردع المؤسسة العسكرية عن التدخل ضدها باستخدام ورقة التلويح بالإرهاب. الرئيس السابق نفسه لوح بالورقة ذاتها على ما قال فى آخر خطاباته ومنصة «رابعة العدوية» هددت بـ«حرق مصر».

بالنظر إلى حجم السلاح فإن الحرب الأهلية كانت مؤجلة، فلا يمكن أن يحوز طرف ما مخازن سلاح وأنصارا مدربين ولديه عقائده وتصوراته ثم يضع على المخازن مغاليقها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved