رهانات الحوار الوطنى

عبد الله السناوي
عبد الله السناوي

آخر تحديث: الثلاثاء 22 مارس 2016 - 10:30 م بتوقيت القاهرة

للحوار الوطنى رهاناته التى لا يصح التقليل من شأنها فى إذابة كل جليد وخفض أى احتقان.

لا يمكن تجاوز تلال المشكلات المستعصية بلا توافقات عامة تدرك طبيعتها وأسبابها وسبل مواجهتها.

الاعتراف بالأزمة خطوة أولى فى بناء التوافقات الممكنة، وإدراك خطورتها على المستقبل المصرى خطوة ثانية لتجنب أى انزلاق إلى المجهول، والانفتاح على كل رأى بلا إقصاء خطوة ثالثة على قاعدة «الشرعية الدستورية»، وتصويب الخلل العام خطوة أخيرة تستلزم إجراءات تبث الثقة فى مجتمع محبط.

بيقين فإن التوجه الرئاسى لجولات متتابعة من الحوار الوطنى خطوة صحيحة فى توقيتها وأهدافها بالنظر إلى أحجام التحديات والمخاطر.

التوافق الوطنى بوليصة تأمين سياسية ضد أية مخاطر محدقة تهدد البلد فى مستقبله.

هذه حقيقة لا يصح التفريط فيها.

بلا توافق فإن كل السيناريوهات مفتوحة على الخطر وبلا بوصلة فإن مصير البلد معلق على مجهول.

الحوار بذاته يرفع منسوب الأمل فى بلد لا يحتمل إخفاقا جديدا.

هناك فارق بين الأمل والوهم.

الأول، رهاناته تستدعى إجراءات تصلح ما تهدم وتلهم التغيير.. والثانى، تحليق فى الفراغ يستنزف مصداقيته بأسرع من أى توقع.

ما تحتاجه مصر أن تقف على أرض صلبة، تحاور نفسها بجدية فى كل الملفات الملغمة، تفتح المسام المسدودة وتصحح مواطن الخلل فى السياسات والممارسات.

بقدر وضوح الأهداف يمكن لمصر أن تدخل مسارا سياسيا ملهما ومقنعا بقدرته على تلبية احتياجات مواطنيه وإنهاء كل المظالم السياسية والاجتماعية.

وبقدر اتساع النظر إلى كل تنوع فكرى لا يرفع سلاحا فى وجه مجتمعه ولا يحرض على عنف فإنه يمكن إفساح الطريق أمام المستقبل.

أهمية أى حوار وطنى فى مدى استجابته لحقائق عصره فى بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة على ما تطلعت مصر فى ثورتين دون اختراق حقيقى يتناسب مع حجم تضحياتها.

مصر لا يمكن أن تعود للوراء ولا تحكم على ذات الطرق القديمة.

هذه حقيقة لا يمكن دحضها.

من مهام أى حوار وطنى جدى تثبيت الدولة وفق القواعد الدستورية، دولة قانون تحترم مواطنيها ولا تجور عليهم، تحارب الإرهاب ولا تسمح بأية ثغرات اجتماعية وسياسية تمكنه من أن يضرب ويتمدد ويهدد وجودها نفسه.

ذلك يستدعى بناء استراتيجية متماسكة لمكافحة الإرهاب واستعادة الثقة فى الأمن تستند على إصلاح جهازه وفق القواعد الحديثة التى نص عليها الدستور.

إذا امتد الحوار إلى آخره دون توقف فى منتصف الطريق فإن إصلاح مؤسسات الدولة الأخرى قضية لا تحتمل أى تأجيل إضافى.

صراعات الأجهزة الأمنية مأساة وأزمات مؤسسة العدالة مأساة ثانية وتصدع الجهاز الحكومى مأساة ثالثة.

صدقية الحوار فى جديته وما يصدر عنه من إجراءات تحارب الفساد وترفع شأن العدل الاجتماعى وترد كرامة المواطن العادى وفق قواعد دولة القانون.

بتعبير الرئيس «عبدالفتاح السيسي»: «لا أقبل الظلم وسأعفو عن دفعات جديدة من المحبوسين».

التعهد الرئاسى إشارة إيجابية لانفتاحه على المطالب المشروعة للأجيال الجديدة وقطاعات واسعة من الرأى العام وداخل النخب السياسية والثقافية لكنها تحتاج إلى ما يعززها من إجراءات، فالعبارة بنصها ذكرت فى معرض أحاديث سابقة.
من المتوقع أن تشمل الإفراجات أسماء أثار توقيفها تساؤلات خطيرة حول الحريات العامة فى مصر وما تشهده من تضييق غير مسبوق.

كما من المتوقع خلال الأيام المقبلة أن تعود إلى القاهرة بترتيب رئاسى خاص بعض الشخصيات الإعلامية التى تورطت فيما لا يصح التورط فيه من التحاق بفضائيات فى استنبول تناهض (٣٠) يونيو ومن بينهم الإعلامى «طارق عبدالجابر» الذى يعانى من مرض عضال فى مستشفى بالعاصمة اليونانية أثينا.

تلك خطوة لا شك فى أهميتها الرمزية، فمن حق كل مصرى أن يعود إلى بلاده آمنا على نفسه طالما لا يحض على عنف وإرهاب.

بقدر ما يصاحب جولات الحوار الوطنى إجراءات تستجيب للانتقادات المشروعة تتأكد الثقة العامة فى القدرة على التصحيح الذاتى.

بحسب تعبير آخر للرئيس «السيسى» فى لقاء مفاجئ مع بعض الدارسين بالبرنامج الرئاسى لإعداد القادة: «الأمن لا يكون على حساب حقوق الإنسان».

الصياغة بنصها تطور إيجابى يتطلب حوارا جديا يحل معضلة الأمن والحرية، أو كيف نحارب الإرهاب دون تغول على الحريات العامة؟

بترجمة أخرى، كيف نوفر الغطاء الشعبى للأمن فى حربه مع الإرهاب دون التنكيل بحق أى مواطن فى الكرامة الإنسانية؟

قضية الشباب لها أولوية خاصة، فلا مستقبل دون مصالحة مع الأجيال الجديدة وحوارات معهم بلا وصاية.

الإفراج عن المحبوسين وفق قانون التظاهر خطوة ضرورية لإصلاح كل ما تهدم من ثقة.

من الضرورى تعديل قانون التظاهر وفق ملاحظات المجلس القومى لحقوق الإنسان وسرعة إصدار مشروع قانون «الصحافة والإعلام الموحد» الذى توافقت عليه الجماعة الصحفية والإعلامية بكل مكوناتها حتى يمكن تأسيس نظام إعلامى جديد يضمن الحرية والمهنية والمسئولية ويمنع أى تفلت أخلاقى وسلوكى أفسد المجال العام.

الرئيس نفسه أعلن، وفق صحيفة «الأخبار» التى تابعت لقاؤه مع شباب البرنامج الرئاسى أن «التشريعات ستضبط حالة الفوضى الإعلامية».

مع كل إجراء سياسى ممكن ترتفع مستويات الثقة العامة.

رهانات الحوار الوطنى مركزها هنا بالضبط.

نصف السياسة كلام ونصفها الآخر التزامات.

جدية أى حوار فى التزاماته كما فى اتساعه لكل رأى.

بقدر ما يتسع الحوار يرتفع منسوب زخمه.

تقبل النقد يضيف إلى الرئاسات ولا يسحب من رصيدها والقدرة على التصحيح الذاتى من مقومات تثبيت النظم أمام أية عواصف محتملة.

عندما تتزاحم الأزمات فإن فتح القنوات السياسية بالحوار يحصن البلد بالتوافق.

بجملة واحدة تحتاج مصر إلى خريطة طريق جديدة تنزع أية ألغام محتملة، تراجع وتصوب وتتقدم إلى الأمام بثقة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved