محصول القمح ومخزون القبح

وائل قنديل
وائل قنديل

آخر تحديث: الإثنين 22 أبريل 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

يلفت النظر فى موضوع ارتفاع إنتاجية مصر من القمح إلى عشرة ملايين طن هذا العام، أن الخبر الذى يقترب من حدود الإعجاز نشر، أول ما نشر، على صفحة وزير التجارة على «فيس بوك» دون أن يهتم به أحد، حتى ظننت أنه حساب مزيف باسم الوزير، أراد به أحد الخبثاء أن يمزح.

 

وكان سؤال القمح هو ما يشغلنى حين شاركت فى لقاء مع رئيس الجمهورية أمس الأول بدعوة من أعضاء جبهة الضمير، حيث تطرق الرئيس إلى الموضوع فى سياق شرحه لمعطيات الأوضاع الحالية، مشيرا إلى مجموعة من الأرقام ذات الدلالات الخطيرة فى معركة مصر لامتلاك خبزها بعد الثورة، حيث أنتجنا خمسة ملايين ونصف المليون طن قمحا عام ٢٠١١، ارتفعت إلى سبعة ملايين ونصف المليون طن فى ٢٠١٢، ثم قفزت إلى ما بين تسعة ونصف إلى عشرة ملايين طن هذا العام.

 

دلالة ذلك أن مصر بعد ثورة يناير قررت دون شعارات ولا أناشيد وطنية حماسية أن تمارس فعل التحرر الغذائى، وفى الظروف بالغة الصعوبة أمنيا ومجتمعيا فى أول عامين بعد الثورة كان هناك فلاحون يبدعون فى صمت ويعزفون لحن الكرامة، غير عابئين ببارونات الكلام والسفسطة وزُراع الغل والكراهية.

 

وطبيعى للغاية أن خبرا سارا يفتح نوافذ الأمل والتفاؤل مثل هذا لن يكون له مكان فى إعلام العبوات الحارقة، ولن يلاقى اهتماما من أولئك الذين يعتبرون تصنيع عبوة مولوتوف أو قنبلة مونة أهم كثيرا من محاولة تصنيع جهاز «التابلت» المصرى، أو حتى تجميعه فى مصانع مصرية بمساهمة مكونات مصرية.. فهؤلاء منشغلون بزيادة مخزون القبح، أكثر من انشغالهم بارتفاع محصول القمح.

 

غير أن ما يدعو للعجب والذهول أن حدثا بحجم وصول مصر إلى نحو ٧٥ فى المائة من الاكتفاء الذاتى من القمح لم يجد له مساحة فى إعلام الدولة الرسمى، وكأنه إعلام يستهدف جمهورا فى أقصى القطب الشمالى أو سكان الأوقيانوس، فلم نسمع أن نقاشا بدأ بشأن تحليل أسباب هذه القفزة الرائعة، ولم نشاهد حوارا يبحث فى الإجراءات اللازمة لحماية هذا الانتصار الوليد والمحافظة عليه من عبث الذين يطلقون الرصاص على سنابل الحلم فى وجدان المتطلعين إلى حياة أفضل وأهدأ. وبالفعل يحتاج هذا الانتصار إلى رعاية وحماية، وقد شعر من حضروا لقاء الرئيس بالارتياح حين وجدناه على دراية تامة بما يُحاك فى الخفاء والعلن لوأد حلم القمح، فتحدث عن العصابات المتربصة بالزارعين فتعرض عليهم سعرا أعلى من سعر التوريد للصوامع الحكومية، لتخزينه وحرقه، حيث كشف الرئيس عن أنه أمر الجهات المعنية بالذهاب إلى الفلاحين فى أماكن الحصاد وتسليمهم مستحقاتهم المالية لحظة تسلم المحصول منهم كى لا تبقى هناك ثغرة ينفذ منها سماسرة التجويع والخراب.

 

وهى معركة الشعب والجيش والشرطة، ولذلك كان مطلوبا أن يجدد الرئيس مرة أخرى التأكيد على أن قيادة القوات المسلحة لها كل الاحترام والدعم وتمارس عملها كأفضل ما يكون، وأن حديث الوقيعة بين مؤسسة الرئاسة والمؤسسة العسكرية لا أصل له على الإطلاق.

 

واستمر الحديث فى اتجاه ضرورة توفير كل سبل الدعم والحماية للفلاح فرد الرئيس بأن فى قضية دعم السولار نشأت مشكلة كيفية تطبيق قواعد الدعم على ماكينات مياه الرى فأمر باعتبار كل صاحب حيازة زراعية لديه ماكينة رى تستحق السولار بالسعر المدعوم.

 

ويبقى أن على الرئيس أن يتابع موضوع إعفاء أصحاب القروض الصغيرة من بنك التنمية والائتمان الزراعى من ديونهم، ذلك أن «البعض» يشكو من غياب قواعد العدالة والشفافية فى تطبيق القرار الرئاسى. أظن أنها أم المعارك فى مصر الآن أن نحصن فرحتنا بالقمح بكل السبل للتصدى لمن يحاولون تدمير مصافى الحلم وقطع خطوط الإمدادات الموصلة للأمل فى مصر جديدة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved