هواية ُالتكفير

نادر بكار
نادر بكار

آخر تحديث: الثلاثاء 22 أبريل 2014 - 7:45 ص بتوقيت القاهرة

رجل بلغ من العمر أرذله يجلس على كرسى الفتيا مستمدا منه ومن فضاء المسجد الكبير حوله سمت وقار ٍمصطنع ؛ يكَفِر ُمسلما ويحل دمه ويجزم باستحالة توبته ثم يذهب إلى داره قرير العين قد بلغ الرسالة وأدى الأمانة وشفى غليل قلبه.. مشهد لا يختلف فى نكارته كثيرا عن الذى يسجل لنفسه الفيديو تلو الآخر يشحنه بعبارات السب والوعيد بأقذع الأوصاف بل وبالتكفير أيضا؛ وحول الاثنين يتحلق شباب يافع متحمس لدينه يحسب أنهما على الحق وما يعرف أى هلكة يقودانه إليها.. أما الأول فمن (الكويت) يقذف سمومه؛ وأما الثانى فمن (قطر).

وغيرة على دينى أن ينسب إليه ما ليس منه؛ أو أن يختلط على الشخص العادى فضلا على طالب العلم فيحسب جهل هؤلاء وتخبيطهم حقا؛ أحببت أن أسرد هنا بعض مقولات أهل العلم فى خطر إطلاق حكم التكفير ــ وانتبه إلى لفظة حكم لأن هذه النقولات لا تنفى أصل الحكم فى الشريعة بل هى فقط تضبطه ــ تشهد على فداحة الانحراف العقدى الذى نواجهه اليوم.

قال الشوكانى: «أعلم أن الحكم على الرجل المسلم بخروجه من دين الإسلام ودخوله فى الكفر لا ينبغى لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يُقدم عليه إلا ببرهان أوضح من شمس النهار، فإنه قد ثبت فى الأحاديث الصحيحة المروية من طريق جماعة من الصحابة أن «من قال لأخيه: يا كافر. فقد باء بها أحدهما».. ففى هذه الأحاديث وما ورد موردها أعظم زاجر وأكبر واعظ عن التسرع فى التكفير» السيل الجرار (4/578).

ويقول ابن حزم: «والحق هو أن كل من ثبت له عقد الإسلام، فإنه لا يزول عنه إلا بنص أو إجماع، وأما بالدعوى والافتراء فلا. فوجب أن لا يكفر أحد بقول قاله إلا بأن يخالف ما قد صح عنده أن الله تعالى قاله، أو أن رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ قاله، فيستجيز خلاف الله تعالى وخلاف رسوله عليه الصلاة والسلام، وسواء كان ذلك فى عقد دين أو فى نحلة أو فى فتيا، وسواء كان ما صح من ذلك عن رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ منقولا نقل إجماع تواترا أو نقل آحاد». الفصل فى الملل والأهواء والنحل (3/ 392).

ويقول القرطبى: «وباب التكفير باب خطير، أقدم عليه كثير من الناس فسقطوا، وتوقف فيه الفحول فسلموا» المفهم شرح مختصر مسلم (3/111)

وأما ابن تيمية فيقول: «فمن أخطأ فى بعض مسائل الاعتقاد من أهل الإيمان بالله وبرسوله وباليوم الآخر والعمل الصالح لم يكن أسوأ حالا من الرجل ــ الذى أوصى بإحراق نفسه ــ فيغفر الله خطأه أو يعذبه إن كان منه تفريط فى اتباع الحق على قدر دينه، وأما تكفير شخص علم إيمانه بمجرد الغلط فى ذلك فعظيم!

فقد ثبت فى الصحيح عن ثابت بن الضحاك عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «لعن المؤمن كقتله، ومن رمى مؤمنا بالكفر، فهو كقتله»، وثبت فى الصحيح: «أن من قال لأخيه يا كافر، فقد باء به أحدهما». الاستقامة (1/165)

وينقل ابن حجر الهيثمى كيف احتاط أئمة الشافعية فى باب التكفير كثيرا: «ينبغى للمفتى أن يحتاط فى التكفير ما أمكنه؛ لعظم خطره وغلبة عدم قصده، سيما من العوام، وما زال أئمتنا على ذلك قديما وحديثا» تحفة المحتاج فى شرح المنهاج (4/84)

ويقول ابن عابدين عن مذهب الحنفية: «فى الفتاوى الصغرى: الكفر شىء عظيم، فلا أجعل المؤمن كافرا متى وجدت رواية أنه لا يكفر.

وفى الخلاصة وغيرها إذا كان فى المسألة وجوه توجب التكفير، ووجه واحد يمنعه، فعلى المفتى أن يميل إلى الوجه الذى يمنع التكفير تحسينا للظن بالمسلم، زاد فى البزازية: إلا إذا صرح بإرادة موجب الكفر فلا ينفعه التأويل، وفى التتارخانية: لا يكفر بالمحتمل؛ لأن الكفر نهاية فى العقوبة، فيستدعى نهاية فى الجناية، ومع الاحتمال لا نهاية.

والذى تحرر أنه لا يفتى بكفر مسلم أمكن حمل كلامه على مجمع حسن، أو كان فى كفره اختلاف ولو رواية ضعيفة، فعلى هذا فأكثر ألفاظ التكفير المذكورة لا يفتى بالتكفير فيها، وقد ألزمت نفسى ألا أفتى بشىء منها»، حاشية ابن عابدين (4/224)

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved