فى أى زمن نعيش!

إكرام لمعي
إكرام لمعي

آخر تحديث: الجمعة 22 أبريل 2016 - 9:50 م بتوقيت القاهرة

فى تحليل لنظرية عبقرية الزمان والمكان، نجد شعوبا أو بعض الشعوب تعيش اليوم فى القرن الـ 19 أو قبل ذلك، والبعض الآخر يعيش القرن العشرين والبعض الثالث فى القرن الواحد والعشرين. والسبب فى اختلاف الزمن لأناس يعيشون على نفس الكرة الأرضية التى تعلن فى كل أرجائها أنها تعيش النصف الأول من القرن الحادى والعشرين، هو طبيعة المكان أو الحضارة المحلية التى مازالت تعيش فى أزمنة غابرة ففى أى عصر وزمان تعيش مصر!

يتحدث الرئيس السيسى بلغة القرن الحادى والعشرين –وهذا حقيقى– لأنه يحاول جاهدا أن يتحدث بلغة يفهمها العالم وهذه اللغة تتكون مفرداتها من الحرية الفردية – حقوق الإنسان – الديمقراطية – المساواة... إلخ. وهو يحاول جاهدا أن يقنع العالم أن مصر تسير فى هذا الاتجاه، إذ لدينا دستور وبرلمان وشرطة وتعليم وإعلام وهذا صحيح، ولا يستطيع أحد أن يزايد على ذلك. والسؤال هو كيف يفكر مسئولو الدولة الذين يحركون أجهزتها؟. عندما تستمع إلى رئيس الوزراء والوزراء والمسئولين على الأرض تلاحظ أنهم يبدأون بكلمات عامة معاصرة ومقبولة عالميا مثل البحث العلمى فى الشأن الذى يتناوله، ويستخدمون مصطلح التفكير النقدى ومصطلح رؤى المستقبل، ولغة الأرقام والإحصائيات والشفافية... إلخ. لكن بعد هذه المقدمة التى ربما لم تتجاوز العنوان تجد وكأن الحديث ارتد إلى ما قبل مائة عام أو إلى النصف الأول من القرن العشرين والذى كان فكرة يتميز بثلاث مميزات.

الميزة الأولى يمكن أن نطلق عليها الثنائيات ــ أبيض وأسود، مؤمن وكافر، موسى وفرعون؛ فالأحكام تطلق بصورة عشوائية؛ فكل من يتحدث عن الدولة بسلبية يوضع فى بند الأسود والفرعون والكافر والجاسوس والخائن والعكس صحيح، وكل من هو مع الدولة أبيض ومؤمن... إلخ. هذه اللغة انتهت من العالم كله، لا يوجد فى العالم ما يسمى مع أو ضد ولا يثار فى وجهك مثلا هل أنت مع أوباما أو ضده؟ أو مع الرأسمالية أو ضدها؟ لقد استبدل العالم هذا السؤال بسؤال ما رأيك فى هذا أو ذاك ودائما تكون الإجابة ذكر الإيجابيات والسلبيات وأيضا عندما يسأل ما رأيك فى الدين أو المذهب الفلانى؟ يكون نفس الرد ذكر إيجابيات وسلبيات؛ فمثلا فى إجابة أحدهم عن رأيه فى الدين الذى عمره مئات السنين والذى يعتنقه قال أعتقد أننا إذا استبدلنا ممارسة معينة بأخرى أو حدثناها ربما تكون أفضل بالنسبة للشباب المعاصر. لقد ألقى العالم المتقدم سؤالا هل أنت مع أم ضد فى مزبلة التاريخ لأن كل موضوع فى العالم «علم – دين – فلسفة – نظرية وغيرها» يراها الإنسان من عدة زوايا ويحكم عليها بحسب دراسته لها وخلفيته الثقافية، هذا فضلا عن أن كل موضوع من هذه الموضوعات يحتوى على ما هو إيجابى وما هو سلبى. ونفس الأمر فى الحكم على الأشخاص، فالذين يدافعون فى بلادنا عن الرموز السياسية أو القيادات الدينية، عندما يسمعون أى نقد من أى شخص لهذا الرمز أو ذاك ينهالون عليه تقريعا بدلا من الحوار للوصول إلى الإيجابى والسلبى. وقد أصبح إعلامنا من هذا النوع لدرجة أنك تعرف ما الذى سيقوله المذيع قبل أن ينطق به بل هو يبدأ الحديث بعينيه ويديه ولسانه مهاجما المستهدفين باتهامات الخيانة والخذلان والتمويل من الخارج، ولقد حفظ الجمهور مثل هؤلاء ولم يعد أحد ممن لديه أقل قدر من التفكير المنطقى يتحمل أن يشاهدهم.

***

أما الميزة الثانية للعصر الخاص بنا فهو إرجاع الأحداث إلى غير أسبابها الحقيقية، ففى العصور الغابرة عندما كانت تقع حوادث جلل مثل هزيمة فى معركة، أو انهيار اقتصادى مفاجئ، أو انهيار أحد السدود وإغراق مدينة بكاملها، كان الرؤساء والملوك ورجال الدين يتحدثون عن القضاء والقدر، وأن الله كان مقدرا لكل ما حدث ولا ذنب لإنسان فى ذلك؛ فالكوارث من الله وكذلك الفقر وأيضا الهزيمة. إضافة لقول إن هذه الأمور من الشيطان والجن، أى فى كل الأحوال ليس من الإنسان، وبالتالى فلا ذنب لأحد فيما حدث فالهزيمة ليست بسبب عدم تقدير الحكام لكنها قدر، وسقوط السد وغرق المدينة ليس بسبب عدم الصيانة لكنه الشيطان، والحرائق التى تقع فإنها من الجن والعفاريت. ومن الناحية الأخرى تجد اسم الجلالة مكتوبا على بيضة وإذا شققت ثمرة طماطم تجد صليبا... إلخ، لقد نسى العالم المتحضر إرجاع أى ظاهرة لغير أسبابها الحقيقية لذلك تقدم وتطور، أما نحن فما زلنا فى كل حادث نتحدث عن غيبيات ومن يتحدث عن الإهمال والأسباب والأخطاء الإنسانية يعتبر من غير المؤمنين، إذن نحن نعيش فى زمن غابر.

أما الميزة الأخيرة يمكن أن نطلق عليها «اللخمة» وهى حالة تصيب الإنسان غير القادر على التركيز أو التصرف الصحيح فى المواقف المحرجة أو الصعبة التى تحتاج إلى حسن تصرف، وهذا لا يعنى أنه ساذج أو غبى لكنه إنسان طبيعى جدا بل وذكى يتعرض لموقف عادى كثيرا ما تعرض له من قبل، لكنه عالج هذا الموقف فى هذه المرة بالذات بطريقة غبية غريبة عليه، ثم يفيق فيصيح أنا غالبا كنت «ملخوما» أثناء الموقف. وهذه اللخمة أيضا يمكن أن تحدث بصورة جماعية فمرات يقف المرور لفترة طويلة ونظن أن هناك حادثا وقع فى الأمام، لكن بعد ساعة نجد الأمور طبيعية ونكتشف أنها كانت مجرد «لخمة» تحدث بسبب التنافس على المرور مع عدم الالتزام بالنظام. وأعظم نموذج واقعى يحكى عن هذه «اللخمة» كان يوم شاهدنا فى التليفزيون المصرى تجمعا للمثقفين على رأسهم حمدى قنديل وحسن نافعة خلف مرسى فى أحد الفنادق يعلنون تأييدهم له عشية الانتخابات الرئاسية عام 2012، وكان ينافسه الفريق أحمد شفيق ثم اعتذروا بعد ذلك بأنهم كانوا «ملخومين» أو بمصطلحات من هذا القبيل.

***

وفى هذه الأيام تحدث هذه اللخمة كثيرا للقيادات الأمنية ومن أبرزها تلك القيادة التى خرجت علينا لكى توضح أن مصر لم تعذب الصحفى الإيطالى بقولة «إن الشرطة المصرية والأمن المصرى متعود على تعذيب المصريين فقط وليس الأجانب»، وبالطبع مات العالم من الضحك، وأعتقد أن قيادتنا الأمنية هذه كانت «ملخومة» لأنه من المستحيل أن قيادة أمنية وصلت إلى هذا المركز تكون بهذه السذاجة، ثم إن الشنطة التى قدمتها الأجهزة الأمنية وبها متعلقات ريجينى وبها 5 آلاف دولار وتليفوناته!! وأخيرا أزمة الجزيرتين والسؤال المطروح هل كانت الطريقة التى طرحت بها القضية موفقة أم حالة «لخمة»؟
إن العالم الحديث يعتبر «اللخمة» جريمة لا تغتفر خاصة إذا كان «الملخوم» قيادة سياسية أو أمنية أما نحن فى بلادنا العزيزة فنقدره.
عزيزى القارئ: ترى فى أى زمن نعيش؟

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved