يارب تطلع صديقه
أميمة كمال
آخر تحديث:
الجمعة 22 مايو 2009 - 8:01 م
بتوقيت القاهرة
ليس كمثلها قضية.. تلك القصة التى أصبحنا نعيشها بنفس تفاصيلها كل عدة أشهر، وفى كل مرة تحدث وتنتهى ولا أحد يعرف الحقيقة. تلك هى قضية القمح «المتهم بالفساد» الذى لا أعرف كم مرة على وجه اليقين أمسك فيها أحد أعضاء مجلس الشعب بكيس فيه قمح به حشرات تشغى، وحشائش مختلفة الألوان والأطوال، آخذا فى الصراخ وإطلاق اللعنات على المسئولين الذين ليس فى قلوبهم رحمة، ولا يعرفون ربنا، وعن المستوردين الجبابرة الذين قست قلوبهم على أهل بلدهم فاستهانوا بصحتهم ولم يكترثوا بعافيتهم.
وما إن ينتهى هذا المشهد حتى يتلوه على الفور المشهد الثانى، وهو هوجة من تصريحات المسئولين الذين يتبارى كل واحد منهم بإغراقنا بسيل من أرقام القوانين التى لا حصر لها التى تحكم عملية دخول القمح، ولون الحشائش المسموح بوجودها فى القمح، مؤكدين أن الأجهزة الحديثة تستطيع أن تميز الخبيث من الطيب فى الحشائش. بل وتكتشف ما إذا كانت الحشائش الفوشيا أو الروز أو السيمون هى الأفضل أم البنى الداكن والأسود هى الأطعم. وما إذا كانت الحشرات الموجودة فى القمح مازالت على قيد الحياة أم توفاها الله أم تنتظر. ليس هذا كل ما يتأكد منه المسئولون ولكن أيضا يتأكدون ما إذا كانت الحشرة «مألوفة» وعندنا فى مصر زيها أم تسللت لأغراض دنيئة وهى مخالطة الحشرات بتاعتنا. عندها يقرر المسئولون ما إذا كانت الشحنة ستعدم أم ستدخل، ويتم تبخيرها وغربلتها للتأكد من سلامتها، قبل أن يسمح المسئولون لها بأن تلامس فم المواطن، الذى هو أغلى على المسئول من ضناه. ولا ينسى المسئول بالطبع أن يذكرنا أن هذا الضنا الغالى يأكل من نفس الرغيف الذى يأكله المواطن.
وربما الخلاف الوحيد فى المشهد هو اسم المستورد واسم الدولة المستورد منها. ففى المشهد التى نتابعه هذه الأيام الشحنة قادمة من روسيا، بينما كانت فى المرة السابقة من أوكرانيا، والتى سبقتها كانت من أمريكا. لذلك لم يكن من الصعب على البعض أن يرجح بأن وراء هذه المشاهد المكررة «مؤامرة» يحيكها فى كل مرة أحد المضارين. بل وأصبح من السهل أيضا أن يتنبأ أصحاب نظرية المؤمراة بقائمة المضارين. فمن قراءة لجدول واردات مصر من القمح خلال العام الماضى فيه ما يغنيهم عن البحث أو التخمين.
فعندما تتقدم روسيا لتحتل المرتبة الأولى على خريطة وارداتنا من القمح بـ2.9 مليون طن، تليها أمريكا فى المرتبة الثانية بحوالى 2.3 مليون طن، ثم دولة مثل كازاخستان، لم يكن لها ذكر على خريطة وارداتنا، تقفز من المرتبة صفر من 5 سنوات لكى تحتل المرتبة الرابعة بحوالى 350 ألف طن. وتتقدم أوكرانيا للمرتبة الثالثة بينما تتراجع فرنسا فى الطابور عند رقم (5). وفى هذه الأوراق ما يدعم أصحاب نظرية المؤامرة الذين ليسوا كلهم من الأشرار.
فهل من الشر أن يربط أصحاب هذه النظرية بين مشهد القمح «المتهم بالفساد» وبين ما تفضل به السيد مستشار هيئة القمح الأمريكية، منذ أيام فى مؤتمر فى شرم الشيخ، من الحديث حول. تطلع الجانب الأمريكى للاستحواذ على 25% من سوق القمح فى الشرق الأوسط. قائلا إن هذه التطلعات «لن يتم تحقيقها إلا بزيادة كميات القمح الأمريكى لمصر، لأنها المشترى الأعظم فى المنطقة وأنها حولت بوصلة استيراد 80% من واردتها من القمح إلى دول البحر الأسود خاصة روسيا وأوكرانيا؟».
بالطبع هذا الحديث لا يصب إطلاقا بأى شكل من الأشكال فى صف الدفاع عن سلامة «الصفقة المتهمة بالفساد» لأن هذا مجاله المتخصصون. ولكن كل ما يعنينى هو أن نعرف الحقيقة. وهل ما يعدم بالفعل هو «الطالح» وما نأكله هو «الصالح» ؟. ليس فقط حماية لأموالنا ،لأن التى ستدفع ثمن كل هذه المهاترات هى هيئة السلع التموينية التى تسلم ثمن الصفقة فى ميناء الشحن للمستورد الذى يعود بدوره لمصر وينسى موضوع القمح استعدادا للصفقة الجديدة. ولكن أيضا من باب أن نتأكد من أن كل ما يصيب معدتنا هذه الأيام ليس سببه الحشائش الفوشيه والأورنج والحشرات «غير الصديقة»، ولكن لسوء تصرفنا نحن المواطنين. قولوا يارب تطلع صديقه.