عقب عودته إلى واشنطن...هل يُعزل (ترامب)؟

نادر بكار
نادر بكار

آخر تحديث: الإثنين 22 مايو 2017 - 9:48 م بتوقيت القاهرة

(١)
يُدرك المراقبون للوضع الداخلى الأمريكى أن طرحا كهذا كان سيبدو عاطفيا وبعيدا تماما عن واقع الأمور قبل شهر واحد فقط من الآن.. الذين تحدثوا عن محاولات اللحظة الأخيرة لعرقلة تقلد (ترامب) لمنصبه سواء عن طريق رهانهم على تصويت المجمع الانتخابى أو محاولات جمع توقيعات بالملايين من كارهى (ترامب) أو حتى الذين شجعوا على تنظيم مظاهرات مستمرة تجوب أنحاء الولايات المتحدة لتشيع مناخا من الاضطراب؛ كل هؤلاء جمعهم الغضب العارم لمجرد وصول (ترامب) إلى سُدة الحكم.. وما كانت محاولاتهم لتثمر شيئا يعطل عجلة الديمقراطية أن تصل بـ(ترامب) إلى مقعد الرئاسة.
لكن الأمر اليوم جد مختلف... التطور الذى حدث خلال الشهر المنصرم وحده لم يكن أشد الكارهين لـ( ترامب) يتوقع حدوثه.. عدة أخطاء كارثية وقع فيها الرجل بنفسه ودون إيعاز من أحد جعلت الحديث عن (إجراءات العزل) متداولا دون أى قدر من الاستهجان فى الأوساط السياسية الأمريكية وقبلها فى وسائل الإعلام.. وأصبح غاية ما يُقال فى الرد على هذا الطرح من جانب المحايدين أو حتى المعارضين أنه (سابق لأوانه).
***************************
(٢)
خلال أسابيع قليلة تورط الرئيس الأمريكى فى إقالة رئيس المباحث الفيدرالية FBI (جميس كومى)؛ وعلل فى البداية قراره ذلك بالحملة التى قادها الأخير ضد (هيلارى كلينتون) المنافسة العتيدة لـ(ترامب) على الرغم من أن هذه الحملة تحديدا كانت سببا مباشرا فى إشادة (ترامب) بجهود رئيس الـFBI سواء ٌأثناء الحملة الانتخابية أو بعد تقلده منصب الرئاسة.. تبين كذب هذا الادعاء بعد ذلك فى تسريب خطير أخرجته للنور صحيفة (النيورك تايمز) كاشفة بعض تفاصيل اللقاء غير المعلن الذى جمع (ترامب) بوزير الخارجية الروسى وسفير روسيا بواشنطن فى اليوم التالى مباشرة لقرار إقالة (كومى).
المشكلة لم تكن فى قرار إقالة رئيس الـFBI، فمن الناحية النظرية يحق للرئيس الأمريكى القيام بذلك، لكن الذى أثار حفيظة المجتمع السياسى الأمريكى أن (كومى) كان يباشر ملف التحقيق فى قضية العلاقة المحتملة بين حملة (ترامب) الانتخابية وبين روسيا.. والعلاقة المذكورة هنا تحتمل أن تكون قد بلغت حد التدخل الروسى الاستخباراتى المباشر لعرقلة حملة (كلينتون) المنافسة لصالح حملة (ترامب) الذى يبدو أكثر من مجرد صديق للروس... (ترامب) كان قد تواصل مباشرة مع (كومى) قبل أيام من إقالته وسأله بشكل صريح ما إذا كان خاضعا بنفسه للتحقيقات أم لا...خطأ قد يبرره انعدام الخبرة السياسية بأمر حساس كهذا، لكنه سيصبح خطأ كارثيا حينما تضيق الحلقات أكثر وأكثر.

***************************
(٣)

التسريب الذى تصدر عناوين (نيورك تايمز) ويمثل إلى الآن الخبر الرئيسى على موائد تحليل الـCNN يؤكد فى سطر واحد ما سبق أن نفاه عن نفسه الرئيس (ترامب) مرارا وتكرارا... (ترامب) قال نصا لوزير الخارجية الروسى أثناء اجتماعهما غير المعلن فى البيت الأبيض أنه للتّو قد أصدر قرارا بفصل (كومى) منهيا حالة الضغط التى كان يقع تحت طائلتها بسبب موضوع التحقيق معه هذا... الآن انتهت مسألة التحقيقات تلك، هكذا قال (ترامب).. ولم يكن يدرى أنها للتو قد بدأت!
وثمة خطأ آخر تسرب من داخل الاجتماع نفسه وأخذ زخما كبيرا قبل أيام من الكشف عن هذا الجانب من حديث (ترامب) مع (سيرجى لافروف) وزير الخارجية الروسى. (ترامب) على حد زعم الصحيفة الأمريكية ذائعة الصيت أفشى أمام ضيفه معلومات استخباراتية مصنفة تحت بند السرية تتعلق بتنظيم (داعش) كان قد حصل عليها من استخبارات دولة حليفة.. ليس هذا فحسب وإنما تباهى الرئيس الأمريكى بمعرفته للطريقة التى تم بها استقاء هذه المعلومات بشكل تفصيلى.. تبعات هذا الإفشاء قد تفضى إلى كشف مصادر تلك المعلومات داخل تنظيم (داعش) إذا ما اتبع التنظيم نظرية (الهندسة العكسية)...خطأ ٌ كهذا قد يؤدى وحده أو مؤيدا بأدلة أخرى إلى تعزيز اتهام مباشر لـ(ترامب) بإقامة علاقة مشبوهة مع (موسكو) تضر بالمصلحة العليا الأمريكية.

***************************
(٤)

ثلاث سقطات إذن، تدور أغلبها حول محور واحد، وتكفى واحدة منها إذا ما تتبعتها دوائر التحقيق الأمريكية أن تضع الكونجرس تحت ضغط البدء فى إجراءات عزل الرئيس للمرة الثانية فى تاريخ الولايات المتحدة.. وزارة العدل تفاعلت بشكل خاص مع القضية عقب قرار إقالة (كومى) مباشرة وقامت بتعيين (مدع ٍ خاص) يتولى التحقيق حول صلات (ترامب) ورجاله بروسيا.. والصلاحيات الممنوحة له بالإضافة إلى الشهادة المنتظرة التى سيدلى بها (كومى) أمام الكونجرس كلها تؤكد أن اتهاما على غرار (تعطيل سير العدالة) على أقل تقدير قد يكون باكورة ما ينتظره البيت الأبيض فى الأيام المقبلة.

***************************
(٥)

تسريبات نيورك تايمز وتحليلات الـCNN ليست بريئة نزيهة بالطبع.. ثمة من يتعقب الرئيس الأمريكى من الدوائر شديدة الخصوصية المحيطة به.. وثمة من يعلم كيف ومتى يستثمر أخطاء الرجل ويستفزه بها ليوقعه فى أخطاء أكبر حتى يحكم الخناق عليه.. بل إن الأمر قد يصل بنا إلى حرب ( تسجيلات صوتية) يسربها كل طرف للآخر، سواء ٌ المناوئون لـ(ترامب) غير المعروفين داخل الأجهزة الأمنية الأمريكية، أو حتى (ترامب) نفسه ضد من يعتبرهم خصومه، وعلى رأسهم (جيمس كومى) رئيس المباحث الفيدرالية المُقال.
***************************
(٦)

هل ثمة خطة بديلة أو سيناريو مغاير لدى كبار القادة العرب للتعامل مع مرحلة ما بعد عزل (ترامب)؟ حجم الاتفاقات الهائلة والتفاهمات الكبيرة مع الرجل خلال قمة (الرياض) قد لا يعطى الإجابة المتفائلة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved