استعادة لوقائع الهزيمة العربية فى فلسطين: العرب يغتالون مستقبلهم.. هربًا من المواجهة!

طلال سلمان
طلال سلمان

آخر تحديث: الثلاثاء 22 مايو 2018 - 9:50 م بتوقيت القاهرة

عندما يخرج العرب من فلسطين فإنهم إنما يخرجون من التاريخ، ويعودون إلى انقساماتهم ما قبل الإسلام ودولته: قبائل وعشائر مقتتلة على الماء والكلأ.. حتى لو صار الماء ذهبا أسود والكلأ غازا أبيض.
وها هم الآن يتوزعون بين معسكرى الثروة، ومعسكر الحاجة والعوز..
وللثروة مرجعها الأمريكى، و«الوسيط» دائما، بل «الشريك» هو اليهودى الذى باتت كنيته الآن «الصهيونى» ممثلا بدولة إسرائيل التى تعادل فى أهميتها ولاية واشنطن الأمريكية.
على هذا فتحرير فلسطين بات فى منزلة الأمانى والأحلام..
ذلك أن تحريرها يتطلب، بداية، وحدة العرب.. وبين المستحيلات، فى اللحظة الراهنة، توحد أغنياء العرب بالنفط والغاز مع فقراء العرب متسولى القروض والمساعدات والهبات والشرهات لكى يتمكنوا من حفظ دولهم الفقيرة والتى لا تملك إمكانات النهوض والتقدم وصولا إلى الاكتفاء الذاتى..
ثم إن أغنياء العرب بالنفط والغاز مرتبطون عضويا بالقرار الأمريكى، الذى لا يمكن أن يكون مضادا أو مناهضا لمصالح الصهيونية التى تتقاسم مع الإدارة الأمريكية رعاية «إسرائيل» كمشروع سيطرة على منطقة المشرق الغنية بالثروات، نفطا وغازا، فضلا عن موقعها الاستراتيجى الذى يتوسط العالم وتتركز فيه عقدة المواصلات بين الشرق والغرب.
ولعل العرب، عموما، قد تأخروا فى إدراك خطورة المشروع الإسرائيلى، فتعاملوا معه، بداية، كحنين تاريخى عند «يهودهم» قبل أن ينتبهوا إلى أنه يتجاوز ذلك بكثير، لا سيما إذا ما ربط بتقدم الأمريكيين نحو المشرق العربى الذى يمكن التأريخ له بذلك اللقاء الاستثنائى بين الرئيس الأمريكى المنتصر فى الحرب العالمية الثانية، روزفلت، وملك السعودية، عبدالعزيز آل سعود.
***
ولقد ساعدت الحرب العالمية الثانية، وتفوق الغرب الأمريكى معززا بانتصارات الاتحاد السوفيتى الداخل حديثا إلى المسرح الكونى، فى بلورة المشروع الصهيونى وإعطائه بعدا عالميا جديدا يتمثل بعنوان «الاضطهاد النازى لليهود» و«المحارق» فى بولونيا وأنحاء أوروبية أخرى... مما أعطى مسألة «مظلمة اليهود» هيئة جريمة فظيعة ضد الإنسانية، لا بد من علاجها بإقامة دولة يهودية على أرض فلسطين، ترعاها دول العالم أجمع، شرقا وغربا، بدليل أن روسيا كانت الصوت الأول فى تأييد إقامة هذه الدولة اليهودية، التى سوف تسمى «إسرائيل» فوق أرض فلسطين... وهى بهذا قد سبقت الولايات المتحدة الأمريكية.
هكذا قربت الوقائع الميدانية والتطورات السياسية الحلم الصهيونى الذى كان بشر به هيرتزل، والذى نقله وزير خارجية بريطانيا اللورد بلفور إلى عالم السياسة عبر «وعده» الشهير بإقامة دولة ليهود العالم فوق أرض فلسطين... بعد تناسى أو تجاوز أو إهمال التعهدات البريطانية لأمير مكة المكرمة والحجاز الشريف حسين بن على الهاشمى بجعله ملكا على العرب، وتحريضه على دعوتهم للثورة على الأتراك، تمهيدا لإقامة أو إعادة مملكة العرب الموحدة تحت عرشه.
نحو إمبراطورية إسرائيل..
ولعل الحرب العالمية الثانية قد رسمت بخواتيمها، ومن ضمنها المحارق النازية ضد «اليهود» نقطة التحول العظمى فى المشروع الصهيونى لفلسطين، إذ تحول من دولة بإمكانات محدودة على بعض أرض فلسطين، إلى مشروع إمبراطورى للحركة الصهيونية تحت الرعاية الأمريكية، مع تأييد سوفيتى، وتعاطف دولى نتيجة المحارق النازية ضد اليهود، ولو كذريعة وتبرير..
وكان العرب فى غفلة عن هذه التحولات، يعيشون خيبة الأحلام التى تلقوها من الغرب، وينصرف كل قطر إلى صياغة دولته فى كيانه المستقل، تاركين مشاريع الوحدة والاتحاد والتقدم للأحلام.
على الضفة الأخرى، كانت «الدول» العربية المرتهنة للاحتلال البريطانى أو الانتداب الفرنسى، أضعف من أن تواجه مشروعا مسلحا بكل هذا الدعم الدولى الذى يترجم نفسه بدبابات تنقل فورا إلى أرض فلسطين بطواقمها، وفوقها طائرات حربية بطياريها وجنود تم تدريبهم فى ميادين الحرب العالمية الثانية، كما تم تجهيزهم بالخبراء والسلاح ليباشروا «حرب التحرير» ضد الدول العربية المجاورة التى ليس لها جيوش فإن توفر العديد فليس فى يده سلاح، ولا طائرات أو دبابات أو مدفعية ثقيلة.
***
على هذا فإن الحرب الإسرائيلية لاحتلال أكثر من نصف فلسطين، مع الشاطئ على المتوسط، كانت أشبه بنزهة: فلا الشعب الفلسطينى مجهز ومهيأ لحرب ضد جيش حديث، خصوصا وأن المقاتلين مجموعات من المتطوعين بقيادات متعددة وناقصة الكفاءة القتالية لحرب حديثة، فى حين أن لليهود جيشا حديثا بطائرات حربية ودبابات وضباط مؤهلين وجنود سبق أن قاتلوا وتم تدريبهم (وتسليحهم) ضمن جيوش الحلفاء.
ومعروفة هى الوقائع المتصلة بتلك الفترة: حصار الكتيبة المصرية التى دخلت فلسطين بقيادة الشهيد أحمد عبدالعزيز وبين ضباطها جمال عبدالناصر، واستمرار هذا الحصار حتى «الهدنة».. وكذلك حكاية «جيش الإنقاذ» الذى تشكل فى غمرة الحماسة بقيادة فوزى القاوقجى وعجزه عن التقدم فضلا عن الانتصار على جيش ممتاز التدريب وممتاز فى تسلحه وبقيادة مؤهلة... وبالطبع فإن المتطوعين ممن تركوا الجيش السورى ليذهبوا إلى الحرب، ومعهم بعض القادة السياسيين (أكرم الحورانى، مثلا) كانوا قلة شجاعة تدخل حربا حديثة بالبنادق معززة بالحماسة.
لا ضرورة للسؤال عن النتائج: لقد هُزم العرب، وقامت دولة إسرائيل، قوية بسلاحها وبالدعم الدولى الكاسح.. وقد تركت الضفة الغربية، إلى موعد آخر، فاستفاد الأمير عبدالله من الفرصة المتاحة وضم الضفة إلى إمارته فى شرق الأردن فصار ملكا، بينما هو يهتف لفلسطين..
ولقد اغتيل هذا الملك وهو خارج من المسجد الأقصى بعد ثلاث سنوات إلا قليلا من إقامة دولة إسرائيل.. وكان قد اغتيل فى السنة ذاتها والشهر نفسه (يوليو1951) رئيس حكومة لبنان، الراحل رياض الصلح، بينما كان فى زيارة لعمان.
الغزوةــ دولة عظمى!
هذه نتف من حكاية العرب مع فلسطين والمشروع الصهيونى الذى استقبله قادتهم وكأنه «غزوة» سرعان ما تنتهى «بمصالحة» تعطى كل طرف فيها «بعض» الحق، فتقوم على أرض فلسطين دولتان: إحداهما أقوى من مجموع العرب، والثانية أشبه بإعلان عن ضعفهم.. وبالتالى فقد تقزمت إلى «سلطة» تعجز عن حماية شعبها، وعن «توحيد» ما أعطى لها من أرض فلسطين، فظل
«قطاع غزة» مستقلا عن الضفة حيث السلطة التى لا سلطة لها. وبالتالى فإن فلسطين جميعا تحت الاحتلال الإسرائيلى بعد..
يمكن الإضافة أن مسيرة «الصلح» مع العدو الإسرائيلى مستمرة، بدواعى العجز عن مقاومته خصوصا وقد باتت إسرائيل مركز الثقل فى مشروع الهيمنة الأمريكية الكاملة على المنطقة العربية (التى تم تبديل اسمها إلى «الشرق الأوسط» لأسباب تتصل بمركز الهيمنة العالمية على العالم، واشنطن..).
وهكذا فقد العرب مع الأرض هوية وطنهم الكبير، بما فيه ممالك الذهب الأسود وإمارات الذهب الأبيض، التى لم تتأخر عن استيعاب دروس الهزيمة، فاستقلت بثرواتها، تحت المظلة الأمريكية، وذهبت إلى العدو القومى، إسرائيل، مصالحة.. وبشروطه.
والكفاح دوار...
لكن شعب فلسطين ما زال يقاوم، بلحمه الحى.. وآخر الوقوعات المذبحة التى ارتكبها جيش الاحتلال الاسرائيلى ضد الشباب والأطفال والنساء العزل الذين خرجوا إلى قرب السور المكهرب، يتظاهرون طلبا للحرية وتوكيد هويتهم الوطنية (العربية)، فكانت النتيجة أن أسقط العدو أكثر من مائتين وخمسين شهيدا وآلاف الجرحى والمعاقين..
مع ذلك فالقضية حية، وكلما نسيها أهلها العرب ذكرهم الفلسطينيون منهم بدمائهم أن الحرب لم تنته، وأن فى فلسطين شعبا حيا يقتل باسم أمته ولأجلها من أجل الحرية والاستقلال والعزة والكرامة، وحق الوجود.
والكفاح دوار.. وإن غادره الخارجون على إرادة الأمة وحقها فى الحرية والمستقبل الأفضل.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved