العرب مشغولون بالفتنة بين السنة والشيعة ودولة يهود العالم تواصل التهام فلسطين

طلال سلمان
طلال سلمان

آخر تحديث: الأربعاء 22 سبتمبر 2010 - 9:44 ص بتوقيت القاهرة

 بينما تعلن إسرائيل نفسها «دولة يهود العالم» وتفرض قرارها هذا على «الدول» جميعا، فى الغرب والشرق، وعلى العرب بوجه الخصوص، يتشظى الحلم بتوحد العرب، أقله فى الموقف السياسى، وتتباعد أنظمتهم عبر المخاصمات والمناكفات وعمليات الإيذاء المباشر إلى حافة الحرب، أهلية، أو عربية عربية.

إن معظم الدول العربية مهددة الآن، بالتقسيم أو التشظى، بفعل الفتن المصنوعة محليا أو المستوردة أو المحركة من الخارج باستغلال سوء الأوضاع نتيجة تردى الحكم والجفاء بينه وبين شعبه.

بعض هذه الدول العربية يتهددها التقسيم على أساس عرقى وعنصرى، كما السودان (وربما موريتانيا، وربما الصومال، وبعض دول المغرب العربى).

وبعض آخر جاءها خطر التقسيم محمولا على ظهر دبابات الاحتلال الأمريكى، وارث الطغيان المحلى، كما العراق، أو بسبب فشل الحكم الفردى فى صيانة الوحدة الوطنية وتعزيزها، كما اليمن وأقطار أخرى.

وبعض ثالث يتنامى فيها خطر الانشقاق الداخلى منذرا بحرب أهلية على قاعدة طائفية أو مذهبية، لأسباب تتصل بعجز النظام والنقص فى صلابته الوطنية أو استغنائه بنفسه عن شعبه أو تحكيم فئة متصلة بأهله بالقرابة أو بالمصلحة بمقدرات البلاد بحيث يشعر مواطنه بأنه غريب فى وطنه.

ومع أن الفتنة داخل المسلمين، وبالتحديد بين السنة والشيعة، هى استثمار سياسى مباشر لإسرائيل خاصة والغرب عموما، إلا أن بعض أهل النظام العربى لا يتورعون عن المشاركة فى النفخ فى نارها ويتابعون بلا مبالاة ظاهرة توسع رقعتها وتفاقم خطرها المدمر.

فى المشرق العربى، وانطلاقا من لبنان الى البحرين وبالعكس، مع محطة مركزية فى العراق، يجرى العمل على مدى الساعة لتمويه الخلافات السياسية، وأولها الصراع على السلطة، باستعادة صفحات من «الفتنة الكبرى» التى قسمت المسلمين فى فجر الإسلام وأضرت بمشروعهم السياسى.

تم «تحييد» الاحتلال، بوجهيه الإسرائيلى والأمريكى، للاندفاع إلى حروب تستخدم الماضى لتدمير الحاضر وتنذر بدفع البلاد إلى مخاطر هدر المستقبل فى مهاوى التمزق والاندثار.

الهزيمة ولادة

إلى ما قبل سنوات كان النضال من اجل التحرر والتوحد والتقدم قد اسقط الفواصل الطائفية والمذهبية بين أبناء الشعب الواحد، فى مختلف أقطار المشرق، خصوصا، ووحدهم فى مواجهة المستعمر والحاكم الظالم المستقوى على شعبه بالأجنبى، مرتفعا بهم فوق النزعات الانفصالية على أساس عرقى أو طائفى أو مذهبى..

فى لبنان، مثلا، كان للصراع السياسى إلى ما قبل ربع قرن، عنوان الضغط الشعبى على النظام لإسقاط احتكار السلطة بذريعة حماية «الأقلية الطائفية المسيحية» من مخاطر اجتياحها بمطالب الأكثرية الإسلامية، للمشاركة فى.. جنة الحكم!

أما اليوم وفى ظل تهالك النظام العربى وتردى أهله واندفاعهم الى طلب الحماية من الأجنبى (ولو كان العدو الإسرائيلى نفسه) فإن الصراع على السلطة يتخذ سياقا آخر تصور معه الطائفة الشيعية (التى تكاد تخرج من الدين الإسلامى) وكأنها تحاول الاستيلاء على الحكم، وبقوة السلاح، على حساب أهل السنة.

فى حين كان الجميع يرى، الى ما قبل فترة وجيزة، فى سلاح المقاومة (التى يتنافى جهادها بطبيعته مع المذهبية والطائفية) قوة للوطن والأمة (والدين بما هو حض على التحرر وحفظ كرامة الإنسان)، فإن النفخ فى رماد الفتنة، يسعى لقلب الصورة وتصوير المجاهدين وكأنهم أصحاب مشروع انقلابى يرعاه «الحرس الثورى الإيرانى» للقضاء على «السنة» باعتبارهم حملة راية العروبة، كأنما القومية والطائفية أو المذهبية هما وجهان لعملة واحدة!

وإلى ما قبل سنوات قليلة، كان الشارع الوطنى فى لبنان (بغالبيته من المسلمين، سنة وشيعة) هو حامى القضية الفلسطينية بوصفها التجسيد الحى للعروبة، يعصم اللبنانيين عموما، والمسلمين خصوصا، سنة وشيعة من مثل هذا الانقسام..

أما فى العراق فالأمر أكثر تعقيدا.. فكثير من أهل النظام العربى، الذين حرضوا الأمريكيين على احتلال العراق وتدميره، انتبهوا متأخرين إلى أن «الشيعة» يشكلون «أكثرية العرب» من شعبه، والكثرة الغالبة من شهداء حروب طاغية بغداد، سواء ضد إيران (الشيعية) بذريعة منعها من تصدير ثورتها الإسلامية، أو فى اجتياحه الكويت، أو فى عمليات الانتقام المريع من أهالى الجنوب والوسط ومعظم بغداد التى أعقبت الحربين اللتين لا يبررهما إلا غرور الحاكم الفرد وقد وجد من يشجعه على المغامرة الأولى بتحريض مذهبى، والثانية بالاستكبار وروح الثأر، إلى حد الانتحار.

بل إن بعض أهل النظام العربى لم يتورعوا عن احتضان تنظيم «القاعدة»، ولو بشكل غير مباشر، بوصفه تنظيما سنيا يعادى الشيعة ويكفرهم علنا، ودفعه إلى ضرب الشيعة بالاغتيالات الجماعية والهجوم على مواكب احتفالاتهم الدينية بالسيارات المفخخة ومجازرها المروعة.

تناسى الكل واقع الاحتلال الأمريكى وانصرفوا عن مواجهة جنوده كخطوة أولى على طريق تحرير العراق تمهيدا لطرده منه، تحت راية العروبة والاستقلال (والإسلام) وانقسموا عند عتبة السلطة يتنافسون فى إعلان الولاء للمحتل ليحظوا بمواقع حاكمة فى ظل الحاكم العسكرى الأمريكى (ولو بثياب مدنية).

وها هم يعجزون عن تشكيل حكومة لأن أهل النظام العربى قد مدوا منافساتهم ومناكفاتهم واجتهادهم فى خدمة الاحتلال إلى داخل ارض الرافدين فقسموا العراقيين إلى حد استحالة التفاهم على حكومة وحدة وطنية تلبى الأغراض المناقضة لمستثمرى الانقسام الطائفى على حساب العراق الذى كان بين الأقوى من الدول العربية.

أما فى الكويت فينفخ فى نار الفتنة بسبب تخريفات أطلقها بعض المشبوهين فى لندن، واعتبرت هجمة شيعية على السنة تستهدف وحدة الدولة التى ما تزال تعانى من آثار غزوة صدام.

وتبقى ملاحظة على الهامش

لقد تجشم رئيس اكبر دولة عربية (التى تسامت فوق الطوائف والمذاهب والنزعات الدينية) وملك العرش البديل من فلسطين (الأردن) عناء السفر إلى واشنطن، والوقوف خلف رئيس حكومة يهود العالم، بنيامين نتنياهو، وأمام الرئيس الأمريكى الأسمر باراك أوباما، كشهود على صفقة تخلى «سلطته «ذات الرعاية الاستثنائية عن حقوق الشعب الفلسطينى فى أرضه.. من غير أن يتنبها إلى أن هذا التنازل الخطير يصيب بالضرر الماحق شعب فلسطين كله (أكثر من عشرة ملايين غالبيتهم الساحقة من أهل السنة، والأقلية الباقية من المسيحيين وليس بينهم شيعى واحد!).

ثم عاد الجميع إلى بلادهم وقد ازدادوا عزما وإصرارا على القضاء على «الخطر الشيعى»، علما بأن ليس فى مصر أو الأردن أو فلسطين أى وجود فعلى للشيعة.. علما بأن إسرائيل هى التى توطد بناء دولتها الدينية والعنصرية فوق «أرضهم» العربية الإسلامية بعاصمتها القدس (التى فتحها عمر وحررها صلاح الدين) كما تقول بعض الشعارات المرفوعة عهدا للقدس باستعادتها وإعادة أهلها المتناثرين فى أربع رياح الأرض إليها.

وبعد العودة كان على النظام فى مصر أن يواجه تحركا ينذر بمقدمات عصيان من طرف تيارات قبطية تجد من يحرضها ويساندها ويدعم مقولتها بأن مصر دولة لدينين (وشعبين) احدهما أصيل فيها، مغبون ومضطهد، والثانى وافد أخذها بالسيف وما زال يتحكم فيها ويحرم «شعبها الأصلى» من «حقوقه فى بلاده».

فى هذه الأثناء كان إنشاء المستوطنات يتواصل.. ومنذ بداية «عملية السلام» فى أوسلو (1993) وحتى تاريخه تضاعف عدد المستوطنين الإسرائيليين (الذين يعيشون فى الضفة الغربية) ثلاث مرات ليرتفع من مائة وعشرة آلاف إلى أكثر من ثلاثمائة ألف فى 121 مستوطنة ومائة بؤرة استيطانية أمامية.. إضافة إلى أكثر من مائتى ألف مستوطن آخر يحاصرون القدس الشرقية.

وهكذا ينتصر الدين الحنيف على أهل الكفر والشرك، الذين لا بد هالكون بعون الله وإذنه.

والحمد الله من قبل ومن بعد، على نعمه الكثيرة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved