تحذير أخير إلى زعماء فى الغرب

جميل مطر
جميل مطر

آخر تحديث: الخميس 22 سبتمبر 2011 - 10:10 ص بتوقيت القاهرة

يغامر الغرب حين يقرر حرمان الفلسطينيين من تحقيق رغبتهم فى الحصول على مقعد للدولة الفلسطينية فى الأمم المتحدة أو حين يقرر الالتفاف على هذه الرغبة.

 

قرأت التصريحات المتغطرسة الصادرة عن بعض المسئولين فى الغرب، وبخاصة الولايات المتحدة، وراعنى أنها تعكس استمرار حالة الإنكار التى هيمنت على السياسات الغربية تجاه العالمين العربى والإسلامى، أو أنها تعنى أن الرسائل الصادرة من ميادين وشوارع المدن التونسية والمصرية واليمنية والليبية والسورية لم تفهم فى عواصم أوروبا وأمريكا.

 

يتصرف المسئولون فى بعض دول الغرب كما يتصرف بعض الحكام العرب الذين يرفضون الاعتراف بأن شيئا كبيرا فى العالم العربى أصابه التغيير، وأن عرب اليوم ليسوا كعرب الأمس، حتى وإن بدا من بعض التطورات السياسية والاقتصادية فى الدول الثائرة أن القوى المضادة للثورة تقف عائقا ضد اكتمال أهداف الثورات العربية. يتصرفون، وأقصد بهؤلاء مسئولين فى الغرب وسياسيين عرب سابقين وحكام متشبثين، مستخدمين سلوكيات استكبار وتعال، ومتصورين أن حاجة شعب ليبيا للمساعدة الفورية، وحاجة حكومة مصر لدعم مادى خارجى بالإضافة إلى رخاوة صوتها حينا وقصر نظرها حينا آخر ونقص كفاءتها فى أحيان كثيرة، وحاجة ثوار اليمن إلى حياد الأقربين ورفع أيديهم عن بلادهم، وحاجة ثوار سوريا إلى دور خارجى هم أنفسهم لم يقرروا بعد نوعه وحجمه ومصدره، حاجات تعنى أن الثورات ربما تكون تعبت وأن فرصة الغرب حانت مجددا لاستئناف الهيمنة وتقسيم ثروات العرب وإعادة تدويرها وتوزيعها، وزرع الفتنة فى صفوفهم والتحكم فى أقدارهم لقرن قادم كما فعلوا على امتداد القرن العشرين بدءا بالخريطة التى رسمتها فرنسا وانجلترا.

 

قدم الفلسطينيون، وهذا حقهم، طلبا إلى الأمين العام للأمم المتحدة لطرح قضية انضمام دولة فلسطين، وهى الدولة المعترف بها من أغلبية الدول، إلى الأمم المتحدة عضوا. والمفهوم أن الأمين العام أحال الطلب إلى مجلس الأمن لإقرار عرضه على الجمعية العامة.

 

هناك فى المجلس يتوقع الفلسطينيون أن تستخدم الولايات المتحدة حق الاعتراض فيسقط مشروع القرار كما سقطت من قبله عشرات المشاريع التى قدمها الفلسطينيون والعرب والأفارقة على مدى عقود عديدة. قدموا الطلب وهم يعلمون أنه سيرفض. بعض العرب رأى فى منامه أن أمريكا ستتغير بأوباما، فتقف إلى صف العدالة الدولية أو تستجيب لنداء الأغلبية الساحقة من الدول الأعضاء فى المنظمة الدولية. وبعضهم عاش حياته على أمل أن رئيسا أمريكيا ستتجدد له الولاية لفترة ثانية فيتشجع ويوافق على مشروع قرار فى مجلس الأمن لصالح الشعب الفلسطينى.

 

راهنت إسرائيل والغرب دائما على أن الحكام العرب يحتاجون أمريكا أكثر من حاجة أمريكا لهم. وتراهن إسرائيل الآن على أن حاجة العرب إلى أمريكا، وغيرها من دول الغرب، ربما صارت أشد فى ضوء الصعوبات التى يواجهها كافة الحكام العرب وفى ضوء نوع جديد من الصعوبات يواجهها المتصدرون لقيادة الثورات العربية. إذ إنه حين تتعقد الأمور كما حدث فى ليبيا وسوريا واليمن ترتفع أصوات «ثورية» تطلب من الدول الغربية التدخل لحماية الشعوب من وحشية قوى الأمن وبطشها. تناغم غريب بين سلوك الحكام العرب والدول الغربية. إذ كلما ازدادت قسوتهم فى إيذاء شعوبهم ازدادت فرص الدول الغربية للتدخل واستعادة نظام الوصاية الدولية أو «احتلال» البلاد مدعوة من قواها الثورية!!.      

 

تقول إسرائيل فى حيثيات رفضها مناقشة انضمام فلسطين إلى الأمم المتحدة، إن هناك أربعة شروط يجب توافرها للاعتراف، هى وجود شعب دائم وحدود معروفة وحكومة فاعلة وقدرة على إدارة علاقات خارجية. وكلها حسب رأى إسرائيل غير متوفرة كما ورد فى المذكرة الرسمية التى وزعتها الخارجية الاسرائيلية على بعثات دول الاتحاد الاوروبى. أفهم أن تطرح إسرائيل اعتراضات وأفهم أن تكذب وأفهم أن تقتل وتشرد فديدنها منذ هبطت علينا القتل والتشريد،، ولكنى لا أفهم أن تستمر دول فى أوروبا الغربية، وأن تستمر أمريكا، فى ترديد المعانى نفسها، وهى تعلم أنها غير صحيحة. لا أفهم هذا السلوك من دول تسعى لاقناعنا بأن القيم التى تدعو إليها وتبشر بها وتتصدرها قيم العدالة وحق تقرير المصير واحترام إرادة الشعوب. ولا أفهم أن يحدث هذا الآن، فالشعوب العربية أنشبت ثورات هدفها المعلن والأساسى استعادة كرامتها. هذه الشعوب رغم الضائقات التى تمر بها مازالت معبأة بغضب شديد يتصاعد مع كل عمل تقدم عليه دولة غربية تسعى من ورائه إلى الاستفادة القصوى والفورية من حالة حاجة القوى الثورية لدعم خارجى، أو من حالة التعب المؤقت الذى أصاب المد الثورى.

 

عدت أقرأ خطاب أوباما الذى ألقاه فى القاهرة فى مارس من عام 2009، والتعليقات الحالمة التى علق بها كبار وصغار المحللين والسياسيين فى العالمين العربى والاسلامى على هذا الخطاب. أوحى أوباما إلى المسلمين والعرب فى كل مكان، أنه سيقف ضد حروب إسرائيل الخارجية، وضد محاولات رفض مفاوضات وتعطيل مسيرة السلام. انتظروا أن يتخذ موقفا شديد الصلابة ضد الاعتداء الإسرائيلى على قافلة الحرية التركية، وأنه، وهو رجل القانون والعدالة والإنصاف، لن يسكت على مهزلة تراجع القاضى جولدستون فى تقريره الذى قدمه إلى المجتمع الدولى عن جرائم إسرائيل فى غزة، ولن يسمح لحكومته بتسريع عملية دفن حكم محكمة لاهاى الصادر فى قضية الجدار.

 

بالنسبة للفلسطينيين، ولنا أيضا، أوباما لا يختلف عن غيره من القادة الأمريكيين، فهو مثل سياسته الخارجية أسير إرادة الحركة الصهيونية كما كشفت تصريحات المسئولين فى حكومته وخطابه التعيس للغاية الذى ألقاه فى مؤتمر آيباك الأخير، واعتراف أعوان له أن إسرائيل تدخلت فى صياغته، أى أنها تدخلت فى التعبير عن السياسة الخارجية الأمريكية. كان مثيرا هذه المرة ككل المرات السابقة متابعة ردود فعل كثير من أجهزة الإعلام الأمريكية وتحركات البيت الأبيض لهزيمة مرشح الحزب الديمقراطى الحاكم فى انتخابات تكميلية، كمؤشر له دلالة بالنسبة للانتخابات الرئاسية القادمة. لم يخف قادة اليهود نيتهم إسقاط مرشح أوباما كنموذج على ما يمكن أن يفعلوه فى الانتخابات الرئاسية، أرادوا ابتزاز الرئيس قبل انعقاد مجلس الأمن وطرح قضية انضمام فلسطين لعضوية الأمم المتحدة. ذهبوا إلى حد تبديل ولاءاتهم السياسية التقليدية كمناصرين للحزب الديمقراطى فصوتوا لمرشح الحزب الجمهورى للمقعد الذى شغر باستقالة النائب وينر الديمقراطى المنحرف اخلاقيا والمؤيد بشدة لإسرائيل. نعرف، ويعرف الكثيرون، أن غضب الناخبين نابع أساسا من الظروف الاقتصادية السيئة للغاية التى يمر بها الاقتصاد الأمريكى.

 

كتب الرئيس الأسبق جيمى كارتر يحذر إسرائيل من مغبة تصعيد لهجة خطابها السياسى سواء فى موضوع انضمام فلسطين للمنظمة الدولية أو بالنسبة لعلاقاتها بمصر، ويعاتب حكومة باراك أوباما على مواقفها المترددة ونكوصها عن التزامات الرئيس فى خطاب القاهرة وبخاصة ما ورد فيه عن تمسكه بوقف الاستيطان وخطابه التالى فى مايو من العام نفسه وما ورد فيه عن حدود 67. يذكّر كارتر فى مقاله الذى نشرته له صحيفة هيرالد تريبيون كافة أطراف كامب دافيد وهو مهندسها أنه بينما بقيت اتفاقية السلام سائدة بين الطرفين فقد جرى تجاهل البنود الأساسية فى اتفاقيتى كامب دافيد. ويحمل كارتر مصر وإسرائيل المسئولية فيقول إنه «بعد موت السادات لم يلح مبارك على تنفيذ البنود الخاصة بالحقوق الفلسطينية رغم أن الغالبية العظمى من المصريين استمروا يلحون على ضرورة أن تحترم إسرائيل التزاماتها».

 

كثيرون فى مصر وخارجها حذروا الحكام العرب من مغبة عدم استعدادهم لفهم أبعاد التغيرات فى نفسية الشعوب العربية. استمروا فى غيهم وغطرستهم حتى فاجأتهم الثورات. كانت الكبرياء كلمة السر. نكرر المعنى نفسه فى رسالة واضحة إلى زعماء الدول الغربية، لا تستهينوا بدرجة الغضب الشعبى فى العالمين العربى والإسلامى. حاولوا أن تفهموا وتتغيروا قبل أن يفاجئكم حريق هائل.

 

ما زالت الكبرياء كلمة السر.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved